الفرق بين الدول المتحضرة , "الله يخلف على الجميع" والدول المتخلفة هو هذا بالتحديد. لوك فيري يقول في كنال بلوس "هناك وزير فرنسي سابق ضبط متلبسا بممارسة الجنس مع قاصرين في مراكش", فنقوم الدنيا ولاتقعد. وعبد الهادي خيرات يلوح في برنامج "حوار" بحزمة أوراق يقول إنها تتضمن أسماء مسؤولين متورطين في استغلال كريمات أو رخص ريعية دون وجه حق, ويصيح "بحال المسطي" "واك واك بغيت وكيل الملك يعيط ليا آعباد الله", فلايرد عليه أحد, وتبتسم الطبقة السياسية المنافقة كلها بمكر شديد, وتقول في "الأوف" (أودي, هاداك راه غير عبد الهادي). عندما نلوم المواطنين المغاربة لأنهم لايصوتون على النقص الفظيع المسجل في وطنيتهم (بالإضافة للنقص الآخر المسجل في نسبة الكالسيوم في عظامهم بسبب الفقر والإكثار من شرب أتاي, غير أن هذه مسألة لا يهتم بها أحد) لا نضع في اعتبارنا أن مسائل بسيطة مثل المقارنة بين فيري وماقاله في التلفزيون وكيف تم التعاطي معه في فرنسا وبين خيرات وماقاله في حوار وكيف تم تجاهله بشكل "بديع للغاية", هي التي تقول للمواطن المغربي يوم الاقتراع "كلس فدارك أبو راس. فين غادي؟". أي معنى سيكون لصوتي أنا المواطن المغربي وأنا أرى بأم عيني قياديا في حزب سياسي في البرنامج الحواري الوحيد على شاشة التلفزيون العمومي الرسمي وهو يطلق اتهامات خطيرة ويطلب من وكيل الملك أن يستدعيه في اليوم الموالي دون أن يقع أي شيء من ذلك؟ بل أي معنى للبرنامج ككل وللسياسيين الذين يمرون عبره ونحن ندخل إلى عقول مواطنينا بهذا التعامل الغريب أن الأمر يتعلق بكائنات غير عاقلة تقول أشياء لا ينبغي أن نأخذها بعين الاعتبار كثيرا, بل يجب في الغالب الأعم أن نسمعها ونمضي؟ لا معنى سوى إفهام الناس بالقسر والقوة أن السياسة في المغرب لاتصلح لشيء على الإطلاق. ولكم صدمني أحد من أثق في تفسيرهم للأحداث كثيرا حين قال لي إن ماقاله خيرات "مجرد فرقعة إعلامية كانت لازمة في وقت مرور الرجل في حوار لأن المرور تزامن مع الاحتقان الشعبي والحراك الكائن في الشارع مافرض هذا النوع من التصريحات التي تعطي للناس الوهم أن هناك حرية كلام كبرى في التلفزيون وتعفيهم من الانخراط وراء من يلعبون بالنار والشارع هذه الأيام". قلت لمحاوري إن الأمر لو صح سيكون أخطر لأن المفروض لو تعلق الأمر فعلا بفرقعة إعلامية مخدومة ومتفق عليها أن يتم دفع اللعبة حتى الختام وأن يساءل خيرات وأن يتم خلق "فيلم" يتم شغل الرأي العام به. لكن ماوقع هو اللاشيء القاتل بالتحديد. خيرات قال. البرنامج انتهى. الصحف كتبت يومين أو ثلاثا حول الموضوع, والجميع نسي. في حالة لوك فيري في فرنسا , رأينا أن كرة الثلج التي أطلقها الرجل في لحظة خطأ لم يحسبها (الكل يتفق اليوم على أن الوزير الفرنسي زلق وصافي) وهو يقول إن هناك وزيرا فرنسيا سابقا ضبط في مراكش متلبسا بممارسة الجنس مع قاصرين وأن المشهد السياسي الفرنسي كله يعرفه, أصبحت اليوم قضية رأي عام كبرى كان ضحيتها الأولى هو فيري نفسه الذي وجد نفسه متابعا في قضية أخرى تتعلق بتلقيه أجرا من جامعة باريس 7 دون أن يقدم فيها أي دروس تستحق ذلك الأجر. أكثر من هذا شجعت تصريحات فيري عددا من المقربين من سياسيين فرنسيين على الحديث ووجد وزير آخر هو جورج طرون نفسه ملزما بتقديم الاستقالة بعد أن قالت مساعدته إنه كان "يلعق رجلها باستمرار في المكتب". هي العلامات التي نعرف بها المجتمع الميت من الحي. وهي أساسا البوادر التي يمكننا بها أن نقيس مدى وجود طبقة سياسية حقيقية يتعامل معها الرأي العام بكل الجدية الممكنة, ويجلس أمام شاشات تلفزيونه يوميا مترقبا تصريحاتها ومعطياتها لأنه يعرف أنها ستقول له شيئا حقيقيا أو في حالة العكس أي الكذب ستحاسب حسابا عسيرا على كل كلمة افترت فيها. وبالمقابل هي العلامات على وجود مشكل حقيقي في المجتمعات الأخرى, حيث يتم التعامل مع السياسيين باعتبارهم "غير داويين وصافي", خصوصا حين يحرص من يخيطون لنا المشهد العام كله على أن يعقبوا بعد مرور خيرات من "حوار" بضيف من نوع خاص جدا يسمى محمد زيان قال من ضمن ماقاله في حلقته إنه يعتمد على "تويتر" لمعرفة المعلومات التي يبني عليها مواقف حزبه, دون أن يشرح لنا "شكونا هاو هاد التويتر الواعر" الذي تذكر وجوده فجأة وقرر أن يرسله إلى المغاربة لكي يزدادوا اقتناعا أن "فاقد الشيء والله لاعمرو عطاه", مهما تغيرت كثير الأشياء. ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق رأينا تاعرابت في "الماتش" على ميدي آن تي في واستعنا لرسالة الفتى المغربي. "الدري غطل" ويعترف بخطئه ويقول إنه ما يهمه اليوم ليس أن يستعيد مك؛انته في الفريق الوطني ولا أن يعفو عليه المدرب. ما يهتم به تاعرابت أكثر هو أن يسامحه المغاربة على خطئه وهو يقول إنه سيبقى المشجع الأول للمنتخب سواء تم استدعاؤه مجددا أم لا. نعتقد - عكس الحياحة الذين ينبدون في وسائل إعلامية أخرى - أن هذا الفصل وصل إلى نهيته وأنه على غيريتس والجامعة أن يبديا قليلا من علامت النضج وأن يعتبرا اعتذار تاعرابت كافيا لكي نقفل بشكل نهائي هذه القصة وننتقل إلى ماعداها لمصلحة الفريق الذي رأيناه يخرج آلاف المغاربة ذلك السبت الجميل أمام ألدائنا الجزائريين.