إحسان الحافظي – باحث في الشؤون الأمنية// أعادت الهجمات الإرهابية على مسجد في نيوزيلاندا، النقاش حول وظيفة اليمين المتطرف في السياسة داخل المجتمعات الأوربية. وكيف نَظّر هؤلاء الساسة لتخويف المجتمع الأبيض مِن المهاجرين. وغداة الاعتداء الإرهابي طفت الى السطح نظرية “الاستبدال العظيم” تقوم على فكرة ان المجتمعات الأوربية، والفرنسية على التحديد، تعيش حالة من استبدال الغالبية البيضاء من غير البيض القادمين من شمال أفريقيا والصحراء والساحل وغرب افريقيا، وعدد كبير منهم من المسلمين. النظرية التي خطها الباحث رونود كامو، في كتاب له صدر سنة 2012 ودافع عنها اليمنين المتطرف الفرنسي، وأعاد بناءها والترويج لها إعلاميا الكاتب السياسي في صحيفة “لوفيغارو” إريك زيمور، في مؤلفه “الانتحار الفرنسي”، تقوم على فكرة مفادها أن المخاوف من الاستبدال باتت واقعا اليوم ومن شانها ان تقضي ما تبقى من الهوية الفرنسية. اريك زيمور الذي جدد “نظرية الاستبدال العظيم” ذهب الى حد وصفه وزيرة العدل الفرنسية، من أصول مغربية، بأنها أقل فرنسية بسبب اختيار اسما عربيا لابنتها زهرة. لم يكن صدفة إذن، أن يكون منفذ الاعتداء على المسلمين في مسجد نيوزيلاندا قد تأثر بهذه الأفكار وزار فرنسا لمراقبة مشاهد “الاستبدال العظيم”. وهو ما تحدث عنه القاتل نفسه الذي قدم صورة عن الأفكار التي ألهمته للقيام بالهجوم، الذي قتل فيه 49 شخصا في أثناء صلاة الجمعة، وجرح العشرات. نظرية “الاستبدال العظيم” التي عاد الغرب الى استكشافها بعد الحادث الإرهابي الاخير، تكشف أن الخطابات المتطرفة لم تعد مقتصرة على اليمين الهامشي الذي لا تتعدى أفكاره عادة أوساط سياسية محدودة بل انتقلت الى خطاب سياسي يجد من يستمع له ويروج له وينتقل على إثره الى التنفيذ لتبديد المخاوف الوهمية التي يصيغها اليمين المتطرف لاستعداء الاجانب. يتحمل الخطاب السياسي، في المجتمعات الغربية، جزءا من المسؤولية حول ما وقع في نيوزيلاندا، فالنظريات المولدة للارهاب باتت تغدي التطرف وانعدام المسؤولية السياسية والأخلاقية لأحزاب الخطاب الشعبوي المتطرف تشجع على العنف تجاه الآخرين. خطاب سياسي يدفع نحو استبدال فكرة الاندماج بفكر متطرف يحرض على الإرهاب والكراهية.