يواجه رئيس مصر القادم ست أزمات كبرى تهدد بإفشال مسيرته في حكم البلاد إذا لم يضعها ضمن أولوياته عند الوصول إلى قصر الرئاسة. ورغم أن هذه الأزمات ظهرت جلية في فترة ما بعد ثورة 25 يناير 2011، إلا أن حدتها تفاقمت في فترة ما بعد عزل السابق محمد مرسي، بحسب ما قاله خبيران سياسيان لوكالة الأناضول. ويصعب على أي رئيس قادم لمصر وضع حلول جذرية وحاسمة لهذه الأزمات، لكن يمكنه، بحسب الخبيرين، تحجيم تأثيرها في مرحلة أولية لينطلق بعدها وفي مرحلة لاحقة نحو معالجتها. وتنحصر المنافسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة يومي 26 و27 مايو المقبل، بين مرشحين فقط هما: وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي، والسياسي الناصري وزعيم حركة التيار الشعبي حمدين صباحي. وفيما يلي الأزمات الست التي تنتظر رئيس مصر القادم: 1- الأزمة السياسية الداخلية: تأتي الأزمة السياسية الداخلية في مقدمة التحديات التي تواجه رئيس مصر القادم، حيث يترقب المصريون إلى معرفة رؤية الرئيس في معالجة حالة الاستقطاب السياسي التي يشهدها الشارع المصري منذ تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك في 11 فبراير2011 والتي زادت حدتها في الفترة التي تلت الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في 3 يوليو 2013 بسبب رفض تيار لهذه الإطاحة واعتبارها "انقلابا عسكريا"، وتأييد تيار آخر لها واعتبارها استجابة ل"ثورة شعبية". مختار غباشي، نائب رئيس "المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية" في مصر (مركز بحثي مستقل)، قال لوكالة الأناضول إن "الأزمة السياسية الداخلية ستكون الاختبار الحقيقي لقدرة الرئيس القادم على السيطرة على كافة الأزمات المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ظل حالة الاستقطاب الشديد بين كافة التيارات السياسية في البلاد، وهو ما يجعل المصريون يعلقون أمالاً على الرئيس الجديد للوصول لمرحلة التهدئة بشكل يحتوى الجميع ويحفظ الأمن الداخلي للبلاد". متفقاً معه، قال أحمد عبد ربه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، للأناضول إن "أزمة الاستقطاب السياسي هي أكبر الأزمات التي ستواجه رئيس مصر القادم، خاصة أنه لا يوجد إجماع سياسي أو شعبي على أي من المرشحين لانتخابات الرئاسة (السيسي أو صباحي) بنسبة 100%، فضلاً عن وجود حالة إنقسام واضحة في الشارع المصري؛ نتج عنها خروج المظاهرات من كافة قطاعات المجتمع". غباشي وعبد ربه اعتبرا أن حل هذه الأزمة لا يمكن أن يتم عبر مصالحة شكلية فقط تشمل مجرد خطابات سياسية وإنما تتطلب حلول عملية وحاسمة تتضمن إشراك جميع القوى السياسية في عملية ديمقراطية واسعة، إلى جانب ترميم العلاقات بين مختلف التيارات دون إبعاد أو إقصاء لأي منهم. 2- الأزمة الأمنية: تواجه مصر أزمة أمنية ذات شقين: الشق الأول: يتعلق بالمظاهرات الطلابية اليومية التي تتطور في أحيان كثيرة إلى اشتباكات تسفر عن وقوع إصابات أو قتلى، وتقع خاصة في جامعة الأزهر التي تحتضن غالبية طلاب التيار الإسلامي المؤيدين للرئيس السابق محمد مرسي. ويشمل هذا الجانب المظاهرات التي تنظمها القوى السياسية سواء الرافضة لعزل مرسي أو المؤيدة لعزله، لكنها رافضه لما تسميه ب"حكم العسكر"، أو لممارسات النظام الجديد في مصر ومن بينها إصدار قانون التظاهر، والتي يحظر التظاهر إلا بالحصول على تصريح مسبق. الشق الثاني: يتعلق بهجمات مسلحة طالت منشآت وعناصر أمنية في عدة مناطق أبرزها شبه جزيرة سيناء، شمال شرق. وهو ما أدى إلى إطلاق الدولة ما أسمته ب "حملة مكافحة الإرهاب" والتي تتضمن قيام عناصر من الجيش والشرطة بشن حملة عسكرية موسعة، لم تنته بعد، ضد ما تصفهم بالعناصر "الإرهابية"، و"التكفيرية" و"الإجرامية" في بعض المناطق بسيناء، والتي تتهمها بالوقوف وراء الهجمات المسلحة. واتفق غباشي وعبد ربه على أن المعضلة في هذه الأزمة هو كيفية أداء الدولة الأمنية مع هذين الشقين، وما إذا كان هناك إمكانية لتحجيم "الدولة البوليسية"، في إشارة إلى القمع الأمني، بما يعيد في الوقت نفسه الأمن للمصريين. 