أقرت مصر قانونا للجوء هو الأول من نوعه، ما أثار خشية منظمات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان من أن يؤدي "المنظور الأمني" في مقاربة الهجرة إلى تقويض حماية اللاجئين. وصادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على القانون الجديد، الثلاثاء الماضي، وهو يدخل حيز التنفيذ في وقت تواجه فيه بلاده أزمة اقتصادية وتداعيات النزاعات الإقليمية. وبحسب تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يدخل مصر يوميا مئات الفارّين من الحرب في السودان، بينما وصل عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجّلين إلى 845 ألف شخص في نونبر الماضي. ووفق التقديرات الرسمية، يوجد في مصر أكثر من تسعة ملايين "ضيف"، وهي المفردة التي تستخدمها السلطات المصرية لوصف اللاجئين والمهاجرين. وتشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن هذا العدد يشمل كل الذين دخلوا مصر، بصرف النظر عن وضعهم القانوني أو الأسباب التي دفعتهم إلى الهجرة. وعلى مدى العقود الماضية، تولت مفوضية اللاجئين الأممية عملية تسجيل اللاجئين في مصر بموجب اتفاقية تعود إلى العام 1954، إلا أن القانون الجديد يوكل المهمة إلى السلطات المحلية. وبموجب القانون الجديد، ستُشكل لجنة مختصة تحت سلطة رئيس الوزراء للإشراف على طلبات اللجوء وخدمات اللاجئين. إلا أن ناشطين يرون أن القانون أُقرّ على عجل ومن دون استشارة منظمات المجتمع المدني أو مفوضية اللاجئين. وانتقد مدير قسم البحث في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، كريم عنارة، في تصريح لوكالة فرانس برس، "الطريقة التي خرج بها القانون؛ لأنها كانت محاطة بالكثير من الاستعجال والسرية"، ورأى في ذلك مؤشرا على "المنظور الأمني المتشدد". ولم يتسنَّ لفرانس برس الحصول على تعليق من المفوضية السامية للاجئين. ثغرات مرصودة في مقابل الانتقادات، دافع عدد من أعضاء مجلس الشعب عن القانون، وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، طارق رضوان، إن "سرعة التشريع نابعة من الحاجة للتشريع". وشدّد على أنه "لا يمكن أن تكون في أي دولة زيادة مطّردة لأعداد اللاجئين فيها بدون تشريع ينظم وجودهم". وبينما تؤكد الحكومة المصرية أن القانون يتماشى مع المعاهدات الدولية ويهدف إلى تبسيط بيانات اللاجئين عبر دمج قاعدة البيانات الرسمية مع تلك العائدة لمفوضية اللاجئين، أثارت بعض مواده مخاوف الحقوقيين. ومن أبرزها بند ينصّ على أن "يكون للجنة المختصة في زمن الحرب أو في إطار اتخاذ التدابير المقررة قانونا لمكافحة الإرهاب أو حال وقوع ظروف خطيرة أو استثنائية طلب اتخاذ ما تراه من تدابير وإجراءات لازمة تجاه اللاجئ لاعتبارات حماية الأمن القومي والنظام العام، وذلك على النحو الذي تنظمه اللائحة التنفيذية لهذا القانون". ويفرض بند آخر عقوبة "بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة" مالية، أو بإحداهما، كل من "استخدم أو آوى طالب اللجوء بغير إخطار قسم الشرطة المختص الذي يقع في دائرته محل العمل أو الإيواء متى ثبت علمه بذلك". كما يلزم القانون "كل من دخل إلى جمهورية مصر العربية بطريق غير شرعي... أن يتقدم طواعية بطلب للجنة المختصة في موعد أقصاه خمسة وأربعون يوما من تاريخ دخوله". ورأى عنارة أن "هذه الثغرات في القانون تجعل الحماية للاجئين التي كانت قبل القانون شديدة الهشاشة أكثر هشاشة"، محذرا من أن ذلك "يخيف الناس من أن يتعاملوا مع اللاجئين". "التعسّف" تستضيف مصر أعدادا كبيرة من اللاجئين، خصوصا من سوريا والسودان والأراضي الفلسطينية. ودخل البلاد أكثر من 1,2 مليون لاجئ من السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، أضيفوا إلى أكثر من 150 ألف سوري وأكثر من 100 ألف فلسطيني، بحسب مصادر رسمية. وترافقت الزيادة في أعداد اللاجئين مع تنامي شعور مناهض لهم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر، وسط مخاوف من تداعيات على قطاعات مختلفة مثل الصحة والإسكان والتعليم، في بلد يناهز عدد سكانه 107 ملايين نسمة. لكنّ المساعدات التي يتلقاها اللاجئون تبقى محدودة، أكان من الحكومة المصرية أو منظمات الأممالمتحدة. وطالب المسؤولون المصريون مرارا بزيادة التمويل الدولي للتعامل مع مسألة اللجوء. وأكد رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، في أبريل أنّ ما تتلقاه القاهرة لا يكفي لسدّ حاجاتها. وفي أكتوبر، قدّم الاتحاد الأوروبي 12,2 مليون يورو لمصر لتوفير خدمات صحية وتعليمية للاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين. وتبقى السياسات التي تعتمدها مصر مع اللاجئين تحت مجهر منظمات حقوقية. وأفادت منظمة العفو الدولية (أمنستي) في يونيو بأنّ 800 موقوف سوداني تمّت إعادتهم قسرا إلى بلادهم من دون السماح لهم بتقديم طلب لجوء. بدورها، حذرت منظمة هيومن رايتس ووتش من أن القانون الجديد قد يؤدي إلى تقويض حقوق اللاجئين والمهاجرين. وقالت المنظمة إن القانون الجديد يرفع "خطر رفض السلطات اللجوء أو سحبه تعسفا، ولن يحمي حقوق طالبي اللجوء، وسيسمح للسلطات باستخدام قانون الطوارئ لتقليص الحقوق، وإجبار اللاجئين على الامتثال لقواعد غامضة الصياغة، وتجريم الدخول غير النظامي والمساعدات غير الرسمية لطالبي اللجوء".