دعم تمثيلية الشباب والأشخاص في وضعية إعاقة والمغاربة المقيمين في الخارج داخل مجلس النواب .. مقتضيات المنظومة الانتخابية تتوخى تحفيز انخراط هذه الفئات في الحياة السياسية والانتخابية الوطنية    تقرير: المغرب خارج أول 100 دولة في التمثيل السياسي وسيادة القانون    بول بوت: العناصر الأوغندية افتقدت للروح القتالية    مدرب نيجيريا: "تمكنا من تحقيق أول انتصار وسنواصل بنفس الروح"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب تايوان    هذه تفاصيل تغييرات جوهرية في شروط ولوج مهنة المحاماة بالمغرب    بورصة الدار البيضاء تفتتح بأداء سلبي    كأس إفريقيا بالمغرب .. مباريات الأربعاء    أجواء إفريقية احتفالية تعمّ العاصمة المغربية مع انطلاق كأس إفريقيا للأمم    العثور على الصندوق الأسود يقرّب كشف أسباب تحطم الطائرة الليبية    تدخلات لضمان تصريف المياه بسلا        وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    فرنسا تندد بحظر واشنطن منح تأشيرة دخول لمفوض أوروبي سابق على خلفية قانون الخدمات الرقمية    زلزال بقوة 6,1 درجات يضرب تايوان        "أفريكا انتلجانس" ترصد شبكات نفوذ ممتدة حول فؤاد علي الهمة في قلب دوائر القرار بالمغرب    فدرالية الجمعيات الأمازيغية تهاجم "الدستور المركزي" وتطالب بفصل السلط والمساواة اللغوية    مواجهات قوية للمجموعتين الخامسة والسادسة في كأس إفريقيا    مزراري: هنا المغرب.. ترويج إعلامي عالمي بالمجان    محامو المغرب يرفضون مشروع قانون المهنة ويرونه خطرا على استقلاليتهم    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    عجز ميزانية المغرب يقترب من 72 مليار درهم نهاية نونبر 2025    تيزنيت : أزمة صامتة في المؤسسات التعليمية.. حراس الأمن الخاص بلا أجور لثلاثة أشهر متتالية    الأمطار تغرق حي سعيد حجي بسلا وتربك الساكنة    هذه تفاصيل مرسوم الحكومة لتفعيل الإعانة الخاصة بالأطفال اليتامى    بكين وموسكو تتهمان واشنطن بممارسة سلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    طقس ممطر في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    كيوسك الأربعاء | وزارة الداخلية تتخذ إجراءات استباقية لمواجهة موجات البرد    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    كأس إفريقيا للأمم (المغرب 2025 ): المنتخب التونسي يفوز على نظيره الأوغندي (3-1)    أمسية ثقافية تكرس التقاطعات الثمينة بين القفطان المغربي والساري الهندي    تكريم الفنان عبد الكبير الركاكنة في حفل جائزة النجم المغربي لسنة 2025    دار الشعر بمراكش تواصل برنامج الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية    ريدوان يكشف تفاصيل الألبوم الغنائي المرتبط بأجواء كأس إفريقيا للأمم    بلاغ بحمّى الكلام    مدرب السنغال: من الجيد تحقيق الفوز في المباراة الأولى ولدينا مجموعة قوية تلعب بأساليب مختلفة    اتفاقية تجلب ميناء جديدا للصويرة    فجيج في عيون وثائقها    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء قريب من التوازن    بالأحضان يا أهل الكان ..وعلى بركة الله        الأغنية الرسمية لكان المغرب-2025 "AFRICALLEZ" أنشودة الوحدة    الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    في عالم الخداع الشامل، يصبح قول الحقيقة فعلاً ثورياً    اليوم العالميّ للغة الضّاد        بنسبة %52.. نمو قياسي في مرافق شحن السيارات الكهربائية بالصين    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    غضب دانماركي وأوروبي من تعيين موفد أمريكي في غرينلاند وترامب يعتبر الجزيرة "حاجة أمنية"    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العروي والحداثة بالمغرب
نشر في هسبريس يوم 29 - 10 - 2023

المفكر المتتبع لنبض الحداثة بالمغرب بتفاصيلها التاريخية وتطورها الزمني هو الدكتور والأستاذ عبد الله العروي. الوضعية الخاصة التي عاشها الكاتب بالمغرب، والتي جسدها في كتابه "الفلسفة والتاريخ"، حولته إلى مدرسة ومصدر إلهام وطنيا وإقليميا ودوليا. تراكمات مسار حياته جعلته يستنتج بالدليل والبرهان أن الدولة المغربية في تطورها تعد اليوم من كبار دول الجنوب التي أحرزت تقدما واضحا عن مجتمعاتها. إنها دولة تاريخية مُؤَسِّسَة بامتياز. كونت النويات (جمع نواة) الأساسية في المجتمع (الأسرة، الحزب، النقابة، التعاونية، البنية المؤسساتية ....)، وسعت دائما لتطويرها، مستحضرة بالقوة اللازمة الحفاظ على الخصوصية التاريخية للبلاد.
