انحياز ‬صارخ ‬لضغوط ‬الجزائر ‬و ‬تجاهل ‬واضح ‬لصلاحيات ‬مجلس ‬الأمن    الخلفيات السياسية لقرار محكمة العدل الأوربية إلغاء الاتفاق التجاري مع المغرب    تعريف بمشاريع المغرب في مجال الطاقة المتجددة ضمن أسبوع القاهرة للطاقة المستدامة2024    كتائب القسام تقصف إسرائيل تزامنا مع ذكرى "طوفان الأقصى"    إسرائيل تقتل غزة.. يبدو أن العالم فقد إحساسه بالعدالة والإنسانية!!    الدحاوي تمنح المغرب الذهب ببطولة العالم للتايكوندو للشبان في كوريا الجنوبية    منتخب "U17" يواجه السعودية استعدادا لدوري اتحاد شمال إفريقيا    "الكاف" يضع نهضة بركان في المستوى الأول من قرعة كأس الكونفدرالية الأفريقية    مزراوي يغيب عن المنتخب الوطني بسبب الإصابة ونجم الرجاء الأقرب لتعويضه    مبحوث عنه دوليا يسقط في قبضة شرطة طنجة    العام الثقافي "قطر- المغرب 2024".. جائزة كتارا تختار الروائي المغربي التهامي الوزاني شخصية العام        كيوسك الإثنين | المغرب يسجل أداء متميزا بين 50 دولة في مناخ الأعمال    فاس.. توقيف ثلاثة أشخاص متورطين في السرقة باستعمال السلاح الأبيض        حماس تعلن إطلاق صواريخ من غزة باتجاه إسرائيل تزامنا مع إحياء ذكرى 7 أكتوبر    "حزب الله": لا بد من إزالة إسرائيل    مشعل: إسرائيل عادت إلى "نقطة الصفر"    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تعزي في وفاة الصحفي مصطفى لخيار    فيلم "جوكر: فولي آ دو" يتصدر الإيرادات بأميركا الشمالية    في لبنان مصير العام الدراسي معلق على وقع الحرب وأزمة النازحين    رئاسيات تونس.. عزوف الناخبين وسجن المعارضين يشكك في نزاهة الاقتراع    زراعة الفستق تزدهر في إسبانيا بسبب "تكي ف" أشجاره مع التغير المناخي    بنحدو يصدر ديوانا في شعر الملحون    السلطة المحلية تداهم مقهى للشيشة بطنجة    انطلاق منافسات الدورة ال25 لرالي المغرب    الناخبون الأميركيون يخشون الأخبار المضللة الصادرة من السياسيين أنفسهم    اتحاد طنجة يخرج متعادلا من موقعته أمام الجيش الملكي    سجلت أدنى معدل مشاركة منذ ثورة 2011.. سعيد يفوز في انتخابات بلا منافسة حقيقية بنسبة 89%    الحكومة الإسبانية تؤكد دعمها للشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي: الرباط شريك أساسي لا غنى عنه    اختتام الدورة 15 لمعرض الفرس للجديدة باستقطاب 200 ألف زائر    انتقادات "الأحرار" تقلق "البام" بطنجة    "أيقونة مغربية".. جثمان الفنانة نعيمة المشرقي يوارى الثرى في مقبرة الشهداء    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    الملك محمد السادس يبعث ببرقية تعزية إلى أسرة نعيمة المشرقي    مهرجان "الفن" يشعل الدار البيضاء بأمسية ختامية مبهرة    إسرائيل ربحت معارك عديدة.. وهي في طورها أن تخسر الحرب..    الملك محمد السادس يشارك الأسرة الفنية في حزنها لفقدان نعيمة المشرقي    7 سنوات على موجة "مي تو"… الجرائم الجنسية تهز قطاع صناعة الموسيقى بالولايات المتحدة    تغييب تمثيلية للريف باللجنة المركزية للاستقلال يقلق فعاليات حزبية بالمنطقة    استقرار سعر صرف الدرهم مقابل الأورو وتراجعه أمام الدولار    كارفاخال يخضع لعملية جراحية بعد إصابته الخطيرة    زراعة الفستق تزدهر في إسبانيا بسبب "تكيّف" الأشجار مع التغير المناخي        أنفوغرافيك | بالأرقام .. كيف هو حال إقتصاد غزة في الذكرى الأولى ل "طوفان الأقصى" ؟    