أتابع المحاكمة العسكرية للمتهمين في قضية أحداث "أكديم إزيك" الدموية والتي ذهب ضحيتها خمسة شباب من الدرك الملكي وخمسة أفراد من القوات المساعدة ورجل أمن. بدأت قضية "أكديم إزيك"، من 10 أكتوبر وامتدت لمدة شهر تقريبا، حيث نضم 173 مواطن في مدينة العيون وقفة احتجاجية للضغط على الوالي "جلموس" أنذاك من أجل منحهم بطائق الانعاش الوطني، وأمام عدم الوصل الى اتفاق بخصوص الموضوع انتقل هؤلاء المواطنين إلى منطقة خارج مدينة العيون ونصبوا 40 خيمة للمبيت، وفي ظرف ثلاثة أيام أصبح عدد الخيام يفوق 300 خيمة، وتوسيعت لائحة المطالبة لتشمل التشغيل للساكنة الاصلية للعيون أي السكان المشمولين بالاحصاء الاسباني سنة 1975، إلا أن إضافة مطالب أخرى كالحق في توزيع البقع الارضية، بالاضافة الى تنظيم المخيم في شكل أحياء ولجن تنسيق ومن ومراقبة، اضطر أصحابه لفتحه أمام العموم من المواطنين الذي قدموا من مدن كالداخلة وكلميم ومنهم من لا تربطهم أي علاقة بقصية الصحراء من مدن أخرى بشمال المغرب، لتوسيع رقعة المخيم تدريجيا الى 800 خيمة ثم ألف فهكذا دوليك ليصل عدد المتواجدين داخل المخيم إلى حوالي 40 ألف شخص، في ظرف أقل من أسبوع.
هذه التطورات جعلت الدولة من خلال ممثلي السلطة المركزية تبدأ بالحوار مع لجنة حوار، قيل عنها تمثل المخيم، وبعد فشل المفوضات، وتأكيد الدولة ولجنة الحوار أن المطالب هي ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية صرفة، جعل الحوار يأخذ مستوى أكبر من خلال قدوم مسؤولين رفيعي المستوى يترأسه وزير الداخلية.
إلا أنه خلال الفترة الممتدة من 04 نونبر الى 06 منه، وقعت تطورات، جعلت مسلسل الحوار بين السلطة المركزية ولجنة الحوار يصل الى باب المسدود، في يوم الخميس 04 نونبر لجنة الحوار بعد رفضها توقيع محضر الاستجابة لكافة مطالب المخيم، تأكد أنها غير قادرة عن تمثيل المتجين، وأنها أصبحت تراهن على تمديد الوقت من أجل تعميق أكثر للمشاكل المعلقة، في يوم الجمعة 05 نونبر تم منع والي مدينة العيون من دخول المخيم، حيث قدم هذا الاخير من أجل بدأ عملية الاحصاء لاجل تنفيذ بنود الاتفاق المبرم مع لجنة الحوار، منعه من قبل شخص يمثل "والي مخيم أكيدم إزيك"، جعل المتتبعين يتأكدون أن هناك توزيع للادوار داخل المخيم بين لجنة الحوار التي هي مجرد أداة شكلية غير قادرة عن اتخاذ زمام الامور وتنظيمات داخل المخيم هي الماسكة الفعلية بمسار المخيم والمتحكمة فيه، وينتهي مسلسل الحوار، في 06 نونبر حيث كان خطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، في نفس الوقت صدر بيان بدون توقيع يدعوا الى "استقلال" الصحراء، ويطالب المنتظم الدولي لدخول بعثة غوث اللاجئين لحمايتهم. يوم الأحد 07 نونبر صدر قرار من الوكيل العام للملك بتفكيك المخيم، وفي يوم الاثنين 08 نونبر بدأت عملية التفكيك، مع تسجيل الدرك الملكي مرفوقا ببعض ممثلي بعثة المينورسو، بالكاميرات لعملية التدخل ولكافة الاحداث التي وقعت فيما بعد.
