لأكثر من اعتبار، يرى مراقبون أنَّ زيارة الفرنسِي، فرانسوَا هولاند الأخيرة، إلَى واشنطن كانت ناجحة، وأنَّ من بين ثمارهَا الواعدة، خروج هولاند مع نظيره الأمريكِي، باراك أوبامَا، بمقالٍ فِي "واشنطن بوستْ"، يبسطان فيه آمالهما ومخاوفهما، حيال مستقبل القارَّة السمراء. الاهتمامُ الفرنسِي الأمريكِي مردُّه إلى ما يعرفهُ سوق إفريقيا جنوب الصحراء، من نموٍّ متزايد، ونظرًا إلى شملها ثمانمائة مليون نسمة، توفرُ إمكاناتٍ هائلةٍ للمقاولات والمستثمرين، سواءٌ للأمريكان أوْ الفرنسيين أوْ فاعلِين آخرين. بيدَ أنَّ لكل من فرنساوالولاياتٍالمتحدة الأمريكيَّة نقاط قوةٍ، كما أنَّ لهما نقاط ضعف، ففرنسا، التِي تتوفرُ على خبرةٍ أكبر في إفريقيا نظرًا لتاريخها الاستعمارِي الطويل، يبرز إشكالها في أنَّ بعض الدول الإفريقيَّة قد لا تثقُ فيها بسبب ما كابدته منها إبان الحقبة الكولونياليّة، أمَّا الولاياتالمتحدة، التِي لمْ تدخل إفريقيا مستعمرة، بل وعلى العكس من ذلك، ساعدت بعض الدول الإفريقيَّة على التحرر، كما حصل في شمال إفريقيا، مع النازيين، تاعني نقصًا في الخبرة اللازمة في الولوج إلى القارة السمراء. مقابل ما ذكر، تعانِي القارَّة الإفريقيَّة ويلاتِ الاضطراب السياسي، والعنف الإثنِي، كما هو الشأن في شمال دولة مالِي، الذِي يضاهِي في مساحته مساحة فرنسا تقريبا، سقط العام الماضي، فِي أيدِي الإرهابيِّين. فاضطلع الجيش الفرنسي بدعمٍ من الأمريكان بدورٍ حاسم في تحريره. بيد أنَّ الدولتين الغربيتين واعيتان، وإنْ تظافرت مجهوداتها ضد الإرهاب في شمال البلاد العام الماضي، بأنَّ مستقبل مالِي في حاجةٍ إلى أنْ تؤمنه دولٌ إفريقيَّة، لا على الصعيد العسكرِي فحسب، وإنمَا على مستوى التنمية الاقتصاديَّة واستراتيجيَّات اجتثاث الراديكاليَّة، في أفقِ تجفيفِ المنابع التِي تنبتُ فيها طفيليَّات الإرهاب. المخاوفُ التي يتقاسمهَا الأمريكان والفرنسيُّون، إزاء إفريقيا، والطموحات التي يصبون إليها في القارة تجعلهُم فِي حاجةٍ إلى شريكٍ، يكون بمثابةِ جسر آمن، بإمكانه أنْ يساعدهم على التعاطِي مع التحديات المطروحة، وهو بلدٌ يتعينُ أنْ يكون جارًا، متوفرًا على شبكةٍ بشريَّة حاضرة في القارة، وقوة عسكريَّة مهمة، وخبرة في التنمية البشريَّة والاقتصاديَّة، من أجل إيقاد جذوة الاعتدال والتسامح الإسلامِي؛ التِي يحاولُ الجهاديُّون أنْ يخمدُوهَا ما أمكنهُمْ ذلك. ذاك البلد الذِي يمكن أنْ يعهد إليه بتلك التحديات ليرفعها، هو المغرب بما لا يذرُ مجالًا للشك، على اعتبار أنَّه حققَ اختراقَا مهمًّا لإفريقيا جنوب الصحراء خلال السنوات الأخيرة، وذلكَ بناءً على سياسة انتهجها الملكُ محمد السادس، تقومُ على دعم مسار الدمقرطة، والشراكة من أجل تنمية بشريَّة، واحترام الفروق الثقافية، ومحاربة الإرهاب، حيث يدعم المغربُ التسامح الإسلامي، حتى أنَّ الملكُ يشغل صفة أمير المؤمنين. كما أنَّ الملك المغربي سليلُ أسرةٍ كان لها دورٌ في إدخال الإسلام إلى عددٍ من الدول الإفريقيَّة، وهو إسلامٌ منفتح على الثقافات والتقاليد المحليَّة، كما على الأديان الأخرى والأنظمة الروحيَّة، كمَا هو الشأن لدَى مريدِي الطريقة التيجانيَّة في السينغال. على تلك الأسس، يكون المغرب قادرًا على أنْ يربط علاقاتٍ مثمرة مع البلدان الإفريقيَّة، وهو يتوفر في ذلك على الأدوات الاقتصاديَّة اللازمة التي تستوجبها العمليَّة، المتراكمة على مدى سنوات، عبر بنوكه وتجاره، والثقافات المحلية، والاتفاقيات الموقعة مع مقاولات في المنطقة، كالماء والصحة، ومجال الاتصالات، والبناء. وهو ما تراهن عليه الولاياتالمتحدةوفرنسا لتعويض ما لها من غيابٍ في القارة، التِي باتَ المغربُ يصدرُ إليها إسلامه المتسامحُ إلى ربورعها المتوترة.