العناوين البارزة ، التي تصدرت ، غلاف العدد الأخير من مجلة " الأيام " الأسبوعية ، كانت بحق ، من وجهة نظري على الأقل ، مؤشرا دالا ، على المنحى الخطير ، الذي انتهت إليه الصحافة المغربية ، بشقيها المكتوب والسمعي البصري منه . ولعل المتأمل في العناوين المختارة بدقة ، لغلاف هذا العدد ، سيقف على مدى "الاستهتار" بدور الصحافة " الخطير " ، في الكشف والتقصي والبحث وليس في التخصص فيما " تحت الحزام " ، الشيء الذي تفننت فيه العديد من المقاولات الصحفية ، بهدف الربح ولا شيء غير الربح . وإذا كانت دوافع ، المنابر الأخرى ، مفهومة ، لدى القارئ /المتتبع ، فإن ما أقدمت عليه مجلة ،عرف عن أصحابها الرصانة والالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي ، لأمر يدعو إلى التوقف ، ولو للحظات لفهم ، ما يجري من انحدار للصحافة وتخلي العديد من رجالاتها ، عن روح فلسفتها الأساسية ، في " النبش " في ملفات اجتماعية وسياسية تحظى بالأولوية ، لدى القارئ العادي بله المهتم . فالمواطن المغربي " المقهور " ، أصبح محاصرا بالجنس في الفضائيات الأرضية منها والفضائية ، في المحطات الإذاعية ،كما في الصحف والمجلات الصفراء ، ولم ترحمه حتى الصحف والمجلات ، التي اختارت المهنية والجدية منهجا ، لخطها التحريري ، سقطت بدورها ، في ذات المستنفع الآسن . ولعل العناوين الصادمة التي اختيرت من طرف هيئة تحرير المجلة التي يشرف على إدارتها ، صاحب افتتاحية " تلك الأيام " و هو واحد من الأقلام الصحفية الرائدة في بلادنا : " ما يجوز وما لا يجوز في مقدمات الجماع /حكم التقبيل المتبادل للعورة /رضاعة الرجل للثدي / تصوير المعاشرة الجنسية بين الزوجين / الجمع بين امرأتين في فراش واحد " ، لعلامة فارقة بين ماضي المجلة وحاضرها . ماض ، يعكس مدى جدية ورصانة الطرح السياسي والاجتماعي وسطحية ملف العدد المشار إليه سلفا ، والذي ، لم تقف عند حد اجترار ما تلوكه الصحافة الصفراء ، بل أفردت حوارا مطولا مع الشيخ عبد الباري الزمزمي الذي يقول بجواز مضاجعة الزوجة الحائض إ ذ ا استعمل العازل الطبي ، وإلى فتاوى دينية للدكتور يوسف القرضاوي حول الحلال والحرام في الجنس وفي الإسلام ، والمباح والمحظور في تفاصيل العلاقات الحميمية الجنسية . فهل ، المجلة بهذا الاختيار ، تعكس اهتمامات الشعب المغربي ، الذي لم تعد له من أولويات غير الجنس ولا شيء غير الجنس أم هي سياسية النعامة التي تخفي رأسها في الرمال ، هروبا من واقع بئيس لا يرحم ، فالمواطن المغربي الذي بالكاد يحصل على قوت يومه ، في ظل إكراهات اقتصادية تكبله من مختلف الجهات وعلى كافة الأصعدة ، لم تعد له من انشغالات راهنة إلا التفكير في مضاجعة زوجته وهي حائض أو هل يجوز أن يأتي زوجته من الدبر أو ...أو ..أو ما شئت من الأسئلة التي تدرج في حكم المحظور والطابو . المواطن المغربي ، توفرت لديه ، كل الضروريات ولم يعد له من شغل شاغل إلا الجنس ، يا سلام ..اا ، هو التقدم عينه ما انتهينا إليه ، في الهبوط إلى القمة ، والانغماس فيما لا يجدي ولا ينفع . وما يجهله أو يتجاهله بعض رجالات الصحافة - للأسف ، هو أن المواطن المغربي البسيط ، ليس في حاجة إلى خارطة طريق الإسلام إلى الجنس ، بل هو بحاجة ماسة إلى خرائط أخرى تؤدي إلى العمل و إلى حياة لائقة وكريمة ، بعيدا عن البطالة ، الرشوة ، الفقر ، الأمية ، الجهل ، المحسوبية ، الصحة ..إلى ما لا ينتهي من الإشكالات والعوائق ضد التنمية والتطور ، للحاق بالركب ، وإلا ظل طريقه ، إلى ما بين فتحة فخدي زوجته ، ليجد نفسه ، في المقبل من الأيام ، كأصحاب الكهف ، خارج التغطية والتاريخ . * مجلة " الأيام " الأسبوعية : العدد 403 /26 نونبر 2009-عنوان الغلاف " المحظور والمباح جنسيا في الإسلام "