أدانت المملكة المغربية يوم السبت 25 يناير في بلاغ لوزارة الخارجية المغربية الأعمال الإرهابية التي عرفتها مصر خلال اليومين الأخيرين، وجدد التأكيد على وقوفه إلى جانب مصر في مواجهة آفة الإرهاب. وفي هذا الإطار أوضح بلاغ الخارجية أن المملكة المغربية "تلقت بقلق وانشغال كبيرين سلسلة الاعتداءات الإرهابية التي عرفتها في اليومين الأخيرين جمهورية مصر العربية الشقيقة والتي طالت إدارات أمنية وثقافية وبعض الأحياء في العاصمة القاهرة، مخلفة عددا من القتلى والمصابين". وأضاف بأن المملكة المغربية " إذ تعبر عن تعازيها الحارة ومواساتها لأسر الضحايا وعن تضامنها وتعاطفها الصادقين مع المصابين، فإنها تؤكد أنها تقف إلى جانب مصر الشقيقة في مواجهة آفة الإرهاب وكل أشكال التهديد لاستقرارها وأمنها، كما أنها تدين هذه الأعمال الشنيعة التي تتنافى مع كل المبادئ الدينية والإنسانية، وتتناقض مع أسس التعايش السلمي التي جبل عليها الشعب المصري الشقيق، وتحاول أن تقوض عملية الانتقال الديمقراطي الجارية في مصر". القراءة المتأنية والواعية لهذا البلاغ، المصكوك بعبارات ومعاني سياسية ودبلوماسية دالة ودقيقة جدا، تسعفنا في استخلاص ثلاثة رسائل أراد صانع القرار الدبلوماسي في المغرب إيصالها لنظيره المصري الذي يدير شؤون مصر بعد الانقلاب العسكري للفريق الأول عبد الفتاح السيسي على رئيسه المنتخب محمد مرسي.. 1 إدانته للأعمال التي شهدتها مصر خلال اليومين الماضيين بوصفها أعمال إرهابية مرعبة ومميتة ومدمرة دون تسميته لأي جهة بصريح العبارة 2 دعمه لمصر – دون تحديد معنى العبارة وعلى أي جهة تحيل - في مواجهة آفة الإرهاب وكل أشكال التهديد لاستقرارها وأمنها 3 إدانته لكل ما يتناقض مع الدين والتعايش السلمي ويقوض الانتقال الديمقراطي الجاري في البلاد رسائل من هذا القبيل تطرح أكثر من علامات استفهام حول مدلولها الدبلوماسي، ولاسيما، إذا أخدنا بعين الاعتبار الجهة المرسلة إليها، بغض النظر عن جسامة الفعل الإرهابي المرتكب، أو عن طبيعة الجهة التي يمكن أن تكون قد اقترفته. من يدير شؤون البلاد اليوم في مصر رئيس انتقالي وحكومة غير منتخبة تم تنصيبهما مباشرة بعد الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي ضد رئيس البلاد المنتخب وهو ما يجعلهما معا فاقدين للشرعية الديمقراطية وللمشروعية القانونية والدستورية. كما أن العمليات الإرهابية التي استهدفت المباني الحكومية وأودت بأرواح الأبرياء عمليات وقعت قبل يومين فقط من ذكرى ثورة 25 يناير التي أسقطت الرئيس حسني مبارك وأتت بجماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة قبل الانقلاب عليهم من طرف الجيش. لهذا، من الصعب جدا في ظل هذه الأوضاع الشائكة والمضطربة في مصر، الحسم في طبيعة الجهة التي يمكن أن تكون واقفة وراء هذا الفعل الإرهابي المدمر الذي استهدف المباني والأرواح. فكما يمكن لجماعة الإخوان المسلمين أن تكون وراء تنفيذ تلك العمليات التفجيرية المؤلمة في إطار رد فعلها على تجريدها من الحكم، يمكن أيضا للجماعة الانقلابية التي تحكم مصر اليوم أن تكون هي الفاعل، ويمكن كاحتمال أخير أن يكون الإرهابي المحتمل طرف ثالث له أجندته الخاصة في بلاد أصبح فيها المستقبل والأمن والاستقرار مفتوح على جميع الخيارات والاحتمالات. من جانب آخر، عندما يدين بلاغ الخارجية المغربية الأعمال الإرهابية وكل ما يتناقض مع الدين والتعايش السلمي ويقوض الانتقال الديمقراطي الجاري اليوم، فالأمر يستدعي منا كباحثين ومتتبعين للشأن العام الوطني والدولي، أن نتساءل بحسن نية عن المدلول السياسي والخلفية الدبلوماسية لعبارة الانتقال الديمقراطي الجاري اليوم في مصر كما وردت في البلاغ؟ ما يقع في مصر، لا أرى فيه كدارس للعلاقات الدولية وللقانون الدولي العام أي تحول ديمقراطي، وإعمال المقاربة القانونية والدستورية في دراسة الحالة المصرية يدفعنا إلى إلى الجزم بأن ما حدث في مصر انقلاب عسكري على الشرعيتين الدستورية والديمقراطية للرئيس المنتخب بكل ما للكلمة من معنى.. المقاربة الدستورية والحقوقية كانت الغائب الأكبر في تعاطي عدد كبير من الكتاب مع انقلاب المؤسسة العسكرية التي عزلت الرئيس الشرعي للبلاد وعطلت الدستور الذي ينظم حياة المؤسسات الدستورية فيها. تبرير انقلاب الجيش على الشرعية الديمقراطية للرئيس محمد مرسي، بالمشروعية الشعبية التي تجنى عليها البعض عندما ربطها بتظاهرة 30 يونيو، تبرير لا أساس له دستوريا، وهذا ما يفسر سبب لجوء الجيش إلى خيار تعطيل الدستور مؤقتا لتأتيت المرحلة المقبلة وفق خارطة الطريق التي وضعها خبرائه في الكواليس لإدارة مرحلة ما بعد الانقلاب. بالرجوع إلى الفرع الأول من الفصل الثاني من دستور الجمهورية المصرية الذي عطله الجيش في سنته الأولى نجد أن المادة 132 منه تنص بصريح العبارة على أن " رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورئيس السلطة التنفيذية، يرعى مصالح الشعب ويحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه، ويراعى الحدود بين السلطات". كما تنص المادة 133 منه أيضا على أن "رئيس الجمهورية ينتخب لمدة أربع سنوات ميلادية، عن طريق الاقتراع العام " المادة 136" ويؤدي اليمين أمام مجلسي النواب والشورى، وهو من يختار رئيس الوزراء " المادة 139" كما أنه هو القائد الأعلى للقوات المسلحة " المادة 146" وله صلاحية التعيين الموظفين المدنيين وعزلهم" المادة 147" وهو من يدعو الناخبين للاستفتاء في المسائل المهمة التي تتصل بمصالح الدولة العليا" المادة 150" ولا يمكن اتهامه بارتكاب جناية أو الخيانة العظمى إلاّ بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلاّ بأغلبية ثلث أعضاء المجلس ويحاكم أمام محكمة خاصة " المادة 152" وإذا كان هناك مانع يحول دون ممارسة الرئيس لسلطاته حل محله رئيس مجلس الوزراء " المادة 153". استحضار الصلاحيات الدستورية المخولة لرئيس الجمهورية المصرية، كما هو مبين في الدستور الذي أعقب ثورة 25 يناير، أمر مهم جدا لفهم خلفية وأبعاد لجوء الجيش إلى عزل الرئيس بتلك السرعة وتعطيل الدستور، ولفهم أيضا بأن ما يجري اليوم في المصر لا يمكن وصفه على الإطلاق بالتحول الديمقراطي. أولا: ليس هناك في الدستور ما يعطي للقوات المسلحة المصرية التي يعد الرئيس محمد مرسي قائدها الأعلى صلاحية تعطيل الدستور الذي يعد بمثابة التشريع الأسمى في البلاد الذي تم اعتماده بواسطة الاستفتاء الشعبي وهي طريقة صنفها الفقه الدستوري ضمن الطرق الديمقراطية في وضع الدساتير ثانيا: ليس هناك في الدستور أي مادة تنص على عزل الرئيس المنتخب والذي حدد الدستور مدة ولايته السياسية في أربع سنوات ميلادية، بل على العكس من ذلك تماما، الرئيس هو من له صلاحية التعيين والعزل في الوظائف المدنية والعسكرية ثاثا: في حالة وجود مانع يحول دون ممارسة الرئيس لسلطاته الدستورية، ينص الدستور، على أن رئيس الوزراء هو من يحل محله، ولتفادي هذا الإشكال الدستوري، قام الجيش باستعمال النيابة العامة في استصدار أمر باعتقال رئيس الوزراء " هشام قنديل" لحسم الأمر وتفادي أي نقاش ممكن حول هذه المسألة، لأن الجيش يتوفر على رئيسه الانتقالي المعد سلفا " عدلي منصور" لإدارة المرحلة الانتقالية وتأسيس قواعد اللعبة السياسية التي ترضي نخبة العسكر وتسمح له بالتحكم في المشهد السياسي المصري رابعا: ليس هناك في الدستور أي مادة تنص عن وجود مرحلة