يتوقع الكثيرون من المحللين أن عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يمكن أن تعطي إسرائيل مساحة أوسع للحركة في منطقة الشرق الأوسط وفقا لما تراه مناسبا لها. ومع ذلك قد يتم اختبار هذا التوقع، وقد يثبت أنه خاطئ تمامًا، حسب ويل وولدورف، الأستاذ المساعد وزميل جامعة ووك فورست الأمريكية وزميل مركز "أولويات الدفاع" الأمريكي للأبحاث. وفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية يقول وولدورف، مؤلف كتاب "من أجل تشكيل عالمنا نحو الأفضل.. إتقان السرديات وتغيير الأنظمة في السياسة الخارجية الأمريكية من 1900 إلى 2011′′، إنه من الواضح أن ترامب لا يستطيع تحمل أن يتحداه الحلفاء بالطريقة التي تحدت بها إسرائيل الرئيس الحالي جو بايدن في جهود وقف إطلاق النار وصفقة تحرير المحتجزين في غزة. علاوة على ذلك، إذا أحرج العدوان الإسرائيلي المستمر على دول الجوار ترامب وعرقل خططه لتحقيق سلام في الشرق الأوسط، فقد يدفعه الإحباط إلى محاولة السيطرة على إسرائيل بصورة أكبر. لكن السؤال الأهم الذي يطرحه وولدورف هنا، هو: كيف يستطيع ترامب عمل ذلك؟. تكمن الإجابة في تغيير بنية التحالف الأمريكي الإسرائيلي بجعله أكثر غموضا. فغموض التحالف الاستراتيجي سيفيد كلا من إسرائيل والولاياتالمتحدة، فهو سيعزز قدرات إسرائيل في مواجهة أعدائها الإقليميين، ويخفف من حدة المغامرة الإسرائيلية، ويوفر الأساس لتوسيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول العربية المعروفة باسم "السلام الإبراهيمي"، وهو ما يسعى إليه ترامب بشكل خاص. والحقيقة أن الظاهرة التي يطلق عليها علماء السياسة "الخطر الأخلاقي" تكمن في جوهر المشاكل، التي من شبه المؤكد أن يواجهها ترامب (مثل بايدن) مع إسرائيل. ويظهر الخطر الأخلاقي عندما تتعهد قوة عظمى بأمن قوي لحليف تحريفي يميل إلى تغيير المعتقدات السائدة بشأن كيفية وقوع الأحداث. في الوقت نفسه فإن الحماية التي توفرها القوة العظمى تتيح للحليف الإفلات من عواقب أفعاله، مما يجعله أكثر استعدادا للمغامرة وأقل استجابة لمطالب القوة العظمى. وعلى الرغم من التزامها بإنقاذ الحليف عندما يتعرض للمتاعب، تجد القوة العظمى أن تكاليف المحافظة على أمن هذا الحليف المغامر ترتفع إلى مستويات غير مستدامة. ومنذ سابع أكتوبر جعل "الخطر الأخلاقي" واشنطن تحت رحمة إسرائيل شريكها الأصغر. وبفضل التزام واشنطن الأمني "الصارم" تجاه إسرائيل والإمدادات الضخمة من الأسلحة الأمريكية، يتباهى القادة الإسرائيليون علناً بالتلاعب بالولاياتالمتحدة. وقال نتنياهو بثقة في يوليوز إن "الولاياتالمتحدة تدعمنا". واستناداً إلى هذا التأكيد، تجاهلت إسرائيل واشنطن إلى حد كبير بينما كانت تندفع إلى الأمام، مما أدى مراراً وتكراراً إلى تقويض أنواع الجهود الرامية إلى إحلال السلام الذي يريد ترامب رؤيته في الشرق الأوسط. ووفقاً لأحد الخبراء، فإن إسرائيل تقول لواشنطن إن الحرب في غزة ستنتهي "بشروطنا وجدولنا الزمني، وليس بشروطكم". والواقع أن الأحداث تؤكد هذه الحقيقة. ففي أوائل يوليوز ضغط بايدن على نتنياهو للتفاوض من أجل وقف إطلاق النار في