الاحتفال ‬بعيد ‬الاستقلال ‬في ‬ظل ‬الوحدة    عامل الحسيمة يترأس مراسيم تحية العلم بمناسبة عيد الاستقلال    ‬الشعب ‬المغربي ‬يخلد ‬بكل ‬مشاعر ‬الفخر ‬والاعتزاز ‬الذكرى ‬السبعين ‬لعيد ‬الاستقلال ‬المجيد    "التقدم والاشتراكية" يدعو إلى انفراج سياسي وحقوقي لإنجاح مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء    فتيحة خورتال: السياسة المينائية من الرافعات القوية لتعزيز الموقع الاستراتيجي للمغرب    المجلس ‬الاقتصادي ‬والاجتماعي ‬والبيئي ‬يكشف:‬ 15 ‬ألفا ‬و658 ‬حالة ‬تعثر ‬سجلتها ‬المقاولات ‬الصغيرة ‬جدا ‬والصغرى ‬بالمغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    روسيا تعلن محاصرة قوات أوكرانية    الركراكي: لدينا حالة ذهنية عالية ومجموعة جيدة لخوض كأس أمم إفريقيا    بعد الإطاحة بمالي.. باها يؤكد أن المغرب قادر على الذهاب بعيدا في المونديال    النيابة العامة تنفي أخبارا زائفة عن تزويج قاصر في القنيطرة وتبحث عن الجهة التي مست بخصوصية الطفلة    استعراض حصيلة تنفيذ المخطط الجهوي لمشروع "مؤسسات الريادة" ،بجهة طنجة تطوان الحسيمة    الرئيس ترامب يعلن السعودية "حليفا رئيسيا" من خارج حلف شمال الأطلسي    بن سلمان يقدم رونالدو إلى ترامب    وزارة الصحة تؤمن نقلا جويا استعجاليا لرضيع حديث الولادة من العيون إلى الرباط    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    موظفو "لاراديل" سابقاً يخرجون للاحتجاج بعد إدماجهم في الشركة الجهوية متعددة الخدمات SRM(TTA)    جمعية منار العنق للفنون تنظم مهرجان العالم العربي للفيلم التربوي القصير في دورته العاشرة    طنجة.. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الأوغندي وديا بأربعة أهداف لصفر    القنصلية العامة في لندن تحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ميناء طنجة المتوسط : إحباط محاولة لتهريب كمية من الذهب    العرائش... مدينة تغرق في أولى زخات المطر : "روغار" مفتوح يفضح تقاعس المسؤولين ويهدد سلامة المواطنين    ولوج الموانئ... تنظيم محكم وترخيص صارم (المادة 49)    رياض السلطان يستضيف جاك فينييه-زونز في لقاء فكري حول ذاكرة المثقف    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    الأمن يضع كاميرات المراقبة لأول مرة في شوارع أكادير    العرائش: رئيس الائتلاف المغربي للسائقين غير المالكين يؤطر لقاء تواصليا لمهنيي سيارات الأجرة    ترامب يوبّخ صحفية لسؤالها عن خاشقجي ويدافع عن بن سلمان.. والأخير يعلن رفع استثمارات بلاده في أمريكا إلى تريليون دولار    العرائش: قسم الاقتصاد و التنسيق يستعد لتنزيل القرار العاملي مطلع السنة المقبلة و مخاوف من سحب المأذونيات من المستغلين في وضعية غير قانونية    القصر الكبير تاريخ مجيد وواقع بئيس    تأهل سيدات الجيش الملكي لنهائي دوري أبطال إفريقيا بعد تغلبهن على مازيمبي    الجزائر "شاهد زور".. من خان فلسطين فعلاً؟    