داخل أكبر مركز للعزل الطبي لمرضى حمى الإيبولا، تم استحداثه في مبني إداري كبير يقع في حي كالوم، بالعاصمة كوناكري، يبدو المشهد كما لو كان بمثابة "حرب عالمية" يقودها أطباء من عدة بلدان لمحاصرة هذا الوباء الذي استشرى في غينيا، غير مبالين بالمخاطر الصحية التي قد تواجههم. يتكون مركز "دونكا" من ستّ خيام مصنوعة من القماش المشمّع، ويستوعب حوالي 14 حالة، من جملة 134 مصابا، توفّي منهم 87، وفقا لأحدث بيانات وزارة الصحة الغينية. وفي الوقت الذي يثير فيه تواجد المركز بحيّ "كالوم" في وسط العاصمة الغينية كوناكري المخاوف من عدوى الوباء، لا يأبه الأطباء متعددو الجنسيات بهذه المخاطر. "فاتو دام"، عاملة بالمبني الإداري الذي تم اقتطاع جزء منه لإقامة مركز العزل الطبي، قالت إن "إنّ قرار استحداث المركز في الجزء الأمامي من المبنى الإداري الذي نعمل فيه يثير هلعي، لأنّنا لا نمتلك لقاحا ضدّ المرض، وانتقاله من شخص لآخر سريع للغاية". وبجانب مخاوف "دام" فإن الضغط النفسي كان باديا على ملامح المتواجدين بالمبني والمستشفى باستثناء الأطباء، بحسب مراسل للأناضول في عين المكان. داخل مركز عزل المرضى المتكون من ستّ خيام، بدا المشهد شبيها بعمل الفرق الطبية خلال "الحرب العالمية الثانية".. (1939 - 1945) فالعديد من الجنسيات كانت موجودة في ذلك المكان تحت راية منظمة "أطباء بلا حدود".. الجميع كان في حالة حرب في مواجهة الآفة القاتلة من أطباء وفنيين متخصّصين بمجال الصحة، إضافة إلى الإداريين.. ورغم الأمل الذي بعثه تواجد ذلك المزيج من الشخصيات الدولية في النفوس، إلاّ أنّ القلق كان بارزا على الوجوه.. ضغط لم يكن ليغيب عن وضعية مماثلة، بيد أنّه لم ينجح في وأد بوادر الأمل الكامنة في النفوس. "أبوبكر الصديق دياكيتي" رئيس لجنة الأزمة الصحية الوطنية بغينيا، والتي تتكفّل بمتابعة الحالات المتواجدة بالمركز بدا متفاءلا وأكثر إصرارا مثل الأطباء وقال للاناضول "لا أعتقد أنّ الوضع يسير نحو الأسوأ، وإنّما نحن بصدد بتر سلسلة المرض". يستخدم الأطباء الذين يتواصلون مباشرة مع المرضى معدّات الحماية اللازمة، ف "في البداية، لم نكن نمتلك أدوات للحماية الفردية، بما أنّنا لم ندرك ماهية المرض بعد. أمّا الآن، فقد اتّخذنا التدابير اللازمة بدعم من شركائنا الدوليين"، بحسب "دياكيتي". ويتمّ رشّ الأطباء بمواد معقّمة عقب كلّ اتّصال لهم مع المرضى، كما تحرق أدوات الحماية المستعملة تفاديا لعدوى المرض. مديرة مستشفى "دونكا" "فاتو سيكي كامارا" قالت إنّ "الإدارة الكاملة تعود في هذا الشأن إلى منظمة أطباء بلا حدود" مضيفة "جصلنا على دعم كبير من طرف شركاء غينيا، حيث قدّموا لنا المساعدة فيما يخصّ علاج المرضى، دون إغفال الجهد الذي يبذله طاقم الصحة الغينية، وخصوصا الفنيين منهم، باعتبار وجودهم في اتصال مباشر مع المرضى". تفاؤل تتقاسمه معها رئيسة بعثة "أطباء بلا حدود" في غينيا "كورين بينازيش"، والتي أعربت في تصريح للاناضول عن تثمينها ل "الجهود التي تبذلها الحكومة الغينية من أجل تسهيل عمل" المنظمة الخيرية الدولية. وتقتصر معاينة المرضى في الوقت الراهن على أعوان الصحة المختصّين، في حين منع الصحفيون من الدخول حتّى في صورة ارتدائهم لمعدّات الحماية اللازمة. وقال "محمد كامارا" (فنّي مختصّ في الصحة) من وراء عدّة الحماية التي يرتديها أنّ "الأمور تسير على ما يرام، فالفنيون متدرّبون على مثل هذا العمل، خصوصا مع اتّخاذ مجمل التدابير الوقائية اللازمة لمنع عدوى المرض إليهم". لم يتوصّل الأطباء بعد إلى اكتشاف ترياق مضاد لفيروس "إيبولا"، لذلك فإنّ تدابير التصدّي ترتكز في الوقت الراهن على محاربة أعراض المرض، وهو ما "يمكّن من تخفيفه فحسب، لذلك فإنّ البعض يتمكّن من الصمود، في حين يموت الآخر"، على حدّ قول "دياكيتي". "الحرب" التي أعلنها طاقم مستشفى "دونكا" تمخّضت عن شفاء حالتين من مرض "إيبولا"، فضراوة المرض تزيد من معدّل الوفيات ليبلغ 90 %، ما يعني أنّه من جملة 100 إصابة، 10 فقط في المتوسّط يمكنها النجاة من براثن الوباء. الدكتور "دياكيتي" قال في هذا السياق "لقد أعدنا كلّ الحالات التي لم تعد تشكو من أعراض المرض إلى منازلها دون أن يترافق ذلك مع خطر العدوى، ونسبة الوفيات في صفوف المصابين بحمى إيبولا تصل إلى 90 %". *وكالة الأناضول