ما أكثر ما ينتظر مسؤولونا مناسبة إصدار الخارجية الأميركية لتقريرها السنوي حول وضعية حقوق الإنسان في العالم ليلتقطوا أنفاسهم بعد توجس وحذر شديدين .. وكأن تقرير الخارجية الأميركية هو بمثابة تعاليم الدهقان الأعظم الذي به يحتدى وعلى منواله يجب السير. ناسين أو متناسين أن أميركا هي من يأوي معتقلين بدون محاكمات لفترة تجاوزت السبع سنوات .. وأن ملفاتها في قضايا حقوق الإنسان ليست بأحسن حال من ملف المغرب والجزائر وتونس وسائر الدول العربية جملة دون إستثناء. "" وكأننا ننتظر من دولة ضربت الرقم القياسي - وعلى مدى ثماني سنوات - في الإعتقالات التعسفية والتجسس على مكالمات المواطنين بدعوى محاربة الإرهاب أن تعطينا صكوك البراءة وأن تشهد لنا بالريادة في فضاء حقوق الإنسان.
إن المثير للقرف والإشمئزاز أن وزاءنا " نفخ الله بطونهم وشحم حساباتهم البنكية " مازلوا يعتبرون أن مثل هذا التقرير هو المعيار الأساس لضمان ود البيت الأبيض والتباهي بذلك أمام باقي الدول العربية .. وكأن هذه الأخيرة هي من يجب منافستها في ملفات حقوق الإنسان.. إذ يكفي في نظرهم أن يكون تقرير الخارجية الأميركية أكثر إيجابية تجاه المغرب مقارنة مع الجزائر أو مصر أو سوريا ليزفوا الخبر السعيد ويطلقوا عنان تصريحاتهم المدائحية وكأننا بقدرة قادر توقفنا عن ملاحقة الصحفيين وتوقف وزراءنا عن إستخدام سلطاتهم لخدمة مآرب شخصية وكأن سجوننا خلت من الإكتضاض ومدارسنا تنعم بمراحض صالحة للبشر ومستشفياتنا أصبحت مثالا في النظافة والعناية بالمخلوقات الآدمية ؟؟؟!!!
قرأت عقب نشر تقرير الخارجية الأميركية تصريحات السيد وزير الإتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري .. وما أكثر ما شدتني نشوته المبطنة التي حملتها عباراته التي أقتطف منها التالي:
" المغرب من الدول القلائل التي لها من الشجاعة والجرأة ما يؤهلها لتقول أن جزءا كبيرا من المشاكل تمت تسويته بإرادة قوية، وأن هناك جزءا آخر ما زال مطروحا ولنا الإرادة القوية لمعالجته "
" الخارجية الأمريكية لم تعودنا على المجاملة في هذا الموضوع ولا ننتظر من أحد أن يجاملنا، نحن أول من ينتقد ضعفنا وهفواتنا "
وهنا وجب التوقف عند إدعاء السيد الوزير للشجاعة والجرأة في الإعتراف بالجزء الذي لم ينجز أما الذي تحقق فلا بأس أن نلقيه وراء ظهرنا لأنه ليس من باب المنح أو الصدقات .. أرجو من السيد الوزير أن تكون لديه الشجاعة الكافية ليخبر المغاربة وبصورة دورية عن الخروقات التي يشهدها ميدان حقوق الإنسان في المغرب بدءا من تجازوات رجال السلطة ونهاية بالتكتيم الإعلامي عن فضائح الرشوة والفساد الإداري واستغلال النفود.
طبعا وإذا ما حصرنا تصريحات وزير الإتصال ضمن مربع الأجندة السياسية لن نقف على أدلة تؤكد أن هذه الأجندة دخلت حيز التنفيد اللهم في بعض التغييرات التي لم تتجاوز الأمور البسيطة والجزياء التافهة مقارنة مع ما يجب تحقيقه لمعانقة شعار دولة الحق والعدل والقانون.