نبيل باها: المنتخب الوطني قادر على الذهاب بعيدا في المنافسة    ترامب يستقبل ولي العهد السعودي في زيارة رسمية إلى البيت الأبيض    حكيمي يتوج بجائزة "الأسد الذهبي" لسنة 2025    مهدي اغويركات يفوز بجائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 من الأكاديمية الفرنسية    المكتب الوطني للسياحة يفعل إجراءات مهمة استعدادا ل"الكان"    اتحاد طنجة ينفصل عن مدربه هلال الطير    تشكيلة "أشبال U17" أمام منتخب مالي    سعيد التدلاوي يندد بغياب التشاور بين وزارة الفلاحة والغرف الفلاحية    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين        "دينوس ألايف".. المعرض التفاعلي المخصص لعالم ما قبل التاريخ يصل الدار البيضاء    الملك يتوصل بتهنئة رئيس الإمارات    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الشعب المغربي يحتفل غدا الأربعاء بذكرى ميلاد الأميرة للا حسناء    الإعلان عن الفائزين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في دورتها ال23 بالرباط    الذهب يواصل انخفاضه متأثرا بصعود الدولار    حجيرة: طاقات تصديرية "غير مستغلة"    مشاركة مغربية في ندوة للجيش الإسرائيلي لاستخلاص الدروس من "حرب الإبادة" في غزة    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحوَ إصلَاح ٱلْإِملَاء في ٱلكتابة ٱلعربية
نشر في هسبريس يوم 13 - 10 - 2009

ثمة مشكلات كثيرة تُعانيها ٱللغة العربية في مجال ٱستعمالها، نجد من بينها: تعقيدات ٱلنحو ٱلعربي، خُلُوُّ ٱلكتابة من ٱلصوائت، ٱختلَالَات ٱلكتابة ٱلْإملَائية، عدم وجود قاموس تاريخي، عدم تجديد ٱلقواميس ٱلمعتمدة، ٱستمرار ٱعتماد طرق تقليدية في ٱلتعليم، تشعب ٱلِاجتهاد ٱللغوي بتعدد ٱلمؤسسات، ٱلِاضطراب ٱلمصطلحي، ٱلفساد ٱلترجمي، ضعف و/أو عدم وجود تأطير قانوني ومؤسسي، إلخ. وكل مشكلة من هذه ٱلمشكلَات تحتاج معالجةً مستفيضةً على نحو شامل مع ٱستحضار علَاقاتها بالمشكلَات ٱلْأخرى. لكنَّ أسوء ما تُعانيه "ٱلعربيةُ" إنما هو تَهاوُنُ مُستعمليها في حفظ ورعاية ٱلشروط ٱلمُقوِّمة لِاكتسابها وٱستعمالها، ومن ثم ضعف أو ٱنعدام ٱلِاجتهاد في حل ٱلمشكلَات ٱلمتعلقة بها. وليس هذا، في ٱلواقع، إلَّا أثرًا من آثار ٱلتخلف ٱلذي تعرفه ٱلمجتمعات ٱلعربية منذ قرون. ولِلدَّلَالة على عمق تلك ٱلمشكلَات يمكن ٱلنظر في إحداها وٱلعمل على معالجتها. ولعل مشكلة ٱلكتابة ٱلْإملَائية في علَاقتها ب"ٱلْألفباء ٱلعربي" تُمثِّلُ نموذجا مناسبا لمقاربة ٱلواقع ٱلمتأزم ٱلذي تعيشه ٱللغة ٱلعربية وٱلذي ينعكس سَلْبيا على مناحي ٱستعمالها ٱلمختلفة ويتجسد في أشكال ٱلْإنتاج ٱلمرتبطة بها على نحو لَا تكاد تُخطئه ٱلعين ٱلناقدة. ""
