أشكو من ساندروم رهاب الأماكن المغلقة.. خصوصا حينما تفرض علي فرضا دون إرادتي قسريا .. شقتي صغيرة تكاد تصل 80 متر مربع..ونحن أربعة .. صراحة ..إبني ياسين هو طاقتنا جميعا..يعلمنا فن العيش بدروسه الهادئة.. لكن الحجر الصحي تجربة إعتقال فريدة من نوعها .. سؤال وجودي ميتافيزيقي.. أتمنى أن ننتصر على كورونا قبل رمضان.. لكن لو بقيت حية تسعى بيننا في شهر رمضان ماذا سنفعل..؟ نصوم أم لا .. نصلي التراويح في الزحامات أم نقبع في جحورنا..؟ أم تصدر فتوى ما ..لتعليقه مثل بطولات الكرة العالمية و رولان غاروس ومهرجان كاان والاتحاد الأوروبي وصلاة الجماعة والمؤتمرات الوطنية والدولية .؟؟ لا لا غير ممكن ..وساوس شيطانية تهجم على تفكيري وخيالي.. كيف سنقضي رمضان..في جحورنا والمقاهي مقفلة.. بدون كارطة ولا ثرثرات ولا ألعاب القمار ولا شقوفا تطوف.. رمضان مع كورونا وكاميرا خفية ورشيد شو..؟ تصوروا حجم التعذيب.. لاشي بعدها سوى أن يرمي الإنسان نفسه من حافة شاهقة على البحر.. هل إنتصرت علي كورونا؟. لكنني لم أرم المنديل.. وجدت نفسي أغسل وأفرك بالصابون والشبكة كل شيء.. اللفت والبطاطا والجزر والفلفل أحمر وأخضر وأصفر.. ثم أنتبه أنني نسيت وخرجت بصندالة على حافة الباب فهرولت أغسلها بفايري في فناء الدار وفي عقلي أن الملعونة الخبيثة كورونا ظلت عالقة في أسفل قدمي .. إلهي ما هذا العذاب..؟. ماذا فعلنا حتى نعذب هكذا..؟؟ ها أنا عدت ثانية وثالثة وعاشر مرة أغسل يدي وقدمي ..حذائي أضعه في الحجر الصحي الخاص به كما يفعل أبنائي و زوجتي دائما..لكن هذه المرة بدأت أرى هلوسات تلاحقني .. أراه يمشي معنا في المنزل الصغير الذي لا حديقة له.. ينام معنا ويستيقظ ويأخذ قهوة الصباح معنا.. أراه في الاومليط التي أعدها بالثوم والبقذنوس وجبنة كرويير.. ومعنا يدخل الحمام والمطبخ والصالون حيث رفع المنع عن هذا المكان وصار من المناطق المحررة..ألعب فيه مع الشباب كي أنسى سوريالية الوضع .. كيف سأنسى وأتجاهل هذا الوحش الذي يرعبنا..؟ الجريدة التي أدخلت معي للدار بدت لي كورونا تسبح على صفحاتها.. هل أعقمها..؟ أغسلها بالصابون أو الكحول..؟ قبل أن أتصفحها حملتها بملقط وخرجت للبهو الصغير الباطيو ووضعتها في صندوق النفايات.. لتذهب الى الجحيم الصحافة التي ستزيد لي غما وخوفا.. لكن الوحش أراه يلاحقني..مثلما يحدث في الرسوم المتحركة..أو أفلام الرعب حينما تقتل كائنا فتاكا مخيفا فتنبت له رؤوس أخرى ويعود .. أبابا يا خاي.. ما هذا العذاب..؟ كم يمكن لي أن أتحمل..؟ أخشى أن أنهار وسط الطريق ولا أكمل الجري كما في رواية ستيفن كينغ.. إمش إجر أو مت.. أنام قليلا مفزوعا..ثم أستيقظ..أنظر إلى التلفون..الساعة الرابعة ليلا..هدوء يغلف الأرض..أنا أحب السكون والصمت لكنه هذه المرة أشعر به مختلفا غامضا..يشد الخناق و يثير الشكوك.. ماذا سأفعل في هذا الليل الثقيل الخانق الذي يقطع أنفاسي..متى سيطلع الصباح وتزقزق العصافير.. لا رغبة لي في القراءة و لا في الفايسبوك و لا مشاهدة التلفزيون الذي يفيض بالكورونا .. ماذا سأفعل ..؟ هل أخرج من الدار في هذه الساعة .. إلى أين ..؟ شاطئ الرمال الذهبية في تمارة مثلا ..؟ و أشم رائحة أعشاب البحر؟ فكرة شاعرية لكنها حمقاء غير ممكنة.. سيقول عني من رآني هناك في تلك الساعة أن لوووستاذ قد جن بسبب كورونا .. أقرأ فصلا من رواية بدأتها قبل كورونا ولم تحرك حواسي..؟ أشياء لا جدوى منها.. آآه كم كانت الحانة رحيمة بنا..في الليلة الظلماء يفتقد البدر.. طبيب الجيوب الأنفية البروفيسور أوجيلال طلب مني بعد العملية أن أعود ليفحص تلك الجيوب.. كنت قررت الذهاب إليه لكن كورونا لها رأي آخر.. تمر شاحنة على الطريق قرب الغابة ويصل هديرها يقطع الصمت ..يخفف من أفكاري الشنيعة ويقول لي أن الحياة مستمرة .. كن رجلا ..أنت الذي تدعي دائما أن الوجود إيفيمير..جرب اليوم معنى عابر وعابرون.. إنس الوحش..إنس الفيروس.. الموت مع الجماعة نزاهة ..هكذا قال جبالة في مثلهم القديم .. أين هي النزاهة في هذه الخلعة ؟. إنس الوحش وعش عاديا كما كنت تفعل ..لا تبالي.. لا تعزل نفسك كثيرا حتى لا تفقد عقلك..إبق على تواصل مع أصدقاءك..و أبعد عنك الشيطان ولد العاهرة الذي يوسوس في دماغك.. لكني أحك أنفي..وعيني تدمع وأحكها ..أجري الى الحمام وأغسل يداي بصابون مارساي الذي يباع مزورا في الأسواق قبل الوباء.. أفرك وأحك بالماء الساخن..ثم أرفع وجهي إلى المرآة فأجد أن وجهي قد تغير كاملا.. لم أعد أنا هو أنا.. ماذا جرى لي ..هذا الوجه لا أعرفه وليس لي..