قد نحصي لهذه الوزارة عدد من اعتقلوا بسبب رأيهم وعدد من دفعوا الرشوة لقضاء أغراضهم وعدد من قدموا رشاوى نقدية أو عينية للفوز بمزاد من مزادات القطاع العام كما قد نحصي لهذه الوزارة عدد أبناء العم والخال الذين عينوا في مناصب هامة دون أدنى وجه حق أو قانون.. كما قد نحصي لوزراءنا الكرام عدد من فضلوا مغادرة المغرب مخلفين وراءهم أهلهم وأسرهم بحثا عن عمل في الخارج .. لأن حق العمل في المغرب لا تحصيه حكومة السيد الفاسي كحق من حقوق الإنسان .. كما قد نعدد للسيد الناصري عدد من انتهكت أعراضهم داخل السجون ومراكز الشرطة باسم تطبيق القانون .. كل هذا موجود وموثق وتطاله أيادي وأعين المراقبين سواء من الخارجية الأميركية أو منظمات حقوق الإنسان العالمية أو الوطنية لنخلص إلى نتيجة واحدة وهي أن حقوق الإنسان في المغرب تسير من سيئ إلى أسوأ وأن القليل مما يتحقق إنما هو من قبيل ذر الرماد على العيون واتقاء لشرور الفضيحة على بعض المواقع الإلكترونية.
وعودة إلى ما صرح به السيد الناصري بأن الحكومة المغربية لا تنتظر من أحد أن يجاملها في موضوع حقوق الإنسان .. فأقول للسيد الوزير أن ما تقوله هو عبارة من عبارات الضحك على الذات لأنك عوض ذلك يمكنك أن تقول إن أميركا ليست في مكانة تمنحها حق محاسبة الغير وهذا طبعا لا ولن يبرر التجاوزات التي تشهدها بلادنا لكننا ومهما إختلفنا حول شرعية هذه التجاوزات لن نقبل أن تنصب دول خارجية نفسها حكما فيما بيننا وتصدر تقارير وشهادات حسن سلوك وسيرة.
لكن السيد الوزير وحفاظا على روابط الود مع راعية حقوق الإنسان في غوانتانامو ( عفوا في العالم ) أراد أن يلمح يان التقرير كان إيجابيا لكنه حقيقة وليس مجاملة ..
وهذا يقال له بالعامية المغربية التريغيل المزوق.
حقوق الإنسان وحدة لا تقبل التقسيم
إنك لا تستطيع الحديث عن منح بعض الحقوق وحجب أخرى كما لا تملك الحق في الإدعاء بتحقيق يعض التقدم في مجال حقوق الإنسان. لسبب بسيط جدا وهو أن الحريات والحقوق ترتبط فيما بينها بعلاقة تقاطعية متسلسلة فعندما يتحدث المسؤولون المغاربة عن حق التعبير لابد من إستكمال هذا الحق بضمانات وحصانة تمنح للشخص الذي عبر عن رأيه وتمنع معاقبته ومتابعته بسبب هذا الرأي. إن القول بالحق في التعلم لا يكتمل كشعار دونما إستكماله بوجوب إيجاد مدارس تتكافئ فيها فرص التعلم بين الغني والفقير بين إبن الشعب وإبن الطبقات الراقية . إن الإدعاء بحماية حقوق الأقليات لا يكتمل دونما تسطير معايير تحدد نوعية هذه الأقليات ومنحها بعض الحقوق الفرعية كأن يفرض على أصحاب المشاريع الكبرى توظيف عددا معينا من هذه الأقليات لتتساوى بذلك الحظوظ و تتمتع هذه الأقليات بحقوق ملموسة على مستوى التطبيق والأمثلة كثيرة ومتنوعة حول مبدا عدم جواز تقسيم مفهوم حقوق الإنسان لأنها في الأصل حقوق مترابطة ولا يتحقق جزء منها دونما تحقق بقيتها.
لقد تأكد وبالملموس أن الحكومة المغربية في تعاملها مع ضحايا ما سمي بسنوات الجمر والرصاص تقاعست في شرح المفهوم العام لمفردة الضحايا .. لأن حق العمل مثلا هو حق من حقوق الإنسان وإنعدام فرصة العمل دفعت بالملايين من أبناء الوطن إلى الهجرة سواء الشرعية منها أو غيرالشرعية وبالتالي تحول هؤلاء المهاجرون إلى ضحية من ضحايا إنتهاك حقهم في العمل في وطنهم وبين ذويهم ..