من ٱلمعلوم أن ٱللغة ٱلعربية كُتِبَت ولَا تزال بنظامٍ خطي مَرَّ بعدة تطورات إلى أن ٱستوى بالشكل ٱلمستعمل ٱلْآن على نحو واسع وٱلمسمى عموما "ٱلخط ٱلنسخي". ويتميز هذا ٱلنظام ٱلخطي بكونه نظامًا يُمثَّلُ فيه كُلُّ صوت من أصوات "ٱلعربية" بعلَامةٍ خطية مفردة تَتَّسم بخصائصَ تجعلها متغيرةً، بهذا ٱلقدر أو ذاك، حسب موضع وُرُودها في ٱلكلمة (في أولها أو وسطها أو آخرها)، وقابلة للوصل مع ما يسبقها أو يلحقها من علَامات. ويُعَدُّ هذا ٱلنظام ٱلخطي بخصائصه تلك نظامًا ألفبائيا وصوتيا، ٱلْأمر ٱلذي يُعطيه ٱمتيازًا واضحا بالمقارنة مع ٱلنُّظُم ٱلكتابية غير ٱلْألفبائية وغير ٱلصوتية. لكنه، مع ذلك، يبقى مَشُوبًا بنوعين من ٱلْإشكال، يتعلق أولُهما بإمكان تغير ٱلحرف حسب موقعه من ٱللفظ (في أوله أو وسطه أو آخره)، ويتعلق ٱلثاني بِخُلُوِّه من علَامات ٱلصوائت على ٱلنحو ٱلذي يجعل صوامتَه قابلةً للقراءة بأكثر من شكل. ومن هنا، فإن ٱلكتابة ٱلْإملَائية في "ٱلعربية" تفتقد ٱلتنميط أو ٱلتقييس ٱلمعياري (Standardisation) ٱلذي يُوجب أن يَتَّخذ ٱلحرف صورةً كتابية واحدة بغض ٱلنظر عن موقعه من ٱلكلمة، كما أنها تُهمل كتابة ٱلصوائت بشكل يُفْقِدها ٱلقابلية لِأن تكون مقروءةً فقط بواسطة حروف ٱلهجاء ومن دون حاجة إلى ٱلِاستعانة بوسائط أخرى (في حالة "ٱلعربية"، ٱلحاجة إلى قواعد ٱلنحو ٱلتي تميز أواخر ٱلكلمة وإلى معاني ٱلْألفاظ ٱلتي يتحدد بالنسبة إليها شكل ٱلكلمة). ولهذا نجد أن ٱلطريقة ٱلتي تُكْتَب بها ٱللغة ٱلعربية تُعَدُّ مُكَلِّفةً للقارئ من حيث إنه يحتاج إلى مُعاناة "علم ٱلنحو" (علم ٱلتراكيب) و"علم ٱلدلَالة" (علم معاني ٱلْألفاظ) على ٱمتداد سنوات قبل أن يتمكن من ٱستعمال هذه ٱللغة شِفَاهيا وكِتَابيا على نحو سليم ؛ وفي ٱلوقت نفسه فهي غير مُكلِّفة للكاتب ٱلذي يكتفي، في معظم ٱلْأحيان، برسم ٱلكلمات من دون أن يهتم بتحديد شكلها زيادةً في بيان مقاصده. فهل من سبيل لتجاوز هذه ٱلمشكلة وجعل ٱللغة ٱلعربية تمتلك نظاما خطيا يتحدد بأنه ألفبائي وصوتي على نحو حقيقي؟
إننا نجد أن "ٱلْألفباء ٱلعربي" (ما يُسمى "ٱلْأبجدية ٱلعربية") يتكون من ثمانية وعشرين حرفا (ألف، باء، تاء، ثاء، جيم، حاء، خاء، دال، ذال، راء، زاي، سين، شين، صاد، ضاد، طاء، ظاء، عين، غين، فاء، قاف، كاف، لَامٌ، ميم، نون، هاء، واو، ياء). أما ٱلهمزة، فَتُعَدُّ -على ٱلْأرجح- نوعا من ٱلنَّبْر ٱلذي يَلْحق ٱلْألف ولَا يظهر في ٱلواقع إلَّا من خداع ٱلكتابة. وإذا تفحصنا هذه ٱلحروف ٱلثمانية وٱلعشرين، فإننا نُلَاحظ أنها من ٱلناحية ٱلكتابية تنقسم إلى نوعين: نوع لَا يتغير شكله كثيرا بحسب موقعه من ٱلكلمة، ٱللهم إلَّا في ٱلتعريقة ٱلتي تلحقه في آخر ٱلكلمة (ا، ب، ت، ث، ج، ح، خ، د، ذ، ر، ز، س، ش، ص، ض، ظ، ط، ف، ق، ل، م، ن، و، ي) ؛ ثم نوع يتغير شكله كثيرا أو قليلًا بحسب وُروده من أجزاء ٱلكلمة (ع/ع/ع، غ/غ/غ، ك/ك/ك/ك، ه/ه/ه/ه).
