يعد محمد عبد السلام العروسي، قيدوم اللاعبين بتطوان، اسما بارزا في تاريخ كرة القدم الوطنية، جاور فريق "أتليتيكو تطوان" قبل نحو 70 سنة، يوم كان ندا للند لفرق ريال مدريد والبارصا وأتليتيكو مدريد وفالينسا وأتليتيك بيلباو. ومحمد عبد السلام العروسي، الذي يبلغ حاليا نحو 90 سنة من العمر، من اللاعبين المغاربة القلائل، الذين مارسوا في البطولة الاسبانية في عهد الحماية وبصموا على أداء خاص في هذه البطولة، التي كانت تستقطب في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي لاعبين متميزين من أمثال المغربي العربي بن مبارك وريكاردو سامورا ولاديسلاو كوبالا وألفريد دي ستيفانو وفيرينس بوسكاش، إلا انه لم ينل حظوته من الشهرة، ويرجع العروسي سبب ذلك الى "ابتعاده عن الاضواء وتواصله المحدود مع الاعلام ومحيطه الكروي وانشغاله بأمور عائلته بعيدا عن النجومية وجاذبية الكرة المستديرة ". ولعب العروسي ،الذي كرم مؤخرا في مدينة تطوان من قبل فعاليات جمعوية وكروية ،لفرق "اتليتيكو تطوان " من سنة 1945 الى بداية الخمسينيات، وقد تفتقت موهبته الكروية وعزف سمفونية خاصة بالفريق كوسط ميدان ، في وقت لم يكن النادي يضم في صفوفه إلا لاعبين إسبان لأسباب لا تمت الى الكرة بصلة ولا الى العطاء والموهبة. ويحكي من عايش العروسي في تلك الفترة ،من بينهم عبد القادر البزيوي ومصطفى السراج واحمد أقنيين ،أن "با العروسي" فرض ذاته على "أتليتيكو تطوان " كلاعب مغربي موهوب صنعته دوريات الأحياء ،وأملت قدراته الكروية الخارقة على الفريق أن يستقطبه كوسط ميدان وصانع العاب من الطراز العالي، في وقت كان هم العروسي هو كسب قوته اليومي كبائع للسمك ومساعدة أسرته لتجاوز مصاعب الحياة ومزاولة كرة القدم مع أقرانه كهواية ،قبل أن تلتفت اليه الأنظار وتطلب وده أعرق الفرق التي كانت تزاول آنذاك بالدوري الاسباني. وقد كان بالإمكان أن يستمر العروسي مع فريق "اتليتيكو تطوان " لسنوات عديدة حتى اعتزاله ،إلا انه فضل اللعب بعد مغادرة فريق تطوان الأول لفريق "مغرب طنجة " ،لأسباب يرجعها اللاعب نفسه ل"دواعي وطنية" ورغبته في التألق مع فريق مغربي خالص كان يضم ألمع اللاعبين المغاربة من أمثال المرحوم حسن شيشا والعيساوي سالم والعقاري البزيوي وغيرهم . وفي فترة تألقه وأوج عطائه نهاية خمسينيات القرن الماضي ،تلقى العروسي دعوات وإغراءات مالية من فرق اسبانية عديدة ،إلا أنه قابل ذلك بالرفض ل"عشقه لمدينة تطوان وتشبثه بأصوله وهويته" ،ويوضح العروسي ذلك قائلا :"لم أكن أتصور نفسي بعيدا عن المغرب وعن جمهوري ،الذي ساندني في فترات المد والجزر مع فريق "اتليتيكو تطوان " وساندني في قمة عطائي ودعمني حين تراجع مستواي لأسباب ترتبط بكثرة الإصابات التي كنت أتعرض لها "،قبل ان تنطفئ شمعة تألقه كلاعب كرة القدم سنة 1955 . ولم تعرف مسيرة العروسي كمسير وتقني نفس التألق الذي عرفته مسيرته كلاعب ،رغم انه كان من المبادرين الى إنشاء فريق المغرب التطواني صحبة الرئيس المؤسس احمد الفيلالي ، بعد ان نال المغرب استقلاله ،لأسباب كثيرة أرجعها العروسي الى "احتدام الصراع آنذاك حول تسيير الفريق بين فرقاء لم تجمعهم الكلمة الواحدة "،ليقرر اعتزال عالم الكرة ويتوارى الى الخلف "مخافة الإساءة الى سجله وماضيه الكروي وخدش مسيرته الرياضية ،التي منحته حب الناس وصنعت أمجاده "،كما يعبر عن ذلك بنفسه . ولم يعد يذكر اسم العروسي في الساحة الكروية الوطنية إلا لماما وفي مناسبات قليلة ،حتى أن الأجيال الصاعدة المهتمة بعالم كرة القدم وطنيا ومحليا لم تعد تتذكره ،بل ولا تعرف حتى اسمه رغم عطائه المتميز في مسيرة كروية ناجحة ،ويرى في ذلك العروسي انه يكفيه فخرا كونه مثل جيله وأبناء وطنه في إحدى أقوى البطولات العالمية ،وساهم بكل تفان في بناء الدعائم الأولى لفريق المغرب التطواني. واعتبر العروسي ان المبادرات التكريمية والالتفاتات الخاصة، التي حظي بها في بحر السنة الجارية، ردت له "الاعتبار المعنوي" وأعادت اسمه الى التداول في سماء تطوان كأحد اللاعبين، الذين بصموا الكرة المغربية ومثل المغرب أحسن تمثيل في محافل كروية دولية ،في وقت كان المغرب يحتاج الى عطاء كل رجالاته.