لقد مرت أكثر من ستة عقود عن ثورة الملك والشعب، ليرتقي في نهاية المطاف دور الدولة ليصبح الكيان الأقدر على التغيير، والقيادي المستنير والحكيم لمختلف المشاريع التحديثية. لقد كفل لها التاريخ دور القوة النافعة ودور المخاطب الناجع صاحب السلطة المؤثرة. طورت مع مرور العقود ريادتها في بناء الحداثة بالرغم من الصعوبات التي واجهتها مع المثقفين. المثقف، يقول العروي، لم يكن في خدمة السلطة. ورث ذلك عن تقاليد النخبة في محاربة الاستعمار، نخبة تعودت على تقليد معاداة النظام القائم. ورث المثقف ذلك كذلك من احتكاكه بالإرث الفرنسي المخالف للتراث السياسي النفعي البراغماتي الثقافي المترسخ في المجتمعين البريطاني والأمريكي.
نتيجة لتجدر النظام الملكي المغربي شعبيا، واستحضارا للأدوار المعاكسة للنخبة المثقفة، ضيع المغرب فرصا عديدة لترسيخ الحداثة مبكرا كما عاشها الغرب منذ القرن الثامن عشر على الخصوص. بذلك، فمفهوم الحداثة، كوعاء سياسي للتركيز على المنفعة والمصلحة الجماعيتين، لاقى صعوبات لتثبيت ركائزه في الواقع. الدولة مطلعة معرفيا وفكريا بكل التفاصيل عن كيف ارتبط مفهوم النفعية بالتراث الفقهي المغربي القديم، وكيف تطور عبر الأزمنة. لقد كانت (النفعية) تمثل القيمة الأولى في المجتمع. كما أبرزت الوقائع التاريخية بشكل مواز كيف نجحت النويات المؤسساتية المغربية في تحمل سلطة التفويض باقتدار، وبالتالي رعاية المصالح الجماعية للمغاربة.
بتراكماتها الهامة والجادة، تسعى الدولة في مطلع الألفية الثالثة تفنيد كل السلوكات غير المبررة التي ميزت زمن ما قبل الحداثة. إنها لا تدخر جهدا للعمل على تجاوز التعاطي المفرط مع مفهومي الولاء والتقليد. المغرب يحاول بإرادة سياسية واضحة، كما فعلت المجتمعات الحداثية قبله، وضع التقليد في مرتبة معينة، جاعلة منه مقوما ومرتكزا للخصوصية الثقافية المغربية. التقليد بالنسبة للأسرة والطفل (التنشئة) ضرورة يقول العروي. أما بالنسبة للقائد والزعيم والمشير المؤسساتي، الذي يقود الحركة الاجتماعية، فالتقليد ليس هو المطلوب. دوره كفاعل عمومي سياسي هو البحث عن فتح السبل والطرق الممكنة لتحقيق المنفعة والمصلحة. لا يهم، بالنسبة للعروي، إن أدى الأمر إلى نسيان بعض التقاليد (النسيان يعني عدم الفائدة منها)، والتعايش مع أخرى النافعة بدون أن تكون القيمة المسيطرة على كل القيم الأخرى.