ولذلك، فإن كون ٱلكتابة ٱلمعيارية تفرض رسم كل حرف بصورة واحدة ما أمكن، يجعل من ٱلضروري أن يتم إصلَاح ٱلخط ٱلعربي على ٱلنحو ٱلذي يُمَكِّن من جعل كل حرف يُكتَب بصورة واحدة أو على ٱلْأقل متقاربة، ٱلْأمر ٱلذي يُوجب مَثلًا كتابة "ٱلكاف" بشكل واحد (كلم، لكم، ملك) وكتابة تعريقة ٱلحرف في ٱلْآخر من دون إطالة، ثم فَكّ ٱلتداخل بين بعض ٱلحروف (محمد، نجم، لا) بحيث يظهر كل حرف على حِدَةٍ (محمد، نجم، لَا). ذلك بأن هذه ٱلطريقة هي وحدها ٱلتي تجعل ٱلكتابة ٱلعربية ألفبائيةً، بحيث لَا يُمَثِّلُ كل حرف إلَّا قيمةً صوتية واحدة، مما يُفترَض فيه أن يُزيل ٱلِاشتباه ويُيَسِّر ٱلمقروئية.
لكن أشد ما تفتقده ٱلكتابة ٱلعربية إنما هو كونُها تُغَيِّبُ بعض ٱلصوائت ٱلطويلة (خاصة ٱلْألف) وكل ٱلصوائت ٱلقصيرة (ٱلفتحة، ٱلضمة، ٱلكسرة) وٱلعلَامات ٱلْإِمازية (ٱلسكون، همزة ٱلوصل، همزة ٱلقطع، ٱلشدة، ٱلمَدَّة، ٱلتنوين)، وذلك بدعوى أن ٱلكتابة بالصوامت وحدها تكفي لقراءة ٱلْألفاظ ٱلعربية. لكننا نعلم، في ٱلواقع ٱلفعلي، أنَّ تغييب ٱلصوائت وٱلعلَامات ٱلْإمازية كان ٱبتداءً بسبب ٱلجهل بهما من ناحية رسم ٱلكتابة (إذ لم تُعرفا إلَّا لَاحِقًا)، ثم صار فيما بعد بدافع ٱلكسل وٱلتقاعس عن ٱلضبط (إلَّا في بعض ٱلحالَات كما في نص "ٱلقرآن" أو حينما يُضْطَرُّ ٱلكاتب كما في بعض ٱلمعاجم بذكر ما هو مفتوح أو مضموم أو مكسور) ؛ وهو ٱلْأمر ٱلذي يجعل قراءة ٱلمكتوب تتم ٱضطرارًا بحركة تراجعية إلى ٱلخلف على شاكلة ٱلمحاولة وٱلخطإ على نحو يؤكد بوضوح أنه لَا يُسعف فيها مدى ٱلتمكن من "ٱلنحو" و"ٱلدلَالة" (بهذا ٱلصدد، تستحق ٱلتأملَ حالةُ ٱلخطابات ٱلمقروءة على ٱلملَإ، حيث يكثر ٱلتلعثم في تَهَجِّي ٱلكلمات ويزداد ٱلخطأ حتى بين ٱلمحترفين من رجال ٱلْإعلَام، بل لعل خيرَ شاهد يتمثل في شُيُوع ٱللحن حتى على ألسنة ٱللغويين وٱلمثقفين).