غزة، لكن تل أبيب شددت شروطها التفاوضية، وشنت غارات جوية على لبنانوغزة، واغتالت رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية. والأمر نفسه تكرر في سبتمبر وأكتوبر. ففي الوقت الذي طرح بايدن اقتراحا خاصا بوقف إطلاق النار رفضته إسرائيل، وبدلا من ذلك وسعت نطاق الحرب من خلال عملية تفجير أجهزة "البيجر"، التي استهدفت الآلاف من عناصر "حزب الله" في لبنان، ثم اغتالت زعيم الحزب حسن نصر الله. وقال مسؤول أمريكي إن الحصول على تعاون إسرائيل أشبه ب"خلع الضرس". والواقع أن المكاسب التي حققتها إسرائيل ضد "حماس" و"حزب الله" وإيران شجعتها على التصرف بطرق قد تؤدي إلى إفشال خطط ترامب لتهدئة الصراعات الإقليمية وخفض تكاليف الأمن الأمريكية. والواقع أن انتخاب ترامب يبدو من شأنه زيادة خطورة "الخطر الأخلاقي" الذي تمثله إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة، وليس خفضه. ويتوقع القادة الإسرائيليون أن "يدعم ترامب بلادهم دون قيد أو شرط"، وهو الاعتقاد الذي يعززه ميل المسؤولين الذين اختارهم ترامب لإدارته الجديدة إلى تأييد إسرائيل. وعلى الرغم من تصريح ترامب بأنه يريد وقف إطلاق النار في غزة قبل يوم التنصيب، ساعدت إسرائيل في قتل محادثات وقف إطلاق النار بعد انتخاب ترامب مباشرة، ويبدو أنها لم تتغير إلى حد كبير في موقفها من المفاوضات الحالية. كما أن غزو إسرائيل لسوريا بعد سقوط نظام حكم الرئيس بشار الأسد ينسف تصورات ترامب المعلنة لجعل السوريين يحددون مستقبلهم بمفردهم دون تدخل خارجي. وإذا ظل "الخطر الأخلاقي" يمثل مشكلة في المستقبل يتعين على ترامب أن يفعل ما افتقده بايدن، وهو الرؤية أو الشجاعة للقيام به، وأن يضيف غموضا استراتيجيا إلى التحالف مع إسرائيل. وسيبدأ هذا باستبدال الالتزام "الصارم" بتعهد صريح بأن "تحتفظ الولاياتالمتحدة بالحق"، كما حدث مع تايوان، في الدفاع عن إسرائيل حسب اختيار واشنطن على أساس كل حالة على حدة. وكما حدث مع تايوان، يمكن لترامب أن يقلص إمدادات المعدات العسكرية الهجومية إلى إسرائيل ويرسل بدلا من ذلك إمدادات دفاعية فقط. ومن شأن التخفيض التدريجي للقوات الأمريكية المرسلة لحماية إسرائيل أن يساعد في الإشارة إلى هذا الغموض أيضا. ويقول وولدورف، الذي يجهز حاليا كتابا بعنوان "حروب أمريكا الأبدية.. لماذا طالت بشدة ولماذا تنتهي الآن وما هو التالي لها"، إن البعض قد يرى في هذا التحول في طبيعة التحالف الأمريكي الإسرائيلي نوعا من التخلي عن تل أبيب، لكنه ليس كذلك. فالولاياتالمتحدة لم تتخل أبدا عن تايوان، مع تبنيها سياسة الغموض الاستراتيجي معها. وما زالت تايوان شريكا مهما في آسيا وتحميها القوة الأمريكية من الهجمات الصينية على مدى أكثر من سبعة عقود. الأمر نفسه يمكن أن يحدث مع إسرائيل والشرق الأوسط. وسوف يساعد الغموض في الحد من "الخطر الأخلاقي" من خلال جعل إسرائيل تتحمل، أو تعتقد أنها ستتحمل، المزيد من تكاليف أمنها، وبالتالي تستخدم الدبلوماسية في التعامل مع مشكلاتها أكثر من استخدامها للقوة كما تفعل حاليا، وهو ما سيصب في النهاية في مصلحة كل من إسرائيل وأمريكا والشرق الأوسط.