منذ اعلان المغرب عن قانونين لترسيم حدوده البحرية، والاسبان لا شغل لهم سوى الحديث عن هاذين القانونيين، وأثرهما على العلاقات بين البلدين. وبينما قام المغرب في وقت سابق بتعليق عرض مشروعي القانونين في جلسة عامة بالبرلمان، فإن الحديث عاد مرة أخرى في الجارة الايبيرية بمناسبة الحديث عن عرض القانونين اليوم في البرلمان بعد مرور شهر على تعليق العرض. لماذا يرفض الأسبان ترسيم الحدود؟ لفهم أصل المشكل أو الأزمة التي يرغب الأسبان في إحداثها، يتوجب العودة لسنة 2014، وهي السنة التي تقدمت فيها أسبانيا بقانون توسيع حدودها البحرية ليشمل الجرف القاري بما في ذلك منطقة تروبيك التي تحوي جبلا من معدني التليريوم والكوبالت. وبتصويت المغرب لصالح مشروعي القانونين اللذان سيجعلان الحدود البحرية المغربية تصل ل200 ميل بحري، وقيامه بترسيم حدوده دون التفاوض مع أسبانيا، فإنه بذلك يجهض حلمها الذي يستمر منذ سنوات لضم جبل الكوبالت والتليريوم لنفوذها. ويأتي تأخر موافقة الأممالمتحدة على توسيع الجرف القاري الأسباني، إلى الدراسات الجيولوجية والبحرية التي تستغرق سنوات من أجل الموافقة النهائية، وهو ما جعل دخول المغرب على الخط في هذا التوقيت يربك حسابات أسبانيا، التي تتذرع بأن المغرب ودون مفاوضات قد يمس بالحدود البحرية لجزر الكناري، لذلك فإن الكثير من الساسة الأسبان أعلنوا رفضهم للمبادرة المغربية، كما يحاول الإعلام الأسباني دفع السلطات لإظهار موقفها من القضية. الصمت الأسباني الرسمي! رسميا، لم تدخل أسبانيا على خط القضية ولم تعمم وزارة الخارجية الأسبانية أي بلاغ بهذا الخصوص، لكن يعتقد أن جدول أعمال وزيرة الخارجية الجديدة سيحمل أهم نقطة وهي ترسيم الحدود البحرية للمغرب، وذلك خلال أول زيارة ستقوم بها خارج أسبانيا والتي ستكون في اتجاه الرباط. الصمت الرسمي الأسباني والذي يقابله غضب إعلامي وسياسي في جزر الكناري، مرده حسب صحيفة ال باييس إلى عدة عوامل، أهمهما الهجرة والارهاب، أما وكالة سبوتنيك الروسية فإنها ترى بأن عوامل ضغط المغرب على أسبانيا تتجاوز ذلك بكثير، وحصرها في الصيد البحري، والارهاب، والهجرة، والتعاون العسكري. وعلى العموم يرى العديد من المحللين السياسيين أن الصمت الأسباني، مرده لخوفه من أن يسمح المغرب للمهاجرين الافارقة بالتدفق على حدود سبتة ومليلية بشكل مكثف، كما وقع سنة 2014 حين أوقفت عناصر الحرس المدني يخت الملك محمد السادس قرب سبتة، فجاء الرد المغربي سريعا بالسماح للمهاجرين الافارقة بالهجوم على سبتة. كما أن أكبر مخاوف أسبانيا، والذي يجعلها تلتزم الصمت رسميا لحدود الساعة هو مشكل الارهاب، وقوة المغرب في محاربته، حيث ظهر الأمر جليا مع توالي تفكيك الخلايا الارهابية بأسبانيا بمساعدة المغرب، وتجنيب الجارة الايبيرية تكرار سيناريو باتاكلان بفرنسا، وذلك بفضل المعلومات الاستخباراتية التي تقدمها المخابرات المغربية لنظيرتها الأسبانية. هل سيصمت الأسبان إذا استمر المغرب في مخططه؟ تصعب الإجابة على السؤال بالنظر إلى ميزان المصالح، فهل ستستطيع أسبانيا التضحية بكل المكاسب مع المغرب وإنتاج أزمة جزيرة ليلى أخرى؟، أم أنها تستطيع التنازل وإغماض عينيها من أجل المصالح؟. الأسبان يرون أن صمت أسبانيا بسبب ملفات التعاون بين الجانبين، جعل المغرب يستمر في مسلسل أحادية القرارات، فبعد قتله لاقتصاد مليلية عبر منع مرور الحاويات التجارية بقرار أحادي من الجمارك المغربية، دون إبلاغ الطرف الأسباني، قام المغرب أيضا بإغلاق معابر السلع في سبتة دون إبلاغ الجانب الأسباني. بعد هاذين القرارين جاء القرار الثالث وهو ترسيم الحدود البحرية، الذي تعتبره أسبانيا يستوجب المفاوضات حتى لا تمس الحدود البحرية لجزر الكناري، بينما يراه المغرب يدخل في إطار سلسلة القرارات السيادية. هنا يبقى التساؤل، هل يمكن لجبل الكوبالت أن يفعل ما عجزت عنه جزيرة ليلى ويشعل حربا بين الجانبين؟.