لا يمكن للبغرير إلا أن يكون بغريرا. بغريرا فقط. إنه ليس فطيرة. وليس كريب. وأتحدى من يسخر من وجود هذه الكلمة في مقرر دراسي مغربي موجه للأطفال أن يترجمها إلى العربية. وأتحدى من يبكي ويهدد بالهجرة أن يفعل ذلك. بينما يسمي أهلي في فكيك البغرير حرطيطة. وكم رفضته وكنت في صف البغرير. وكذلك الأمر بالنسبة إلى غريبة. وفي غريبة أنواع. وهناك غريبة البهلة. وغريبة بالسميدة. وهي أيضا لا يمكن ترجمتها. وغريبة تبقى غريبة. ومذاقها يبقى هو هو. وكم هو لذيذ. حين كنا نشتريها من البقال ونحن صغار. وأي مغربي يتذكر طعمها. وله معها حكاية. ولكل شعب حلوياته. ومطبخه. وثقافته. بينما نحن الشعب الوحيد في العالم. ربما. الممنوع من تسمية أشيائه. والطبيعة المحيطة به. ومن تذوق طعامه. ومن النطق به. ومن التلذذ به عبر اللغة. وبعض المنتقدين. وبعض الذين يعتبرون وجود البغرير وغريبة فضيحة في كتاب مدرسي. وبعض المثقفين . هم الذين لا يجدون حرجا في الحديث عن “مادلين” مارسيل بروست. حين يتطرقون إلى موضوع الحنين. وعن استرجاع الذكريات. ولا يجدون إلا مثال المادلين منقوعة في الشاي. كما كتب عنها الروائي الفرنسي الشهير. وفي المقابل يجب نفي غريبة. ويجب طرد البغرير من المقررات المدرسية. والحال أن العربية فقيرة. وليس فيها طبخ جيد. ولا حلويات لذيذة. لأسباب ثقافية محضة. وبيئية. ودفاعا عنها. ودفاعا عن العربية. يجب أن نلغي ثقافتنا. ونلغي مطبخنا المتنوع. ونمنع صغارنا من تسمية الأشياء. ومن تسمية الحلويات. وفي وقت استضافت فيه العربية المشرقية مطبخ لبنان ومصر والخليج. نرفض نحن ذلك. ولا نجد حرجا في قراءة معاجمهم. وفي البحث عن البسبوسة. ولا نكتفي بذلك. بل نعلن النفير. ونصرخ. خوفا من دخول البغرير وغريبة إلى كتاب مدرسي. وبدل أن نشجع على ذلك. ونفرح لهذه الخطوة الأولى في طريق صنع عربية مغربية. متاصلحة مع الطفل المغربي. ومع العالم المحيط به. وبدل أن نخرج العربية من غربتها. نلح على قتلها. نافين وجود البغرير. وغير معترفين به. وإذا كانت هناك من فضيحة. فهي في هذا الرفض لكلمات بعينها. لمجرد أنها مغربية. وفي رفضنا لأن نكون مغاربة. وفي سجن اللغة العربية ونضالنا كي نبقى خارجها. وقد دخلها الفرس. ودخلها الروم. ودخلتها الإسرائيليات. ودخلها الجن. بينما لا يجوز لنا نحن أن نفعل ذلك. ونتحدث عن مادلين بروست المبللة بالشاي. بينما نعتبر غريبة دخيلة وخادشة لحياء اللغة. وساقطة. وبنت شوارع. ولا تتوفر على الشروط التي تسمح لها بالوجود في اللغة. وفي مقرر دراسي. ولذلك لا ننتبه حتى يكبر الطفل المغربي. وبكبر وهو أبكم. لا يعرف أسماء النباتات المحيطة به. والزهور. والأشجار ولا يعرف أسماء الأشياء. فيضطر أحيانا إلى اللجوء إلى الترجمة. وإلى لغة أخرى. ويضطر غالبا إلى الصمت. وعدم تسمية العالم وأشيائه. وكل ثقافته. وكل حميمياته. وكل ذكرياته. وكل مطبخه. وكل وجوده مطرود. وغير معترف به. ومقابل ذلك هناك كبسة. وبقلاوة. وكنافة. وثريد. وهناك شعراء عرب يتغنون بحلاوة البسبوسة. لذلك سيبقى لسان المغربي مرا. وسيبقى يتذوق الآخرين. ولا يجلس إلا في موائدهم. ما دام رافضا لغريبة. وللبغرير. والحال أن غريبة مع كأس شاي أحلى بكثير من مادلين مارسيل بروست. ولم تخلق بعد هذه اللغة التي بمقدروها وصف حلاوتها ولذتها. ولا استرجاع ذكرياتها. أما البغرير مدهونا بالزبدة والعسل فهو معجزة بلاغية. ويذوب في اللسان المغربي. ومستحيل ترجمته. ومستحيل أن تكون غريبة مجرد حلوى مثل الحلويات. ومستحيل أن يكون البغرير فطيرة أو كريب.