يثير التاريخ الراهن العديد من الإشكالات والأسئلة، حول متى يبدأ ومتى ينتهي، مع أنني اعتبر تاريخ الإنسان منذ وعيه إلى يوم وفاته هو تاريخه الراهن، وكل إنسان تاريخ راهن، فهو الشاهد على العصر كما يقال وهو الرواية الشفوية على ذلك العصر، والراهن هو ذلك التاريخ المتجدد، انه التاريخ الذي يصنع السيرة الذاتية للبشرية، فهو مجموع سير الأفراد والجماعات والشعوب، ومن إشكالات الراهن الوثيقة، ففي زمن العولمة تعددت الوثائق من الصورة إلى الراديو إلى التلفاز إلى الإعلاميات إلى النقل المباشر للحدث، غير أنني لن أخوض في الراهن كمنهجية لأنها لازالت في طور المخاض، ولكن أريد أن أشرك الباحثين في بعض التأملات والأسئلة، التي تهم الراهن واليومي كأحداث ومنجزات وقضايا، والقضية هي هل بإمكان الكتاب الالكتروني أن يقضي على الكتاب الورقي؟ وهل بإمكان الصحافة الالكترونية أن تقضي على الصحافة المكتوبة؟ لقد اعتاد الناس الورق والحبر واليوم صاروا يكتبون بواسطة الحاسوب ودون الحاجة إلى المسودات، مع العلم أن المسودات كانت ولازالت مهمة بالنسبة للمؤرخ والباحث، لأنها تحمل الحقيقة الأولى كما هي بكل أخطائها وبكل هواجسها، والكتابة بواسطة الحاسوب بدأت تقضي على المسودات، ومن حسنات المكتبات الالكترونية أنها صارت توفر الكثير من عناء التنقل إلى المكتبات الورقية، مع العلم أن محبوبة المؤرخ هي الوثيقة الأصلية، لأن الورق في حد ذاته وسيلة للتأريخ، وبإمكانه أن يتبث هل ذلك الورق الذي كتبت علية أحرف الوثيقة أصلي أم مزور، ولكن ماذا بعد أن تحولت الوثائق إلى الكترونية؟.كيف سنتبث صحتها من زورها؟ هل عبر الثقة في الموقع أم عبر الثقة في كاتبها؟ مع أنني أقول هل توجد وثيقة صحيحة؟ وبالنسبة للصحافة الالكترونية من حسناتها أنها توفر أرشيف يسهل الوصول إليه بأقل مجهود، وبإمكانها أن تنشر الخبر في كل وقت وحين وأن تحين موادها في كل لحظة، على عكس الصحافة المكتوبة التي تنتظر إلى اليوم الموالي لنشر الخبر، ومع ذلك الأكاديميون لازالوا ينظرون إلى الوثائق الالكترونية بعين النقص، لان الكل يكتب فيها وأيضا على اعتبار أنها تحرمهم من بيع أوراق أعمالهم وأطروحاتهم، التي إن نشروها الكترونيا سيتم الاستيلاء عليها، مع العلم أن هناك مواقع تبيع الكتب، ولا تسمح لأي أحد الاستفادة منها إلا إذا كان مشتركا، كما أن المقال في المجلة المكتوبة يؤدى عنه بتعويض مالي، وقد انخرطت كلية الآداب بالرباط في الشبكة العنكبوتية من خلال مجلة رباط الكتب الالكترونية، كما تعتبر جريدة هسبريس الالكترونية فكرة رائدة في مجال الصحف الالكترونية، لقد انطلقت الكثير من الموسوعات بفكرة بسيطة وصارت اليوم من أشهر الموسوعات الالكترونية، لماذا لا نفكر كمغاربة في إنشاء موسوعة المغرب الالكترونية على غرار معلمة المغرب المكتوبة، وأيضا كأفارقة نحن بحاجة إلى أن نعرف هذه الافريقيا أعتقد أن موسوعة الأفارقة ستجعلنا نعرف الكثير عن قارتنا. واليوم هل يعي المغاربة قيمة هذه الثورة التكنولوجية، شخصيا سهل علي الحاسوب والطابعة وآلات النسخ العديد من المتاعب، إذا أضفنا إلى ذلك الكتب الالكترونية بلا ثمن سنربح الكثير من الزمن، والمؤرخ يعي قيمة وأهمية الزمن، شريطة حسن استخدام الإعلاميات من الناحية الصحية والعلمية، وصار بإمكان الباحث صناعة جدادات الكترونية بدل الجدادات المكتوبة بالقلم، ولكننا في مرحلة انتقالية تحتم علينا الاستفادة من الجدادة المكتوبة و الجدادة الالكترونية، في انتظار سيطرة الأخيرة، وسؤالي للباحثين اليوم هل الوثيقة الالكترونية مصدر أم مرجع أم يجب أن ننحث لها مصطلح ومفهوم آخر أو نكتفي بنعتها الويبوغرافيا؟. وها نحن أمام مفهوم آخر، لتستمر حكايتنا مع المفاهيم، لأننا نتغير تحت ضغط الآخرين، ليس لنا القدرة حتى على اقتراح المصطلحات، إذن سنقبل مصطلحات ومفاهيم الحضارة المتفوقة التي تفرض علينا العولمة شئنا أم أبينا، ومع ذلك يظل الأمل وكل الأمل في المستقبل. * باحث في التاريخ – ليساسفة، الدارالبيضاء.