وفي العاشر من شهر نونبر صدر بلاغ لوزارة الداخلية يحصي عدد القتلى في صفوف قوات العمومية في 11 شخص منهم من تم التنكيل بجتثه ومنهم من تم التبول عليه ومنهم من تم دبح بأبشع الصور، التي نشرت على نطاق واسع على الشبكات التواصل الاجتماعي.
نعود بالتذكير بالاحداث، على ضوء المحاكمة التي تجريها المحكمة العسكرية الدائمة في حق 24 متهم بالتورط في هذه الاحداث، وفق معطيات جديدة وتحولات جعلت من المتهمين ضحايا والضحايا متهمين. هذه المستجدات يمكن تلخصيها في نقطيتن: الاولى عودة النقاش من جديد حول اختصاصات المحكمة العسكرية بالمغرب، والنقطة الثانية هي وجود مراقبيين دوليين يتابعون أطوار المحاكمة.
في هذا الصدد يجد المهمتين أنهم أمام ثلاثة دوائر متقاطعة في هذا الملف، دائرة القانون، ودائرة حقوق الانسان، ودائرة السياسة. دائرة القانون: التشريعات الوطنية، تحيل مثل هاته القضايا على المحاكم العسكرية، حيث ينص الظهير رقم 1.56.270 كقانون منظم للقضاء العسكري، على أن الجرائم الجنائية التي ترتكب في حق القوات العمومية وأشبابهم يحالون على المحكمة العسكرية الدائمة مهما كانت صفتهم، مدنية أو عسكرية، وفي هذا الاطار تتكون هيئة المحكمة من تراتبية عسكرية وفق المنسوب للمهتمين يترأسها قاضي مدني، وفي إطار شروط المحاكمة العادلة التي تتيح لهيأة الدفاع مجموعة الحقوق وضمانات التحقيق النزيه بالاضافة للشروط الشكلية المتعلقة بالعلنية وغيرها.
وهي الاجراءات التي تمت لحدود اللحظة في الجلسة الخامسة من الاستماع للدفاع وللمتهمين. دائرة حقوق الانسان: وهي تنطلق من المرجعيات الدولية لحقوق الانسان، والمتعلقة أساس بالمساواة أمام القانون، ورفض المحاكم الاستثنائية، فالمتهمين اليوم غير متمتعين بنفس حقوق التقاضي الممنوحة لكافة المواطنين على حد سواء، وخاصة فيما يتعلق بقضية استئناف الحكم، حيث المحكمة العسكرية بعد صدور حكمها لا يمكن استئناف إلا أمام المجلس الاعلى في إطار حق النقض.
أما المرجعيات الدولية وخاصة الصادرة لدى أليات الاممالمتحدة، فهي لا تعترف بشرعية الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية ضد المدنيين، إلا الاحكام المتعلق بالمجال العسكري في حد ذاته، أي البث في قضايا تهم العسكرين المتورطين في العمليات الإرهابية أو المخالفين للاوامر والضوابط العسكرية، أي أنها لا تعترف بشرعية الاحكام التي يكون أحد أطرافها مدنيا متهما أو ضحية كان. دائرة السياسي: وهي الدائرة التي يحاول أنصار الطرح الانفصالي أن يتم إدماجه في هذه القضية، ونقل مجريات المحاكمة من مجالها الجنائي والقانوني الى مجال السياسي وربطه بالمطالبة بتقرير المصير و"الاستقلال".
