يتابع الشارع الجزائري بشغف كبير خلال الأيام الأخيرة مشوار منتخبه الأول لكرة القدم في مونديال البرازيل بشكل غطى على حدثين هامين في البلاد لهما طابع سياسي، وهما المشاورات التي تجريها الرئاسة حول التعديل الدستوري، وتحركات المعارضة لتجميع قواها لمواجهة خيارات النظام الحاكم. وتحظى مشاركة المنتخب الجزائري "محاربي الصحراء" في نهائيات كأس العالم بالبرازيل بصفته الممثل الوحيد للكرة العربية في هذا العرس الرياضي العالمي، بمتابعة كبيرة في البلاد من قبل الجماهير، ولم يقتصر الأمر على الشباب بل حتى من فئات عمرية أخرى من كبار السن. ويكفي التجول في كبرى شوارع العاصمة أو مدينة أخرى لتكتشف حجم هذا الشغف الجماهيري بالمنتخب، حيث انتشرت بصفة ملحوظة متاجر بيع الملابس الرياضية الخاصة ب"محاربي الصحراء"، فضلا عن أن المقاهي والجلسات لا تكاد تخلو من الجدل والحديث عن الجوانب الفنية وأخبار المنتخب وخيارات المدرب وحيد خليلوزيتش. كما يظهر هذا الاهتمام بالمنتخب في وسائل الإعلام المحلية، سواء منها الصحف أو القنوات والإذاعات الخاصة والحكومية التي خصصت مساحات واسعة لمتابعة أخبار المنتخب الجزائري التي تحتل أيضا صدر الصفحات الأولى لأغلب الجرائد اليومية، كما تبث التلفزيونات برامج نقاش وحصص خاصة حول هذا الحدث الرياضي. وكانت وفاة شخصين بسكتة قلبية بكل من محافظتي سكيكدة وتلمسان عقب هزيمة لمنتخب الجزائري أمام نظيره البلجيكي، الثلاثاء الماضي، مؤشرا قويا على حجم ولع الجزائريين بمنتخب بلادهم. ويحظى المنتخب بعناية خاصة من أعلى السلطات في البلاد، ممثلة في رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، حيث يكلف في كل مرة رئيس الوزراء عبد المالك سلال بنقل رسائل دعم للاعبين والطاقم الفني. كان آخر رسائل الدعم الرسمي للمنتخب، بيان صدر الاثنين الماضي، عن رئاسة الحكومة أكد أن رئيس الوزراء اتصل برئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم محمد راوراوة الموجود مع الفريق في البرازيل أبلغه خلاله بدعم الرئيس للفريق الوطني في المونديال. وجاء في البيان أن "رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، يثق في قدرات الفريق الوطني لكرة القدم، ويتابع كل المعلومات التي تخصه ويفتخر كذلك بالأنصار (المشجعين) الذين انتقلوا إلى البرازيل من أجل تشجيعه". من جهته، لم يفوت أحد زعماء المعارضة وهو عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في البلاد، فرصة إعلان دعمه للمنتخب في مونديال البرازيل. وكتب على صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، معلقا على خسارة المنتخب الجزائري أمام نظيره البلجيكي، مساء الثلاثاء، بالقول "بخصوص النكسة التي وقعت للفريق الوطني في مواجهة بلجيكا بعد الأمل الذي ارتسم في الشوط الأول أقول لا بأس لا تزال الفرصة قائمة ليفرح قطاع كبير من الشعب الجزائري". وجاءت مشاركة المنتخب الجزائري في مونديال البرازيل متزامنة مع حالة استقطاب سياسي داخلي غير مسبوقة بين السلطة الحاكمة والمعارضة، بشأن مستقبل البلاد التي خرجت لتوها من انتخابات رئاسة مثيرة للجدل جرت في 17 ابريل، وانتخب على إثرها الرئيس الحالي عبد العزبز بوتفليقة، لولاية رابعة، وسط مقاطعة من قبل أغلب اطياف المعارضة. وتجري بالجزائر حاليا وللأسبوع الثالث على التوالي مشاورات بين الرئاسة والاحزاب والشخصيات الوطنية حول مسودة للتعديل الدستوري التي عرضها الرئيس بوتفليقة للنقاش منتصف مايو/ ايار الماضي . وتضمنت مسودة التعديل الدستوري التي أنجزتها لجنة خبراء قانونيين عينها بوتفليقة العام الماضي، 47 تعديلا على الدستور الحالي مست بالدرجة الأولى تحديد الفترة الرئاسية في ولايتين، وتوسيع صلاحيات رئيس الوزراء، وحق المعارضة في فتح نقاشات في البرلمان، إلى جانب ضمانات للحريات الفردية، وإجراءات لمكافحة الفساد. وأعلنت أغلب الأحزاب والشخصيات المعارضة رفضها المشاركة في هذه اللقاءات الخاصة بالدستور مع الرئاسة حيث أجمعت على أنها "محاولة من النظام للهروب إلى الأمام بدل حل جذري لأزمة الحكم". من جهتها واصلت المعارضة تحركاتها للم شمل معارضي السلطة وراء خارطة طريق موحدة للتغير وذلك بقيادة مايسمى تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي التي تضم أحزابًا وشخصيات معارضة هي 4 أحزاب، ثلاثة منها إسلامية، وهي حركتا "مجتمع السلم"، و"النهضة"، وجبهة "العدالة والتنمية" إلى جانب حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" ذو التوجه العلماني. وتضم التنسيقية كذلك المرشحَين المنسحبَين من سباق الرئاسة، أحمد بن بيتور، رئيس الحكومة الأسبق، ورئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان. واحتضن أحد فنادق العاصمة الجزائر "ندوة الانتقال الديمقراطي" في العاشر من الشهر الجاري، والذي شارك فيه عدد كبير من الأحزاب المعارضة من كافة التيارات ومرشحون لسباق الرئاسة على غرار علي بن فليس، إلى جانب رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، وممثلين عن منظمات حقوقية وأهلية وكذا قيادات في حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في البلاد منذ العام 1992. ويعتبر المؤتمر هو أول اجتماع للمعارضة الجزائرية في عهد بوتفليقة منذ وصوله للرئاسة في عام 1999. وخلص المؤتمر إلى وثيقة تضم عدة توصيات أهمها دعوة السلطة الحاكمة في البلاد إلى عدم تفويت "هذه الفرصة التاريخية" لتحقيق انتقال ديمقراطي في البلاد، كما أوصى بمواصلة التشاور بين أطراف المعارضة من أجل التوصل إلى أرضية متوافق عليها وخارطة طريق موحدة من أجل تغيير "سلمي وهادىء" للنظام الحاكم . وقال توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، في هذا الشأن، "طبيعي أن يكون اهتمام الجزائريين وخاصة فئة الشباب بمنتخب كرة القدم أكثر من أي حراك سياسي داخلي لأنهم طلقوا السياسة منذ سنوات ونسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة الأخيرة يوم 17 أبريل التي أثبتت أن نصف الجزائريين لا يثقون في العملية السياسية خير دليل على ذلك ". وأضاف بوقاعدة، في تصريح لوكالة الأناضول، أن "الشباب بصفة خاصة يبحث عن مجال يثبت من خلاله ذاته وقد وجد في الرياضة وموعد مثل كأس العالم منفذا لتفريغ ما بداخله عكس الحقل السياسي الذي لم يجن منه سوى الخيبات والتهميش سابقا".