الجزائر تكشف تورطها في ملف الصحراء بدعم قرار محكمة العدل الأوروبية ضد المغرب    منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة…أسعار الغذاء تسجل أعلى زيادة شهرية    بين أعالي الجبال وقلب الصحراء .. تفاصيل رحلة مدهشة من فاس إلى العيون    وفاة الفنانة المغربية نعيمة المشرقي عن 81 عاما    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف الدكاتر ة.. خمس مفارقات مُخْجلَة
نشر في هسبريس يوم 14 - 02 - 2024

حقائق أربع كشفت عنها المعركة البطولة التي خاضتها الشغيلة التعليمية ضد "نظام المآسي" انطلاقا من الخامس من أكتوبر2023م:
1- الحقيقة الأولى: أن النقابات التي يسميها الإعلام "أكثر تمثيلية" غدت في أمس الحاجة إلى مراجعة الذات، وإلى إعادة النظر في تنظيمها الداخلي، وفي هيكلتها، وفي آليات اشتغالها، وفي ميكانيزماتها واستراتيجيتها النضالية، مادامت -في كل الأحوال- تتمتع بالشرعية القانونية التي تخول لها تأطير وتوعية وتنوير ومساندة رجال ونساء التعليم.
2- الحقيقة الثانية: أن "الأستاذ" هو قلادة عقد المنظومة التعليمية بلا منازع، إنها قلبها النابض بامتياز، فعلى نبضاته تتوقف حياتها، إنه الروح التي تسري في كيان الجسد التعليمي كاملا لتعطي الحركة والحيوية لكل أعضائه ولكل مفاصله وأطرافه، والدليل القاطع على هذا الكلام هو حالة الشلل التام التي أصابت كل المؤسسات التعليمية على امتداد الوطن الحبيب، بعدما انخرطت هيئة التدريس في الإضراب العام احتجاجا صارخا على ما تضمنه "نظام المآسي" من بنود تسعى لاستعباد الأستاذ وإلى تمريغ كرامته في التراب.
3- الحقيقة الثالثة: أنها شكلت صدمة قوية أيقظت رجال ونساء التعليم من حالة الغفلة والتسيب التي عاشوها طويلا، وزادت من نسبة الوعي السياسي والنقابي لديهم، وهذا ما تجسده النقاشات الوازنة والرصينة والعميقة التي صارت تؤثث فضاءات جلسات الشغيلة التعليمية، والتي فرضت عليها التسلح بكثير من الحذر والحيطة، والتخلص من كل أشكال السلبية والحياد ومن كل ألوان التسيب والتفاهة واللامبالاة.
4- الحقيقة الرابعة: أنها حركت المياه الراكدة في شرايين قطاع التعليم لمدة طويلة جدا، كما أنها أزاحت النقاب عن مآسي فئات كثيرة ظلت معاناتها طي التكتم والاستتار طوال عقود، فئات ظلت تعاني في صمت رهيب، كانت تتمزق وتتألم دون أن يشعر أحد من المسؤولين بتمزقها وألمها، ودون أن تجرؤ على التعبير عن مطالبها المشروعة، تتمزق في حسرة صارخة صراخا مرا مرارة لا تعاد لها مرارة.
سأخصص هذه الورقة لتسليط بعض الأضواء على ملف فئوي حارق، هو ملف دكاترة التعليم المدرسي الذي لا يملك المطلع على تفاصيله، والمتتبع لمستجداته، والمنخرط في محطاته النضالية المشهودة، وليس للمدرك لخلفياته وخفاياه التي لم تعد تخفى على أحد، إلا أن يضع أكثر من علامة استفهام، وأكثر من علامة تعجب، وهو يقف على حجم المفارقات الْمُخْجِلَة التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ثمة أياد خفية في الوزارة الوصية تسعى جاهدة إلى عرقلة حل الملف، وإلى ممارسة كل أشكال التهميش والإقصاء على فئة تشكل نخبة المجتمع المغربي بامتياز.