وبما أن ٱلقراءة يجب أن تكون "تِلَاوةً" تَتْبَعُ فيها ٱلعين ٱلمُبصرة ٱلحروف في تَتَالِيها على نحو خَطِّي وسَطْري، فإنه لَا مناص من كتابة ٱلصوائت ٱلتي تصير -من ثم- جزءًا لَا يتجزأ من "ٱلْألفباء ٱلعربي" ٱلذي لَا سبيل إلى حصول ٱكتماله إلَّا بتقديرها حسن قدرها. ولَا ينفع في ٱلِاستغناء عنها ما يَدَّعيه كثيرون من أنه لَا حاجة إليها إلَّا بالنسبة للمبتدئ، إذ لو كان ٱلْأمر على هذا ٱلنحو لما كانت هناك صعوبةٌ في قراءة ٱلكتابة ٱلعربية ولَمَا فَشَا ٱلخطأ في نُطق مئات ٱلْألفاظ (مثلًا: "عَلَاقة" [صِلَة] و"عِلَاقة" [ما يُعَلَّق منه ٱلشيء]، "سَلْبي" [متميز بالسَّلْب بمعنى "ٱلنفي"] و"سِلْبي" [ما يُنسب إلى "ٱلسِّلْب" ٱلذي هو "قصبة ٱلمحراث"]) ٱلتي صار ٱلناس -من فَرْط إيلَافِهم ٱللحن- يظنون أن ما يجري على ألسنتهم هو عين ٱلصواب. وأكثر من هذا، فلو نظرنا إلى نص "ٱلقرآن" بصفته ٱلنص ٱلذي ٱلْتُزِم فيه بالتشكيل ٱلتام، لَوَجَدْنَا أنَّ قارئَه لَا يُمكنه ٱلبتة أن يستغني عن إظهار علَامات ٱلشكل، وإلَّا لَأَخذ يُخطئ بغير حساب. ومن ٱلمعلوم أن "ٱلقرآن" يُتْلَى من قِبَل كثير من ٱلناس صباح مساء. إذن، لو كان ثمة نص مكتوب يُمكنه أن يستغني تمامًا عن علَامات ٱلشكل بدعوى كفاية ٱلتعود، لكان هذا ٱلنصَّ نفسَه ٱلذي يتميز بكونه أكثر مقروئيةً بين ٱلناس. ولذا، فإنه لم يُكتب بالشكل ٱلتام إلَّا لتفادي كل أنواع ٱلخطإ في أثناء تِلَاوته، بل كان هذا هو ٱلسبب ٱلرئيسي في وضع علَامات ٱلشكل في ٱلكتابة ٱلعربية كما هو معلوم. ومن ثم يتبين أن "ٱلْألفباء ٱلعربي" هو -في آنٍ واحد- صوامتُ وصوائت، وليس فقط صوامت تُكتَب على نحو يَحتمل ٱلقراءة بأكثر من شكل ويجعل ٱلمقروئيةَ مُتدنِّيَةً ومُكلِّفةً زمنيا وذهنيا لكل من يجد نفسه أمام نص مكتوب من دون صوائت.