وفي هذا الاطار اعتمدت استراتيجة الانفصاليين على خمسة ركائز وهي: لعبة المراقبين الدولية لاسقاط الشرعية على الاحكام الصادرة: حركة الالة الدعائية لجبهة البوليزاريو ومن وراءها المخابرات والبترول الجزائريين، كل أصناف الهيئات والاحزاب والمنظمات التي تتعاطف معها ومع خياراتها، من أجل الانزال الكثيف من أجل مراقبة المحاكمة، فأوفد مجموعة من الافراد الذين اختلط عليهم لعب دور بالمراقب المحايد والموضوعي" مع دور "لجنة تضامن"، فمن خلال استقراء للتصريحات التي يعطيها بعض من الوفد المراقب ل"وكالة الانباء الصحراوية" يدحض بما لا يدع الشك النوايا الظاهرة لهم، ويؤكد تورطهم في لعبة سياسية قذرة، فالنائب الاسباني ويلي مايير و المحامية الايطالية فرانشيسكا دوريا دعا معا بتاريخ 08 نونبر ( أي أثناء انعقاد الجلسة الثانية من المحاكمة) بأن " دعا إلى الافراج عن السجناء ال24 ومجموع السجناء السياسيين و الى تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية من خلال تنظيم استفتاء تقرير المصير" أضافا أن المعتقلين "معرضون للسجن المؤبد". أما جاكلين فونتين التي تمثل جمعية التضامن مع "الشعب الصحراوي"، فقد ندد رئيسها بيار غالان لنفس الوكالة بتاريخ 02 نونبر أن " أن الأمر يتعلق بالتنديد بتقصير المجموعة الدولية التي تسمح لمستعمر بتسليط محكمة عسكرية على مواطنين و هو أمر يتنافى مع القانون الدولي"، وسبق للمراقبة فرانس فايل أن صرحت هي الاخرى بتاريخ فاتح نونبر (أي يوم إجراء الجلسة الاولى من المحاكمة) أن " أن ما يثير "الاستغراب" في قضية السجناء الصحراويين هو "الانتهاك العام و الشامل للقانون الدولي و القانون المغربي". والمراقبة المحامية الفرنسية "ميشيل دي كستا " صرحت بمجرد الانتهاء من الاستماع لاحد المعتقلين في إطار الجلسة الثالثة أن مداخلته كانت : "متميزة وأن المسألة هي سياسية، وأن الهجوم على مخيم اكديم إزيك للنازحين الصحراويين وإعتقالهم يجعلهم في مقام الرهائن واسرى الحرب" .
من خلال هذه التصريحات يمكن القول أن مواقف بعض الملاحظين "جاهزة" ولا تحتاج سوى الانتهاء من المحاكمة لاصدارها، فالملاحظ الموضوعي يراعي أن يجعل مسافة بينه وبين مواقفه، وأن لا يبني أحكاما مسبقة إلا بعد انتهاء تحرياته وتقصيه بخصوص الموضوع، لكن بعض المراقبين اختلط عليهم الحابل بالنابل بين الملاحظ والمتضامن، بل وأن حرقة إصدار الملاحظات والاستنتاجات لم يستطعوا الاحتفاظ بها الى ما بعد المحاكمة بل سارعوا الى التصريح بمواقفهم قبل وأثناء أطوار المحاكمة. مما يسقط عليهم كل صفات الحيادية والمصداقية والموضوعية.
اعتبار المعتقلين أصحاب رأي وأصحاب مواقف سياسية: الكل تابع الدعاية التي تبنتها العناصر الانفصالية لتوريط المغرب في جرائم لم يقترفها بها أو وقعت في سياقات مختلفة تماما كصورة الطفل الفلسطني الذي قدم على أنه من أطفال مخيم أكديم إزيك، أو صورة العائلة بالدار البيضاء على أساس أنها صورة بالعيون، في مقابل الكل تابع عمليات الذبح والتبول على الجتث، مما يعني أنها جرائم يجب أن يقول القضاء كلمته فيها، وبالتالي في مقابل أن يطالب المتهمين ببراءتهم من المنسوب إليهم في أطوار الجلسات فإنهم يطالب بتقرير المصير، والاستقلال، كما أن عائلات المعتقلين ترفع شعارات لا تقل نظيرها عن الشعارات داخل الجلسات العامة والعمومية، وذلك بهدف تقديم صورة للرأي العام الدولي أنهم معتقلين سياسين. مما يقتضي الافراج عنهم فورا وبدون حكم مسبق.