1- الجودة/الرداءة:
منذ انطلاق مسلسل إصلاح التعليم المغربي، ظل شعار "الجودة" يتردد باستمرار في مختلف المحافل والمنتديات، ويطرح للنقاش في كل الندوات والمؤتمرات، بل إنه شكل بابا من أبواب "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، غير أن مستنقع الرداءة والضحالة الذي تغرق فيه المنظومة باعتراف التقارير الوطنية والدولية يؤكد بالواضح أن "الجودة" مجرد كلام للاستهلاك لا أقل ولا أكثر... فالتعليم العالي المغربي يعيش أزمة خانقة باعتراف المشرفين على القطاع، أزمة تشمل ثلاث مستويات:
– المستوى البنيوي التنظيمي.
– مستوى المردودية والفعالية.
– مستوى العلاقة مع المحيط الخارجي.
ويمكن رصد بعض مشاهد هذه الأزمة:
– ارتفاع معدل الهدر الجامعي.
– ضعف المردودية الداخلية والخارجية وعدم تلاؤمها مع متطلبات سوق الشغل.
– قلة الأبحاث والدراسات التي تقدمها الجامعة لفائدة الفاعلين الاقتصاديين.
– قلة طلبات القيام بخدمات من قبل مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لانعدام الثقة في القدرة البحثية لمؤسسات التعليم العالي.
– ضعف الدور الثقافي للتعليم العالي.
ومن ثمة يحق لنا أن نتساءل بمرارة: لماذا كل هذا التهميش المقصود لهذه الطاقات المتوثبة المستعدة كامل الاستعداد للعطاء والبحث والتفاني في خدمة أجيال الطلبة تأطيرا وتكوينا وتوجيها وإرشادا! وما يثير الغثيان فعلا أنه في مقابل هذه الإزاحة غير المفهومة لهذه الكفاءات والقامات العلمية، يصر المسؤولون على فتح أبواب الكليات في وجه الطلبة/الدكاترة الذين يعمدون إلى تأطير أجيال الطلبة الملتحقين بمدرجات الجامعة دون تجربة بيداغوجية ودون عدة ديداكتيكية.
2- المركز/الهامش:
إمعان الوزارة في تهميش كفاءات الدكاترة، ورغم كل المحطات النضالية التي خاضوها وانخرطوا فيها، ورغم عدالة قضيتهم بكل المعايير وبكافة المقاييس، وهذا ما أفرز توزيعا جغرافيا للدكاترة، بحيث صرنا أمام نمطين من الدكاترة:
– دكاترة المركز: هو الدكاترة المحظوظون الذين وجدوا أنفسهم في أماكنهم الطبيعية حيث يجب أن يكونوا في الجامعات، وفي مؤسسات التعليم العالي المعلومة: مركز تكوين المفتشين، مركز التوجيه والتخطيط، المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين... هؤلاء يمثلون الفئة المحظوظة التي يسمح لها بالانخراط في البحث العلمي، وبالتأطير والتوجيه والتكوين والتأليف والعطاء...
– دكاترة الهامش: هم الفئة المغضوب عليها، إنهم الدكاترة المبعدون قسرا من مراكز البحث ومن منارات العلم، وهم في أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي الذين اختاروا طريق التحدي من أجل الوصول، تحدوا الصعاب كلها، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل الحصول على أعلى شهادة أكاديمية تمنحها الدولة.
هكذا أصبحنا أمام مشهد سوريالي بامتياز: قاعات ومدرجات مكتظة بآلاف الطلبة، في مقابل دكاترة "معتقلين" في الهوامش: البوادي وأقاصي الجبال والمدن الهامشية وأشباه المدن... حيث تتضاعف المعاناة، لتتحول إلى ركام من العقد ومن الأزمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية...