لذلك، فإنه حينما تتأتى كتابةُ ٱلعربية بشكل معياري وتام (بإدخال ٱلصوائت وٱلعلَامات ٱلْإمازية)، سيصير مُمكنا إصلَاح إملَاء كثير من ٱلْألفاظ ٱلتي تَعَوَّد ٱلناسُ كتابتَها بإهمال بعض حروفها (صوامت وصوائت). إذ يجب حفظ نوع من ٱلتنميط بين كل ٱلحروف وٱلكلمات ٱلمتشابهات حتى يسهل إدراك ٱلعلَاقات ٱلصرفية وٱلتركيبية وٱلدلَالية ٱلتي تجمع بينها. وهكذا، سنجد أنه لَا بُد من إظهار ٱلْألف في "بٱسم" (لِأن ٱلْأمر يتعلق بأداة خفض "بِ" ولفظ "ٱسم")، وفي "ٱلرَّحْمَان" (صفة مبالغة بصيغة "فَعْلَان" مثل "عطشان" و"كسلَان")، وفي "هَاذَا" (أداة تنبيه "ها" وٱسم إشارة "ذا")، وفي "هَاذِهِ" (أداة تنبيه "ها" وٱسم إشارة "ذه/ذي")، وفي "هَاكَذَا" (أداة تنبيه "ها" وأداة تشبيه "كَ" وٱسم إشارة "ذا")، وفي "لَاكِنْ/لَاكِنَّ" (كما تُنْطَق وربما كان أصلها "لَا كَانَ" أو "لَا كَوْنَ")، وفي "ذالك" (لحفظ قربها من "ذاك)، وفي "أُولَائك" و"هَاأُولَاءِ" (لبيان قربهما صرفيا ودلَاليا) ؛ وكذا في ٱسم "ٱللَّاهُ" (لِأنه ليس سوى ٱسم "ٱلْإِلَاهِ" بصيغة "فِعَالٌ" مخففًا بحذف ٱلهمزة وتشديد ٱللَّام "ٱلْ[إِ]لَاهُ" بعيدا عن كل توهمات ٱللغويين). ومن هنا فإن كون "ٱلِاسم" من علَاماته أن يُعَرَّف بسابقة "ٱلْ" يُوجب كتابةَ ٱلْأسماء ٱلموصولة بشكل مختلف عما هو سائد (ٱللَّذي، ٱللَّتي، ٱللَّذِين، ٱللَّذان، ٱللَّواتي) لتأتلف مع أسماءٍ أخرى تُكتب بالشكل نفسه (ٱللَّفظ، ٱللَّيل، ٱللَّون، ٱللَّحن، ٱللُّغة، ٱللُّهْوة، ٱللِّسان، ٱللِّثَةُ، ٱللِّين، ٱللِّيف، إلخ.). وكذالك، فإنه لَا بد من كتابة ٱلهمزة مَدَّةً في مثل "آخرة" و"قراآت" و"إجراآت" (مثلما هو ٱلْحال في "آخُذُ" و"آمُرُ" و"آجُر" و"آصِرَة"، و"آمين"، إلخ.).
ولَا شك أن كل هاذه ٱلْإصلَاحات تبدو، لِأول وهلةٍ، غريبةً ومُتكلَّفةً. لَاكِنَّها ليست، على ٱلْإطلَاق، غير منطقية من ٱلناحيتين ٱلصوتية وٱلصرفية. فلَا شيءَ يمنع أصلًا من إصلَاح ٱلكتابة ٱلْإملَائية كلما دعت ٱلحاجة إلى ذالك. ولقد كانت حاجةُ ٱلناس كبيرةً ولَا تزال إلى مثل هذه ٱلْإصلَاحات، ليس فقط بالنسبة إلى ٱلمتعلمين وٱلمبتدئين، وإنما أيضا بالنسبة إلى كل مُستعملي ٱللغة ٱلعربية. أما إذا كان إصلَاحُ ٱلْإملَاء ٱلعربي على هَاذَا ٱلنحو يَكْفُل ٱلتغلب على مشكلتَيْنِ كُبْريَيْن طالما أرقتا ٱلمشتغلين باللسان ٱلعربي (أعني "ٱلْإعراب" و"ٱللَّحن")، فإن نجاعته تَصِير بَيِّنةً وأكيدةً، إلَّا أن تبقى ٱلغَلَبةُ لِمَا ٱستقر في أعماق ٱلنفوس بفعل ما رَانَ عليها من ٱلْإِلف وٱلتعوُّد ولِمَا حُبِّب إليها من ٱلمكابرة في قَبُول ٱلصواب.
