ليس من المروءة في شيء أن يجتهد إلياس العمري وادريس لشكر لإيجاد حل لملف الأساتذة المتدربين، ويهملان رئيس الحكومة. فالقضية هنا أكبر من توظيف أساتذة وأكبر من مناصب شغل وأكبر من تدخل المعارضة في شؤون الحكومة، وتتعلق بقسم بنكيران، وحنثه باليمين. فقد أقسم بالله أن لا تراجع عن المرسومين، وهذه هي ورطة بنكيران الحقيقية. المسألة هنا ليست سياسة ولا قهققات ولا ردا عنيفا ولا هجوما ولا تحكما، ولا ينفع فيها التراجع أو الاعتذار، بل تلزمها كفارة. ومهما كان رئيس الحكومة لاعبا ماهرا، وبمقدوره أن يلعب مع الجميع، فإنه يستحيل عليه أن يلعب مع الله، بعد أن أقسم به سبحانه وتعالى أمام الملأ. لكن المعارضة للأسف الشديد لا تفكر إلا في نفسها وفي الأساتذة، ولا تهتم أبدا برئيس الحكومة. وكما اقترحتْ حلا لتوظيف الأساتذة دفعة واحدة، فقد كان عليها، ومن الناحية الأخلاقية على الأقل، أن تقترح على بنكيران حلا لمشكلته مع الله. وفي هذه النقطة بالضبط ألوم إلياس العمري. وأنا أصدق فعلا أن قلبه رقيق، وقد حن قلبه للأساتذة وأسرهم، وأصدق مشاعر ادريس لشكر وحنانه، لكني أعتابهما بشدة لقسوتهما على رئيس الحكومة. فليس عدلا أن يجدا مناصب شغل لآلاف الأساتذة، وهما في المعارضة، ويعجزان عن اقتراح كفارة على بنكيران. ولا أظن أنه يصعب على إلياس العمري توفير رقبة لبنكيران ليعتقها. وقد يقول لي قائل إن الرقبة يجب أن تكون مؤمنة، لكني لا أعتقد أن إلياس العمري سيعجز عن الحصول على واحدة ليمنحها لرئيس الحكومة. وفي مصلحة الجميع أن لا تنتهي هذه القضية بانتصار طرف على آخر، كما أنه ليس من الجيد أن تبدو الحكومة مستسلمة للضغط وللاحتجاج وراضخة لكل من يطلب عملا وينزل إلى الشارع، وأكثر من ذلك في خصام مع الله. أما في حالة عجز المعارضة عن توفير رقبة مؤمنة لبنكيران، لظروف كثيرة، ولأن العالم لم يعد كما كان في الماضي، ولا أحد صار يملك رقابا، فإنه من الواجب عليها أن تساعده في إطعام عشرة مساكين من بر وتمر، أو كسوة عشرة فقراء مما يلبس عادة، والنَّاس هذه الأيام، والمساكين خاصة، صاروا متطلبين، ولا يلبسون كسوتهم إلا من ماسيمو دوتي وزارا وما شابهها من ملابس الكفار. إنه رئيس حكومة كل المغاربة على أي حال، وكم سهر على راحتنا، وكم أرقته أوضاعنا، وكم أضحكنا، وكم سلانا، وليس حلا أن نوظف الأساتذة، ونسيء إلى علاقة بنكيران بربه. نعم، لقد أخطأ، ووظف اسم الله في السياسة وفي قضية فيها أخذ ورد وتفاوض وحسابات وضغوط، لكن هذا لا يمنع من التفكير في إيجاد حل لقسمه، لئلا يخسر أحد، ولتنتهي هذه القصة برابح-رابح، كما يقول المحللون وكتاب الافتتاحيات العميقة. فهل ترضى يا إلياس العمري أن يعاقب الله بنكيران وهل ترضى ذلك يا ادريس لشكر نحن جميعا مغاربة، وعلينا أن نفكر في بعضنا البعض، ونضع جانبا مشاكلنا الدنيوية، لنلتقي في الآخرة ونسلم على بعضنا، ونتجاذب أطراف الحديث. ولا أتخيل البام ولا الاتحاد الاشتراكي يفكران في مستقبل الأساتذة في هذه الدنيا الفانية، ويستكثران رقبة على بنكيران. إنه لن يطلبها منكم فرئيس الحكومة له كرامة وعزة نفس والعائق الوحيد في قصة الأساتذة هو ذلك القسم أما إذا تحجرت قلوب المعارضة وألحت على أن يحنث باليمين فنحن كلنا مع بنكيران وسنصلي كي يغفر الله له شرط أن يتعلم من الدرس وأن يكف عن توظيف الدين في شأن دنيوي يتعلق بالأموال وبالميزانية وبحسابات وبمناورات سياسية لا تخلو منها أي دولة.