بدأت، اليوم الخميس، جلسات محاكمة تتواجه خلالها إسرائيل وجنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأممالمتحدة، بعدما اتهمت بريتوريا الدولة العبرية بارتكاب "أعمال إبادة" في قطاع غزة؛ وهي اتهامات وصفتها إسرائيل بأنها "تشهير دام". وفي شكوى تقع في 84 صفحة رفعت إلى محكمة العدل الدولية، التي تتخذ من لاهاي مقرا، تحث جنوب إفريقيا القضاة على إصدار أمر عاجل لإسرائيل ب"تعليق فوري لعملياتها العسكرية" في قطاع غزة. واتهمت بريتوريا إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وقال رونالد لامولا، وزير العدل في جنوب إفريقيا: "لا يمكن لأي هجوم مسلح على أراضي دولة مهما كانت خطورته (...) أن يقدم أي تبرير لانتهاكات الاتفاقية". وقالت عادلة هاشم، محامية من وفد جنوب إفريقيا إلى المحكمة، إن "الوضع بلغ حدا بات فيه خبراء يتوقعون أن يموت عدد أكبر من الناس جراء الجوع والمرض" منه جراء أفعال عسكرية مباشرة، وأضافت أن "إسرائيل دفعت السكان في غزة إلى حافة المجاعة". وفي وقت سابق، قالت جنوب إفريقيا إنها "تدرك تماما حجم المسؤولية الخاص ببدء ملاحقات ضد إسرائيل لانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة". وترى بريتوريا أن إسرائيل "أقدمت، وتقدم وقد تستمر في الإقدام، على أعمال إبادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة". "فظاعة وسخافة" رد الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ على الاتهامات بالقول: "ليس هناك ما هو أكثر فظاعة وسخافة من هذا الإعلان"، وفق تعبيره، وأضاف: "سنمثل أمام محكمة العدل الدولية، وسنقدم بكل فخر قضيتنا في الدفاع عن النفس (...) بموجب القانون الإنساني الدولي". كما ذكر الرئيس العبري أن الجيش الإسرائيلي "يفعل كل ما في وسعه، في ظروف معقدة جدا في الميدان، لضمان عدم حدوث أي عواقب غير مقصودة أو خسائر في صفوف المدنيين". وسيتحدث ممثلون من البلدين، في جلسات استماع اليوم الخميس وغدا الجمعة، ولكونه إجراء طارئا؛ يمكن أن تُصدر محكمة العدل الدولية حكمها في غضون أسابيع قليلة. وجنوب إفريقيا وإسرائيل من الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، العائدة للعام 1948 ردا على مجازر الإبادة في حق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. ويحق لكل دولة موقعة ملاحقة دولة أخرى أمام محكمة العدل الدولية في حال الاختلاف على "تفسير أو تطبيق أو احترام" القواعد الهادفة إلى منع وقوع أعمال إبادة جماعية. وأحكام المحكمة مبرمة وملزمة قانونا؛ لكنها لا تملك سلطة لفرض تطبيقها. ففي مارس 2022، أمرت المحكمة روسيا "بتعليق فوري لغزو أوكرانيا"؛ إلا أن موسكو تجاهلت هذا الأمر بالكامل. يوهان صوفي، المحامي في القانون الدولي، قال إن حكما صادرا عن المحكمة ضد إسرائيل "سيكون له تأثير ذو دلالات مهمة جدا". المحامي، الذي عمل لحساب وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلطسينيين (أونروا)، زاد: "هناك بالتأكيد مشكلة تطبيق القرارات (..) لكن في نهاية المطاف فإن القضاء الدولي هو كل ما يتبقى لنا". "ضرر لا يمكن إصلاحه" تعهدت إسرائيل ب"القضاء" على "حماس"، بعد هجوم الحركة غير المسبوق في 7 أكتوبر الماضي على إسرائيل، وردت إسرائيل بحملة قصف على قطاع غزة، وباشرت لاحقا هجوما بريا. ودمر القصف الإسرائيلي أحياء بأكملها في قطاع غزة، وأجبر 85 في المائة من السكان على الفرار. ويعاني سكان غزة البالغ عددهم 2,4 ملايين تقريبا من أزمة إنسانية كارثية، حسب الأممالمتحدة. وتتمنى جنوب إفريقيا أن تفرض محكمة العدل "إجراءات موقتة"، وهي أوامر قضائية عاجلة تطبق فيما تنظر في جوهر القضية؛ الأمر الذي قد يستغرق سنوات. وشددت بريتوريا على أن "الظروف لا يمكن أن تكون أكثر إلحاحا"، معتبرة أن "إسرائيل تشن حملة عسكرية على قدر خاص من الضراوة"، كما تطالب بريتوريا أيضا بتعويضات لإعادة بناء غزة وعودة النازحين الفلسطينيين. وقالت سيسيلي روز، الأستاذة في القانون الدولي في جامعة ليدي الهولندية، في تصريح لوكالة فرانس برس، إنه في هذه المرحلة "لن تحدد المحكمة ما إذا كانت هناك إبادة تجري في غزة". وأوضحت المتحدثة: "المحكمة ستقيم فقط ما إذا كان هناك خطر حدوث ضرر لا يمكن إصلاحه للحقوق التي تكفلها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، خصوصا حق فلسطينيي غزة في الحماية من الأعمال التي تهدد وجودهم كمجتمع".