إن مثل هَاذِهِ ٱلدعوة إلى إصلَاح ٱلْإملَاء ٱلعربي ليست -كما قد يَظُن بعضُهم- مجرد ٱشتغال نظري لَا غَنَاءَ فيه إلَّا لمن كان منتهى غايته أنْ يَلْتذَّ ببدائع ٱلتأمل، بل هي نابعةٌ أساسا من مُلَابَسةٍ طويلةٍ للمعاناة ٱلمُضنية ٱللَّتي ما فَتِئ يُكابِدُها كثيرٌ من متعلمي ومستعملي ٱلعربية عبر ٱلعالم. ولَا يخفى أن تيسير ٱكتساب وٱستعمال هذه ٱللُّغة أمرٌ مَنُوطٌ بجعل ٱلكتابةِ معياريةً ومشكولةً كما ظل يُؤكده ٱلمرحوم أحمد ٱلْأخضر غزال ("الحلول التقنية لمشاكل الكتابة العربية"). لَاكِنَّ أصحاب ٱللسان ٱلعربي وٱلمنتفعين من ٱستعماله لم يستطيعوا حتى ٱلْآن أن يتَبيَّنُوا كل ما يُمكن أن يترتب على مثل هذا ٱلِانقلَاب. وإنه لَانقلَابٌ عظيم لو كانوا يعلمون. ذالك بأنه يؤسس لمراجعةٍ عميقة وشاملة للنحو ٱلعربي ويُمَكِّن من زيادة إنتاجية ٱلكتابة ٱلعربية. فجعلُ ٱلكتابة ٱلعربية نسقيةً (بتنميط حروفها وإظهار صوائتها وعلَاماتها ٱلْإمازية) يقود حتما إلى ترسيخ ٱلْإعراب كآلِيَّةٍ مُلَازِمةٍ للكتابة، وهو ٱلْأمر ٱللذي من شأنه -إذا فُهِم وأُعْمِلَ كما ينبغي- أن يقود إلى تجديد ٱلنظر في ٱلِاشتغال ٱلوظيفي للمُكوِّنات ٱللغوية صرفيا وتركيبيا ودلَاليا، بعيدا عن كل ٱلتوهمات ٱلمرتبطة بحركات أواخِر ٱلْكَلِم ٱللتي تصير مُدرَكَةً على نحو بديهي من خلَال نظام ٱلكتابة نفسه. وهذا معناه، في ٱلواقع، ٱطِّراح جزء كبير من نظرية ٱلنحو ٱلعربي ٱلتقليدي من حيث إنها تُبَالِغُ في ٱلتقديرات ٱلدائرة حول "ٱلعوامل" وتُهمِل توصيف و/أو تفسير ٱلعلَاقات ٱلوظيفية في سلسلة ٱلكلَام كما نَحَا إليه ٱلعرب بمقتضى طَبْعِهم في ٱللغة لَا كما يُريد أن يُقَدِّره عقلُ ٱلنحوي تَحكُّمًا وتَمَحُّلًا.
