لا حديث بمنطقة تنكارف، التابعة لقيادة تاكلفت بإقليم أزيلال، هذه الأيام، إلا عن حادث تصاعد دخانٍ من أرضٍ منبسطة بإحدى المناطق المخصصة أساسا لرعي الماشية، إذ رافقته تنبؤاتٌ وفرضيات عامّية بخصوص السبب الواقف وراءه. استمرار تصاعد الدخان من المزرعة الموجودة بمنطقة تنكارف خلق حالة من القلق في صفوف الساكنة المحلية، خصوصا مع عدم وضوحِ بما يتعلق الأمر تحديدا من الناحية العلمية، حيث فتح غياب توضيحات رسمية في هذا الإطار البابَ أمام الشائعات التي تفاوتت في وصف الأمر بأنه يحيل على "بركان خامد" أو "انصهار معدني". ورفع ارتباط الموضوع تحديدا بأرض مُعدة أساسا لنشاط رعي المواشي من منسوب القلق في صفوف الساكنة التي لفتت إلى أن "استمرار الأمر على حاله يهدد نشاط الرعي بالمنطقة ذاتها ويحيل على مصير مجهول"، مطالبة السلطات المحلية ب"التدخل وإيضاح بما يتعلق الأمر". "مخاوفُ محليين" حسن شطي، من الساكنة المحلية بتنكارف، قال لهسبريس: "الأمر بدأ منذ حوالي 20 يوما من الآن، ولا نعرف هل يتعلق الأمر ببركان أم ماذا، تزامنا مع عدم وجود مواكبة وتوضيحات رسمية بخصوص الموضوع"، ذاكرا أن "المنطقة مخصصة أساسا لرعي المواشي، منذ مدة". كما أوضح أن "أغلبية الساكنة تعتمد على هذه المنطقة بخصوص نشاط الرعي، حيث كانت معروفة بالثلوج والمياه فيما سبق؛ فإذا طال الأمر كما هو حاليا فسيكون ذلك تهديدا لمختلف المراعي الموجودة بالمنطقة"، مشيرا إلى "وجود ندرة في التواصل والشرح". بدوره، أبدى سعيد داود، من ساكنة المنطقة، "تخوفه" بخصوص الموضوع؛ فقد أفاد، في تصريحه لهسبريس، بأن "مصدر الدخان، إلى حدود الساعة، غير معروف؛ فلا تزال النيران مشتعلة في جوف الأرض ويزداد منسوبها كل يوم. نحن لا نعرف، إلى حدود الساعة، بما يتعلق الأمر هل هو معدنٌ أم شيء آخر". فرضيات علمية سعيا إلى توفير تفسيرات علمية له بعيدا عن افتراضات المحليين، تواصلت هسبريس مع نصر الدين اليوبي، خبير بالمركز الوطني للبحث العلمي والتقني أستاذ بكلية العلوم السملالية بمراكش، والذي انتصر لموقف يفيد بأن "الظاهرة طبيعية في نهاية المطاف، على اعتبار أن المغرب كان في وقت سابق على موعد مع نظيرٍ منها؛ لعل أبرزها ظاهرة مماثلة بمنطقة فاس سايس، خلال ثمانينيات القرن الماضي". وأوضح اليوبي للجريدة أن "مثل هذه الظواهر تجعلنا أمام نظريتين، تتعلق الأولى بإمكانية "كون الدخان المتصاعد ناتجا عن احتراق نباتات الخُثّ المتحللة والتي بقيت عالقة بجوف التراب كمواد خامة؛ ما يصطلح عليه la tourbe بالفرنسية، والتي توجد بمستنقعات الخث أو la tourbière، على اعتبار أن النباتات المتحللة ذاتها تتحول إلى مادة عضوية تشبه إلى حد كبير "الشاربون" المستعمل كمصدر للطاقة؛ فالجفاف إذن يسهل احتراقها لكونها تحتاج فقط إلى شرارة من أجل الانخراط في عملية الاحتراق". لم يقف الخبير بالمركز الوطني للبحث العلمي والتقني بالرباط CNRST عند هذا الحد؛ بل فصّل في الفرضية الثانية التي أشار إلى إمكانية ارتباط دخان مراعي تنكارف بأزيلال بها، حيث قال: "يمكن أن نكون أمام ينابيع مائية ساخنة معروفة علميا باسم 'Source hydrothermale' بالفرنسية، أي عين مائية حرارية شبيهة بعين مولاي يعقوب المعروفة بنسبها المهمة من الكبريت، إذ يكون بذلك الدخانُ المتصاعد من فوهة الثقوب الموجودة على مستوى سطح الأرض بمثابة إفرازٍ لسخونة المياه الباطنية، ولو أنها تكون قد جفّت على مستوى السطح". "أطاريح مستبعدة" وخلافا لما افترضته الساكنة المحلية بمنطقة تنكارف بأزيلال، نفى الأستاذ الجامعي بكلية العلوم السملالية بمراكش أن يكون الحادث متعلقا ب"نشاط بركاني مستيقظ كما هو متداول على ألسنة البعض، وكما جرى تداوله كذلك في الحالة التي شهدتها منطقة فاس سايس سابقا"، مشيرا بذلك إلى أن "مختلف الفرضيات تبقى، في نهاية المطاف، في حاجة إلى دراسة علمية ميدانية معززة لها؛ وهو ما نعتزم القيام به، إلى جانب باحثين آخرين في هذا المجال، للوقوف مباشرة على طبيعة الظاهرة". متحدثا عن واقعة منطقة فاس سايس التي ضرب بها المثال، لفت الأستاذ الجامعي إلى أن "الباحثين المغاربة كانوا قد اعتقدوا، وقتها، أن الأمر يتعلق بنشاط بركاني قريب من السطح؛ وهو ما فنده فريق علمي آخر ضم خبراء فرنسيين قاموا بقياس درجة حرارة الطبقات الكلسية بحوض فاس سايس وقتها، وتبين لهم أنها في مستويات طبيعية"، مقدما إمكانية "وجود تقارب بين منطقة تنكارف بأزيلال وحوض فاس سايس، إذ يتميزان بمحاذاة الجبال للسهول، بما يحيل على الخصائص الجيولوجية نفسها". تجدر الإشارة إلى أن جريدة هسبريس الإلكترونية اشتغلت إعلاميا، مارس الماضي، على حادثة مشابهة بدوار سيدي إبراهيم بإقليم الفقيه بنصالح، والمتمثلة في انبعاث دخان من فجوات أرضية متفرقة صاحبته روائح كريهة؛ ما أثار قلق الساكنة المحلية وقتها وفتح الباب أمام تأويلات مختلفة، بما يتطابق تقريبا مع واقعة مراعي تنكارف في الوقت الراهن.