مساء يوم الثلاثاء الماضي ، جاء محمد عبو ، الوزير المنتدب المكلف بتحديث القطاعات إلى بلاتو نشرة الأخبار في القناة الأولى ، وعاد مرة أخرى زوال يوم الثلاثاء للظهور على شاشة القناة الثانية ، ليخبر الرأي العام الوطني بأن الحكومة قررت أن تنهج سياسة "العمل أولا قبل الأداء" مع الموظفين الذين يضربون عن العمل . أي أن حكومة عباس الفاسي ستشرع منذ الآن فصاعدا في حرمان الموظفين الذين يشتغلون في القطاع العمومي من الحصول على أجر الأيام التي يخوضون فيها الاضراب عن العمل . إيوا لاباس بعدا مللي الحكومة ديالنا كايطيحو عليها بحال هاد الأفكار الجهنمية ! "" بالنسبة لي ، وإن كنت أعرف أن كثيرا منكم لن يتفقوا معي ، أرى أن القرار الذي اتخذته الحكومة باقتطاع أجر الأيام التي يخوض فيها موظفو القطاع العمومي الاضراب من راتبهم الشهري خطوة محمودة ، وجاءت في وقتها المناسب ، بعدما صارت الاضرابات في المغرب مثل لعب الأطفال ، وصارت هواية من لا هواية له ، وفرصة متميزة لربح أيام من الراحة مدفوعة الأجر . الآن ، ومع هذا القرار الجديد ، سنعرف من يضرب عن العمل دفاعا عن حقوقه ، ومن يضرب فقط من أجل الراحة . فالذي يدافع عن حقوقه يستطيع أن يسمح حتى في أجرة أسبوع كامل وليس أجرة يوم واحد فحسب . وما هو مطلوب من الحكومة الآن ، هو أن تطبق هذا القرار أيضا على نواب البرلمان الذين لا يواظبون على الحضور إلى المجلس التشريعي ، وهي فكرة سبق أن اقترحها عبد الاله بنكيران ، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ، الذي دعا إلى تقسيم تعويضات النواب إلى قسمين ، النصف الأول يمنح بالصفة ، والنصف الثاني يمنح عن الحضور . زعما يلا كان النائب كايشد ربعا دالمليون ، سيتوصل فقط بمليونين ، وجوج الباقية ستخصم منها أجر الأيام التي يغيب فيها عن الحضور . حتى هادي فكرة مزيانة . الاضراب عن العمل ، وكما يعرف الجميع ، حق يكفله الدستور للطبقة العاملة ، لكن ، عندما يتسبب هذا الاضراب في إلحاق الضرر بمصالح المواطنين ، بسبب ممارسته بطريقة عشوائية ، فلا بد من تقنينه حتى لا يتحول إلى فوضى ، وهو ما يحدث عندنا في المغرب ، حيث تكفي زيارة قصيرة للمستشفيات العمومية في أيام الاضراب لاكتشاف مدى معاناة المواطنين الذين لا تسعفهم ظروف عيشهم القاهرة على التوجه إلأى المصحات الخاصة ، ومنهم من يأتي من أقصى الجنوب أو الشرق إلى الرباط أو الدارالبيضاء ، ليكتشف أن الأطباء مضربون عن العمل ، ليعود من حيث أتى بخفي حنين . نفس الشيء ينطبق على الجماعات المحلية التي بمجرد أن يضرب عمال النظافة التابعين لها عن العمل حتى تغرق شوارع وأزقة مدن المملكة في تلال من الأزبال . أما تلاميذ المدارس العمومية فقد أصبحوا ، ومن كثرة إضرابات الشغيلة التعليمية في شبه عطلة مستديمة . وتبقى المصيبة الكبرى هي أن الطبقة العاملة لا تستفيد تقريبا من هذه الاضرابات ، والذين يستفيدون هم أصحاب المركزيات النقابية الذين يظهر واضحا أن كل ما يهمهم هو البحث عن مصلحتهم الخاصة وليس عن مصلحة العمال المنخرطين في نقاباتهم ، وذلك بالدخول في مساومات مزاجية مع الحكومة. وأكبر دليل على ذلك هو هذا التشرذم الذي يعرفه الجسم النقابي ، ففي الوقت الذي تقرر فيه مركزيات نقابية خوض الاضراب تدعو مركزيات أخرى منخرطيها إلى عدم خوض الاضراب ، وكأن الشغيلة المغربية ليست واحدة ، ومشاكلها ليست واحدة ، وهذا ما حصل بالضبط في الاضراب الأخير ، حيث غابت عنه نقابة "الاتحاد العام للشغالين بالمغرب" ، التابعة لحزب الاستقلال ، التي يوجد على رأسها عمدة مدينة فاس حميد شباط ، الذي أزاح قبل أسابيع غريمه الأندلسي ، واتهمه بتبديد مبلغ 43 مليون سنتيم في شراء سيارة خاصة من أموال المنخرطين ، والآن يبدو أن الجميع نسي أمر هذه الفضيحة ، وذهبت أموال العمال في خبر كان . ماشي الطنز هادا ؟ شباط يظهر بشكل واضح أنه يفضل أن يقف في صف عباس الفاسي ، عوض أن يقف إلى جانب العمال . لقد مضى ذلك الزمان الذي كانت فيه كل النقابات تقف في صف واحد لمواجهة الحكومة ، وتدافع عن مصالح وحقوق الطبقة العاملة ، أما اليوم ، فلم يعد أحد من "زعماء" هذه النقابات يدافع سوى عن مصالحه ومصالح حزبه والمقربين منه ، ولتذهب حقوق العمال إلى الجحيم . وإذا كان حميد شباط قد قال بأن الاضراب عن العمل ليس سوى مضيعة للوقت فهو على حق ، لأن العمال ولو قضوا أيام السنة بأكملها يصرخون في الشوارع ويرددون الشعارات القديمة ، لأن زعماء النقابات باعو الماتش منذ شرعت الدولة في إدخال أحزاب المعارضة إلى "حظيرتها" عن طريق خطة التناوب التوافقي ، التي أفرزت لنا في النهاية مشهدا سياسيا يثير الشفقة.