العالم عن بكرة أبيه يرقص اليوم على إيقاع الهارليم شايك، وكل يوم ينضاف مليون مشاهد في اليوتوب للرقصة التي أزاحت غانغام ستايل عن العرش، وفي مصر قرر متظاهرون أن يواجهوا بها حكم الإخوان المسلمين كشكل احتجاجي، أما في تونس، فقد طالب وزير التربية بإجراء تحقيق ومعاقبة الإدارة التي سمحت للتلاميذ بتطبيق نسختهم الخاصة المتبلة بالسلفيين، بينما لم يتدخل أحد حين كان يهجم السلفيون على الجامعات ويفرضون نمط حياتهم المتشدد على الطلبة، وفي المغرب يتبارى الشباب على اللحاق بالركب، لئلا يبقوا خارج السياق العالمي وليواكبوا كل جديد في عالم الأنترنت. لن تعمر رقصة الهارليم شايك طويلا، إنها صرعة عابرة مثل باقي الصرعات، والجديد هذه المرة هي أنها نتاج العالم الافتراضي، وليس لها منتج محدد، والذين يهتمون بها لايعنيهم أبدا أصلها، ولا المغني الذي يردد تلك اللازمة الوحيدة والمتكررة إلى ما لا نهاية، حيث تكمن أهميتها في النسخ المتولدة عنها، والتي من المتوقع أن تصل إلى الملايين، وذلك بسعي كل مدرسة وكل فصل وكل شلة وكل فريق لأن تكون لهم رقصتهم، مادام المطلوب هو حركات عشوائية وجنونية وساخرة، مع إيحاءات جنسية، تظهر وتختفي حسب النسخ الكثيرة المتواجدة في اليوتوب، ومع وجود شخص لا يبالي بكل ما يحصل حوله، شخص يقرأ بتركيز أو مستلق في سرير ويتأمل العالم، أو غارق في نوم عميق، وكما لا يمكن القيام برقصة التانغو منفردا وبدون شريك، فإن الهارليم شايك لا تصح إلا بعصابة من المجانين تطلق العنان لحركاتها دون قيود.
العالم لم يعد يقدم جديدا، لقد انتهى الرقص، وانتهى كل شيء، والناس شبعوا من كل ما هو موجود، ولذلك يستثمر سكان هذا هذا الكوب في اللامعنى، وفي الرقص كيفما اتفق، ضدا على اليقينيات وعلى المدارس وعلى السلطة وعلى المتحكمين في الشاو، ويبدو أن نجاح رقصة الهارليم شايك تستمد قدرتها الخارقة وغير المفهومة على الانتشار ونيل الإعجاب من هذه الحاجة لدى الشباب إلى التعبير عن السأم من كل ما هو موجود، ولو بالفوضى والعودة بالرقص إلى حالته الطبيعية الأولى والمنطلقة والحرة، والمتحررة من أوهام الموضوع والغاية والانضباط للإيقاع والخطوات.
وفي كل أنحاء العالم ستنتشر هذه الصرعة بين الشباب وستقضي الوقت المخصص لها، وستستثمر القنوات والعلب الليلية نجاحها الكبير، قبل أن تأتي صرعة أخرى وتنسي الناس فيها، دون أن يمنعها أحد أو يتدخل وزير أو يقول داعية إنها حرام كما يحدث في دول الربيع العربي، التي لم يعد يجد فيها المواطنون من سلاح يواجهون به تغول السلفيين والإخوان إلا رقصة مجنونة ومنفلتة، كأنهم يحمون أنفسهم من التطرف الديني وتقييد الحريات بتطرف في الرقص.