3- مكلف/غير مكلف:
من المفارقات المثيرة للانتباه أن نقابات مناضلة مسؤولة تبنت الدفاع عن الملف بكل صدق وبكل تفان، انكبت على التكلفة المادية الخاصة بهذا الملف، وانطلقت من إحصائيات دقيقة، ومن المعطيات المتعلقة بالوضعية المادية لكافة دكاترة القطاع الذين يصنف أغلبهم في خانة الدرجة الممتازة، وقد توصلت إلى نتيجة مفادها أن الملف غير مكلف بالمرة، بل إن ثمة فئات من دكاترة القطاع ستتعرض رواتبها للنقصان من أمثال: الدكاترة المفتشين، والدكاترة المتصرفين الإداريين... ومعنى ذلك أنه ليس ثمة مبرر موضوعي من الناحية المادية يبرر كل هذا التماطل وكل هذا الإقصاء.
4- التكليف/الترسيم:
من مظاهر عبث المسؤولين في تعاملهم مع هذا الملف، ما يعرف بقضية التكليفات، فقد عودتنا الوزارة الوصية في كل موسم دراسي جديد على إصدار مذكرات خاصة بتكليف أساتذة للتدريس والتأطير في المراكز الجهوي لمهن التربية والتكوين، ولعل المثير للانتباه والاستغراب هو التهميش المقصود للدكاترة في مقابل فتح المجال لأساتذة حاصلين على شهادة الإجازة فقط، وهذه مفارقة غريبة لا تفسير لها إلا أن ثمة من داخل الوزارة لوبيات تُلِحُّ على إبقاء فئة الدكاترة في الظل تتجرع مرارات التهميش والجحود والإقصاء.
5- النزاهة/المحسوبية:
أصرت الوزارة على ضرورة اجتياز المباراة من أجل أن يتمكن الدكاترة من تغيير الإطار "أستاذ باحث"، والحقيقة أن الإصرار على هذه "المباراة" يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ثمة من يلح على عرقلة حل هذا الملف، ففي الوقت الذي تطالب النقابات بالحل الشامل، وبالسماح لكل الدكاترة بتغيير الإطار دون قيد ولا شرط، ظلت الوزارة تقابل هذا المطلب بالرفض المطلق، وتلح على ضرورة اجتياز المباراة، وهو الأمر الذي يرجع الملف إلى نقطة الصفر، لأن الدكاترة عانوا طويلا من عقبة "المباراة" التي كانت مرادفة للمحسوبية والزبونية، كما كانت فرصة سانحة لبروز أمواج الولاءات والانتماءات ولتصفية الحسابات ولإعطاء الشرعية القانونية لكافة الخروقات، ولعل الفضائح التي رافقت أغلبية المباريات، والتي تعج بها صفحات الجرائد كفيلة بإعطاء أدلة قاطعة على فساد المباريات، من أجل كل ذلك أكد الدكاترة أنهم لا يرفضون المباراة باعتبارها مباراة، بل باعتبارها وسيلة لتكريس الزبونية والمحسوبية، ثم نظرا لغياب شبكة موحدة للمباريات، فكل جامعة تضع ما يخدم رهاناتها وتمثلاتها ورؤاها واستراتيجياتها، ومن ثمة يبقى مطلبهم مشروعا إلى حد كبير، بل إنهم يقترحون أن يتم إدماج هذه الفئة التي عانت طويلا من الانتظار والوعود الكاذبة المعسولة لمدة تفوق عقدين من الزمان بشكل استثنائي، وللوزارة بعد ذلك أن تفرض المباراة على أجيال الدكاترة المقبلين.
إن ما يتعرض له الدكاترة من قبل الوزارة الوصية لهو عين القتل المقصود، وعين الاغتيال المرصود، لأن حرمانهم من الالتحاق بالتعليم العالي يعني حرمان الجامعات المغربية وباقي مؤسسات التعليم العالي من قامات أكاديمية ومن طاقات علمية ومنارات فكرية راكمت سنوات طويلة من الخبرة البيداغوجية والتجربة الديداكتيكية والممارسة التربوية الميدانية الجادة، لأن التعليم العالي في نهاية المطاف حلقة مكملة لحلقات التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي، إنه امتداد طبيعي في إطار نسق تعليمي متماسك الحلقات مترابط المحطات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.