الداء الفتاك، كما فهمته من مشروع العروي، والذي يمكن أن يشكل حاجزا منيعا منتصبا في سبيل العبور إلى الحداثة، يتجلى في توفير ظروف تسلط نزعة تعميم التقليد وصد الأبواب أمام تراكمات الحضارات البشرية (الانغلاق). القيم التراثية النافعة هامة جدا في ترسيخ الخصوصية الحضارية المغربية (الأسرة والعائلية والجماعة)، لكن تعميمها على الاقتصاد والمالية والتكنولوجيات الحديثة والمكننة الإلكترونية غير مقبول نهائيا. إنها مجالات حضارية مشتركة كونيا تتطلب اليقظة الدائمة، وترسيخ النزعة الإبتكارية، وانتعاش الغريزة التجديدية عند الإنسان، والمراهنة على التجربة كأساس لربط الفكرة النظرية بالواقع. إنها الحرية بالمفهوم الإنساني التي خصص لها العروي كتابا خاصا إلى جانب كتب أخرى تناولت أربع مفاهيم متكاملة: مفهوم الإيديوبوجيا، ومفهوم الدولة، ومفهوم التاريخ، ومفهوم العقل.
خاتمة
يعد المغرب، بالنسبة للعروي، من البلدان العربية والإفريقية الرائدة والمؤهلة للتقدم بسرعة في المسار التحديثي. الحرية، وإن غابت عن الدولة الإسلامية أو في المجتمع الإسلامي التقليدي، فإنها في المغرب استطاعت أن تترعرع وتتغذى من مكوناته الثقافية الحضارية العربية والأمازيغية والصحراوية والأندلسية.... إنه البلد الأشد تقدما واستعدادا لقبول الحرية والحداثة والسعي لتطويرهما بالوثيرة المطلوبة.
لقد قام المغرب بعدد من الإصلاحات في العديد من المجالات موسعا بحكمة هامش نطاق الدولة على حساب العديد من الجماعات والبنيات التقليدية التي كان يحتمي وينغلق فيها الفرد كالأسرة والحرفة والعشيرة والزاوية. إنه المعطى التاريخي الذي ساهم في تداول مفهوم الحرية في المجتمع المغربي بمنطق حداثي. شاع المفهوم وترسخ بدعم الدولة المتواصل، وتنشيطها للنضالات المجتمعية المدافعة باستماتة على حرية الفرد كحق بديهي و طبيعي رافعة الشعار الدائم: "الحريات الفردية لا تقبل التفويت". والحالة هاته، استطاع المغرب بتجربته الخاصة وحنكة نظامه السياسي من الابتعاد عن نزعات التزمت في كل المجالات الأخلاقية والعقائدية والقانونية. التفوق المغربي وتميزه جعله يتجاوز بشكل ملموس العتبة التاريخية للدخول إلى زمن الحداثة. لقد تحرر الفرد المغربي اليوم بمستويات متقدمة، وأصبحت إرادته إلى حد ما تتطابق مع أهداف الدولة.
اقتباسا من مضمون الفصل الأخير من كتاب الحرية لعبد الله العروي، يمكن القول أن المغرب تَشَرَّب معنى الفائدة من العلوم الطبيعية وما تزخر به من قيم معرفية في خدمة حرية الأفراد. المؤشرات الحضارية المعروفة كونيا لقياس مستويات الحداثة تتحقق، وترتفع نسبها بوعي تام بالتحديات المستقبلية: مؤشر النمو الاقتصادي وتقدم علم الاقتصاد، ومؤشر استنباط نتائج علوم الاجتماع، ومؤشر انتشار نمط الفكر العلمي والعملي، ومؤشر الإيمان بالتجربة والمنافسة، ومؤشر الإبداع التكنولوجي، ومؤشر المشاركة السياسية الديمقراطية وجهود توطين علم السياسة.... لقد أصبح المغرب بالفعل مؤهلا لدخول مجال الأنشطة الصناعية الرئيسة (مجال الاختراع والإبداع)، وتقوية ميول الشباب إلى احتراف الدَّرَابَة اليدوية والتكنولوجية.
(*) مهندس ومهيئ معماري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.