ثم إن معظم الأ حزاب المغربية وعلى مدى عقود من الزمن تعاملت مع هذا الملف بمنطق النفع السياسي ولم تنظر إلى مكوناته من أبعادها الشاملة بل تعاملت مع أحداث وقضايا بعينها خدمت من خلالها مصلحتها الحزبية ودافعت عن منتسبيها .. فنحن ورغم يقيننا بأن إغتيال عمر بن جلون أوالسي المهدي بن بركة شكلا خرقا لحقوق الإنسان (حق الحياة على الأقل) فإن الحزب المعني بالشخصية المغتالة وضع هذا الإغتيال نيشانا على صدر الحزب ولم يتجاوز في معالجة تبعاته على الشعب بل تحول إلى ورقة ضغط في مسار اللعب ( ة ) السياسي ( ة ) .
وبالتالي فحتى القاعدة الشعبية المتضررة من الخروقات الممنهجة لحقوق الإنسان في بلادنا كانت ضحية تلاعب بالمفهوم العام وسقط شعورها الوطني فريسة بيد من عارضوا بالأمس ويحكمون اليوم بنفس المنهج الذي عارضوه البارحة. وهم اليوم يتعاطون في التعامل مع ملف حقوق الإنسان بالمنطق الشعبي القائل " إقنع بالقليل حتى يجيب الله الكثير " الأمر بالفعل يثير الضحك ويحز في النفس.
حقوق الإنسان ورقة الضغط الرابحة في يد الغرب
قد يقول قائل إن الغرب هو الملجأ وأن الإرتماء في حضن الدولة التي تدافع عن حقوق الإنسان قد يشكل ورقة ضغط على الحكومة المغربية لتحسين سلوكها في هذا المجال .. هنا قد اقف معارضا بل وقد أتشبث بمفهوم وطنية القرار وضرورة قطع الطريق على دول و ( منظمات ) تتستر باسم الدفاع عن حقوق الإنسان لكنها تخفي وراء ذلك أهدافا سياسية خبيثة.
فمن منا لا يتذكر شعارات بوش بضرورة الدفاع عن حقوق الشيعة والأكراد ضد نظام البعث في العراق ومن منا لا يتذكر شعارات فرنسا في الدفاع عن الأمازيغ لكن كلا من أميركا وفرنسا خدمت بذلك مصلحتها واستعملت المتضررين من حقوق الإنسان ثم ألقت بهم وتحالفت مع الجاني ضد الضحية.
إن نداءات الغرب باسم الحرية والديموقراطية يطبعها الكثير من الشك في التعامل مع شعوب الدول الأجنبية ولازالت أطروحاتها الرنانة تصطدم بتناقضات على مستوى المبدأ داخل وخارج الدول المسماة بالراقية وإن تصديق هذه الطروحات قد يسقط الكثير منا في فخ التحول إلى عازل واق يستعمل مرة واحدة ويلقى به في القمامة.
إن أفضل السبل للتعامل مع معضلة حقوق الإنسان في بلادنا تقتضي نضالا شعبيا مستميتا بصورة ممنهجة ومؤسساتية تكتسي من خلالها ورقة حقوق الإنسان صبغة وطنية في إيطار حوار أو نزاع أو خصام وطني وطني, لا شك ان الغلبة فيه ستكون للشعب في آخر المطاف.
لا عيب أن نستفيد من أخطاء غيرنا من الشعوب, لكن لا يفترض أن يشكل ذلك ذريعة للتقاعس والإستسلام .. إن الدفاع عن حقوق الإنسان يجب أن يبدأ بالفرد ومنه للأسرة وصعودا للمنظمة أو المؤسسة أو الحزب ثم الجريدة فالبيان فالتظاهر للمطالبة برفع جميع أشكال التعسف والإنتقاص من كرامة المواطن.
إن الشعب المغربي في غنى تام عن الديماغوجيات الكاذبة والأجندات السياسية المغشوشة لكنه في أمس الحاجة إلى حركة وطنية لمحاربة المحسوبية والغش والرشوة بأساليب دستوربة فإن لم توجد لوجب النضال من أجل إيجادها لأن المغرب أغلى من أي فرد ومصلحته أعلى مصلحة.