3- الأزمة الاقتصادية: تعتبر الأزمة الاقتصادية أحد التحديات التي تواجه الرئيس المقبل، حيث يترقب الشارع المصري الوصول إلى وضع اقتصادي متعاف في ظل التراجع الاقتصادي الذي انعكس أثرة على مختلف فئات الشعب المصري خاصة محدود الدخل منها. يقول غباشي في حديثه مع الأناضول إن "الاعتماد على تحويلات المصريين في الخارج وعائدات قناة السويس والسياحة، كموارد أساسية للاقتصاد المصري لن يكون أمرا مرحبا به في فترة حكم الرئيس المقبل؛ حيث ينتظر منه المواطن المصري امتلاك رؤية اقتصادية تقود إلى نهضة صناعية على غرار ما شهدته ماليزيا والهند خلال العقود الثلاثة الماضية". ويعاني الاقتصاد المصري منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 حيث انخفض سعر العملة المحلية (الجنيه) أمام الدولار الأمريكي، مع انخفاض الاحتياطي النقدي إثر تراجع الإيرادات لا سيما في قطاعي السياحة والاستثمار الأجنبي الذين تراجعا بشدة منذ ذلك الحين وزاد من وتيرة ذلك أحداث العنف الأخيرة التي شهدتها البلاد عقب الإطاحة بمرسي. 4 - أزمة إعادة هيكلة مؤسسات الدولة: بحسب غباشي وعبد ربه، فإن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، ومعالجة الخلل الإداري والسيطرة على فساد بعض المؤسسات من أهم الملفات التي تتطلب تدخلاً حاسما من رئيس مصر القادم. الخبيران السياسيان قالا إن "القيام بتطهير مؤسسات الدولة من الفساد والمحسوبية (الواسطة)، سيعطي انطباعا بأن رئيس مصر القادم لن يكون موالياً للدولة العميقة"، وهو مصطلح يطلقه كثيرون على بقايا نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. وتطالب قوى سياسية منذ تنحي مبارك بتطهير مؤسسات الدولة من الفساد، خاصة الجهاز الأمني وقطاعي الإعلام والقضاء. 5 - أزمة إدارة ملف العلاقات الخارجية: تعد أزمة إدارة ملف العلاقات الخارجية من أعقد الأزمات التي سيواجهها رئيس مصر القادم، بحسب الخبراء. وتأتي في مقدمة محاور هذه الأزمة إدارة العلاقة مع الولاياتالمتحدة التي يشوبها توتر واضح منذ الإطاحة بمرسي في ظل تقارب العلاقات بين القاهرة وموسكو، وهو ما دفع غباشي إلى طرح تساؤل حول قدرة الرئيس القادم على التعاطي في العلاقة مع روسيا دون خسارته لواشنطن. وإثر عزل الجيش بمشاركة قوى دينية وسياسية، الرئيس محمد مرسي، شهدت العلاقة بين مصر والولاياتالمتحدة توتراً وصل إلى حد تجميد جزءا من مساعدات واشنطن العسكرية للقاهرة. فيما تصاعدت العلاقة مع روسيا وهو ما اعتبرته مراقبون تلويحا من الجانب المصري بإيجاد بديل في حال استمرار انتقادات الولاياتالمتحدة المستمرة لملفات الديموقراطية وحقوق الإنسان في مصر. وبجانب محور العلاقات مع واشنطن، قال غباشي إن "هناك محور العلاقة مع تركيا وإيران في ظل عدم اعتراف الأولى بما جرى في مصر عقب 3 يوليو الذي شمل الإطاحة بمرسي، وعدم اتخاذ الثانية موقف واضح مما يجرى في مصر". أما عبد ربه، فرأى في حديثه مع الأناضول أنه إلى جانب هذين المحورين، هناك محور ثالث يتعلق بالعلاقة بين مصر وإثيوبيا؛ حيث توترت العلاقة بين البلدين إثر شروع الأخيرة في بناء مشروع "سد النهضة"، الذي يثير مخاوف داخل مصر، حول تأثيره على حصتها من مياه النيل، وتأثيره على أمنها القومي في حالة انهياره. وفشلت جميع المفاوضات منذ عهد مرسي وحتى الحكومة الحالية في التوصل لحل بشأن بناء هذا السد الذي تصر إثيوبيا على بنائه، رغم اعتراضات الجانب المصري. وهناك محور رابع يتعلق بموقف مصر من قضايا إقليمية وعربية، وفي مقدمتهما: القضية الفلسطينية والأزمة السورية. وحول المحور الأخير، يقول عبد ربه إنه كان ولا يزال أقوى الاختبارات للقيادة المصرية باعتبارها صاحبة موقف مؤثر إلى جانب الإدارة الأمريكية في المفاوضات الثنائية سواء بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، أو بين النظام والمعارضة في سوريا. 6 - المشكلات الحياتية: تتنوع المشكلات الحياتية بين ارتفاع معدل البطالة والفوضى المرورية وتنامي المساكن العشوائية، وضبط العلاقة بين الحدين الأدنى والأقصى من الأجور، إلى جانب نقص الوقود وأزمة انقطاع الكهرباء التي عادت في هذا الصيف، لتثير موجة من الغضب الشعبي. وحول ذلك، يقول غباشي إن "أزمات مثل البطالة والمرور وتوفير الحد الأدنى والأقصى من الأجور ستكون من الأزمات الأكثر إلحاحا لدى المصريين، والضاغطة في الوقت نفسه على السلطة؛ لأنها من الأزمات الحياتية للمواطنين". ولفت بصفة خاصة إلى خطوة مشكلة العشوائيات، مشيرا إلى "تنامي العشوائيات والتي بلغت 1221 منطقة عشوائية منتشرة في 27 محافظة" مصرية. بينما قال عبد ربه إن أزمتي انقطاع الكهرباء ونقص الوقود ستكون من أبرز الأزمات الحياتية التي سوف تواجه الرئيس القادم لما لها من سابقة سيئة مع سلفه محمد مرسي. *وكالة أنباء الأناضول