انتقالية ولا عن ترتيباتها الممكنة، وهو ما يعني، أن تعطيل الدستور كان إجراء ضروري لاغتصاب السلطة والانقضاض على الإخوان. خامسا: الرئيس المنتخب محمد مرسي هو من يرعى مصالح الشعب كما ينص على ذلك دستور الجمهورية المصرية، بصفته رئيسا للجمهورية، وقائدا للقوات المسلحة، وهو ما يعني أن وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، اغتصب الصلاحيات الدستورية للرئيس، وفوض لنفسه بدون موجب حق، صلاحيات لم يمنحها له الدستور، ولا القانون، ولا المواثيق والعهود الدولية. الجانب الثاني، الذي تم القفز عليه في مقاربة الأزمة السياسية في مصر بعد انقلاب الجيش والشرطة على الشرعية الديمقراطية والدستورية للرئيس المنتخب محمد مرسي العياط له علاقة بالحريات والحقوق وهذا الأمر يظهر كيف أن مسألة تعطيل الدستور من قبل الانقلابيين شكلت العمود الفقري في المؤامرة التي استهدفت مقومات الدولة المصرية الدستورية والديمقراطية والقانونية. كما يؤكد بأن ما يحدث الآن في بلاد الكنانة لا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال تحولا ديمقراطيا. لقد كانت الخطوة الأولى التي لجأ إليها الجيش المصري بعد عزل الرئيس محمد مرسي من الرئاسة واحتجازه وإبعاده عن أسرته وحزبه وشعبه الذي انتخبه بطريقة مخالفة للدستور والقانون والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان هي إغلاق الفضائيات والجرائد التابعة للتيارات الإسلامية وهي قنوات كانت تحضا بنسب مشاهدة مرتفعة جدا في مصر وجد مؤثرة في تشكيل وعي المجتمع المصري. وهذا يعني أن الانقلابيين كانوا يدركون جيدا حجم التأثير القوي للفضائيات الموالية للرئيس في تغيير ميزان القوى لغير صالحهم. من جانب آخر، لجوء الجيش إلى مصادرة الرأي الآخر سلوك ينطوي على انتهاك خطير لبنود الدستور ذات الصلة بحرية الفكر الرأي والتعبير " المادة 45". كما أنه يتعارض مع المقتضيات الدستورية الواردة في المادتين " 47" و "48" بشأن حرية الحصول على المعلومة والطباعة والنشر والصحافة وسائر وسائل الإعلام. كما أن اقتحام بيوت قادة حزب العدالة والحرية وترهيب دويهم يعد انتهاك خطير للقانون والدستور ولحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. يستشف من خلال هذه المقاربة أن الانقلاب على شرعية الرئيس المنتخب محمد مرسي، كان عملا مدبرا لوقف التحول الديمقراطي في مصر، والجهة التي دبرته وضعت له مخطط متكامل الأركان لتقويض العملية السياسية في البلاد بشكل جدري" اغتصاب شرعية الصناديق، تعطيل الدستور والقانون، التضييق على الحريات والحقوق" وترتيب مرحلة انتقالية على المقاس تفضي حتما إلى تأسيس نظام حكم جديد بتوابل عسكرية استبدادية. توقيت الانقلاب والسرعة التي نفذ بها من قبل الجيش والتفاعلات الدولية والإقليمية مع الحدث...عوامل تؤكد بأن حجم المؤامرة على التحول الديمقراطي المدني في مصر كان كبيرا، مهما حاول البعض تبرير الانقلاب العسكري للفريق الأول عبد الفتاح السيسي بدواعي واعتبارات سياسية تتعلق بطريقة تدبير أمور الدولة داخليا وخارجيا أو باديلوجية الجماعة وبارتباطاتها الدولية ومشاريع أخونتها للدولة والمجتمع. إن ما حدث ويحدث الآن في مصر من مصادرة للحريات ومن قمع للتظاهرات السلمية في الشارع ومن قتل للمتظاهرين السلميين ضد الانقلاب بالرصاص الحي كما وقع يوم أمس حيث فاق عدد القتلى في صفوفهم الأربعين شخصا ...أمور لا يستقيم معها الحديث عن وجود تحول ديمقراطي في مصر بعد اغتصاب السلطة المدنية من قبل الجيش والشرطة والمخابرات. كما لا يستقيم معها إصدار حكم مسبق عمن هي الجهة التي تقف وراء التفجيرات التي شهدتها مصر في سيناء أو القاهرة أو العريش أو الإسكندرية. .