وفي جميع ٱلْأحوال، فإنَّ ما ينبغي ٱستحضاره يتمثل في ضرورة ٱلرُّقِي بٱللغة ٱلعربية لِتَكُون في مَصافِّ ٱللُّغات ٱلطَّيِّعة على ٱلِاكتساب وٱلِاستعمال بٱلشكل ٱللَّذي يُدمجها في سيرورة ٱلْإبداع على كل ٱلمستويات ٱلثقافية وٱلحضارية. وإن ٱلعمل على بُلوغ هذه ٱلغاية لَا يجب أن يكون من موقع ٱلجهل بخصوصية هذه ٱللغة ٱللَّذي يقود، في معظم ٱلْأحيان، إلى إفقادها أهمَّ ما يُميزها و، من ثم، إفساد نظامها ؛ كما أنه يَلزم ألَّا يكون تحت وطأة ٱلِافتتان بٱللغات ٱلمسيطرة حاليا في ٱلعالم على نحو يُفْضي إلى تعنيف "ٱلعربية" لكي تستوي وَفْق ما يقتضيه نظام تلك ٱللغات ٱلمختلف عنها بهاذا القدر أو ذاك. ومن أجل ذالك، فإنه لَا يكفي، كما يظن كثيرون، أن يُلِمَّ ٱلمرءُ بَعْضَ إلمامٍ بِنُتَفٍ من ٱللسان ٱلعربي فيأخذ في خوض ما لَا قِبَل له به مطلقا إلَّا على أساس تغلغلٍ من بعد تغلغل يجعل صاحبه يُحيط بجوامع هذا ٱللِّسان فيقتدر، بٱلتالي، على ٱلِاجتهاد في معالجة ما يُعدُّ من مشكلَاته. وإنه لمن ٱلمؤسف جدًّا أن كثيرا من ٱلمتقولين في "ٱلنحو ٱلعربي" و"ٱللغة ٱلعربية" يعجزون، في معظم ٱلْأحيان، عن ٱلبرهنة بأعمالهم شِفَاهيا و/أو كتابيا على بَالِغ تَمَكُّنهم منها فيما يزعمونه، حيث لَا تَعْدَمُ أن تجد بين أقوالهم من ٱللَّحن وٱلْعِوَج ما لَا يستقيم مع ٱلْأصول ٱلمقرَّرَة في ٱستعمال ٱللِّسان ٱلعربي. وليس يخفى أن قلة ٱلتضلع من ٱللُّغة وضحالة ٱلفقه فيها تُعَدّان من ٱلْأسباب ٱللَّتي أدت إلى إفساد ٱكتسابها وٱستعمالها ورَسَّخَت، من ثم، جملةً من ٱلعادات ٱللَّتي صارت تدفع كثيرا من مستعمليها إلى مقاومةِ أي ٱجتهاد يطمح إلى ٱلنهوض بهذه ٱللغة على نحو مَتِين وناجع. ولِهَاذَا، لَا يَبْعُد أن تُصادِف أُناسًا يَدَّعون عدم حاجة "ٱلعربية" إلى أي إصلَاح بخصوص ما يرتبط بها من مشكلَات، وذالك لِأنها في ظنهم كاملةٌ أبدًا حتى مع وجود ٱلنقص ٱلبَيِّن في ٱستعمالهم لها، وهو ٱلِاستعمال ٱللَّذِي لَا يرقى بأمثالهم إلى إدراك مزياها ولَا يدل على تحصيل كفايتهم من علم ٱللغة لِيَصِحَّ قَبُولهم أو رَدُّهم لِمَا يُطلب من إصلَاح لِثُبوت عدم قدرتهم على تَبَيُّن مدى جدارته علميا وعمليا. ومثل هَاأُولَاء كانوا ولَا يزالون يُمثلون ٱلعقبة ٱلكأداء أمام إصلَاح نواحي ٱلخلل ٱلمحيطة باكتساب وٱستعمال ٱللسان ٱلعربي. فليست ٱلمشكلة، على ٱلحقيقة، في ٱللغة ذاتها وإنما هي في نفوس وعقول مستعمليها أو أدعياء ٱلعلم بها من ٱللَّذِين لَا يجتهدون بما يكفي للِاقتدار على تَبُّين مدى لُزوم كل ٱجتهاد يأتي فيَدَّعي أنه يَرُوم صوابا أو يدفع فسادا في هاذا ٱلمجال أو ذاك من مجالَات حياة ٱلناس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.