ترويج دعاية "الاحكام جاهزة" للضغط على المحكمة: في كل المداخلات التي يتقدم بها المتهمين يؤكدون لهيئة المحكمة أنهم على دراية بجود أحكام جاهزة والتي تصل إلى الاعدام، بل وصل ذلك إلى أشباه المراقبين الاسبان أن أصدروا الحكم الجاهز وهو الحكم المؤبد، والهدف من ذلك راجع لتأكيد حتى في حالة المحكمة أصدرت أحكام من هذا القبيل، صدق مزاعمهم أنها أحكام جاهزة وليست وليدة مداولات المحاكمة. وبالتالي الطعن في شرعية الاحكام.
توريط المجلس الوطني لحقوق الانسان، من أجل المطالبة بتوسيع بعثة المينورسو لمراقبة حقوق الانسان بالمنطقة: من خلال أليات الاممية، فإن اللجوء إلى أليات دولية للحماية يقتضي بالضرورة انتفاء أليات الانتصاف الجهوية والوطنية، وفي هذا الاطار صدر قرار مجلس الامن رقم 2012/2044 الذي أكد بالدور الذي يلعبه المجلس الوطني لحقوق الانسان وبالاخص لجانه الجهوية من أجل حماية حقوق الانسان، كما أن لجنة التنسيق الدولية تصنف المجلس الوطني ولجانه الجهوية في خانة "أ" كمؤسسة وطنية قادرة على حماية حقوق الإنسان، وأخيرا فالمقرر الخاص المعني بالتعذيب وفي إطار الندوة الصحفية التي عقدها بالرباط أكد "أن المجلس الوطني ولجانه الجهوية ذات مصداقية عالية عالية جدا، ودعا للتعاون معه"، التطور الذي عرفه المجلس أحرج خصوم الوحدة الترابية الذي ما لبثوا يدعون إلى توسيع بعثة المينورسو لمراقبة حقوق الانسان، الشيء لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع بوجود المجلس الوطني لحقوق الانسان، مما جعل عائلات المعتقلين في الندوة الصحفية التي عقدت بالرباط، أن يربطوا بين عدم استقلالية القضاء والمجلس الوطني حيث أكدوا أن الامين العام للمجلس صرح بأن "الاحكام جاهزة" وما عليهم إلا حضور جلسات المحاكمة في حين أن الحقيقة أنه قال "أن ملفهم جاهز" وليست الاحكام وبذلك بشهادات عدة نشطاء حقوقين حضروا اللقاء، بل وصلت أن بعض أشباه المراقبين مسوا بذمة المجلس الوطني لحقوق الانسان بشكل مباشرة.
الضغط على فرنسا لسحب الدعم للمغرب: الديبلوماسية المغربية تراهن بشكل كبير في هذا الملف على فرنسا، باعتبار أن لها امتياز دولي بالحق في الفيتو لدى مجلس الامن كما أنها شريك المغرب في الوضع الاستثنائي معها، جعلت الالة الديبلوماسية الجزائرية تراهن على احراج فرنسا في عدة محطات، بتعبأة عضو مجلس الشيوخ من أجل توجيه رسالة إلى الرأي العام بخصوص"انحياز فرنسا لصالح السياسة المغربية في الصحراء الغربية بالرغم من الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان التي سجلتها المنظمات الانسانية". بل وصل إلى تقديم سؤال شفوي من برلمانية عن حزب أوروب أيكولوجي وزير الشؤون الخارجية " حول استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية" و تمت المساءلة قبيل ايام من زيارة الرئيس فرانسوا هولاند الى المغرب.
وكان أخرها الندوة التي نظمت بمجلس الشيوخ الفرنسي حول "حقوق الانسان بالصحراء الغربية"، وذلك من أجل المزيد من الضغط على فرنسا لسحب دعمها للمغرب، ومن جهة أخرى للتشكيك في مصداقية التقرير الذي يمكن أن تعتمد عليه فرنسا من خلال سفارتها بالمغرب، التي رأت أنها سوف تعتمد على تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان وبالتالي لا داعي بالنسبة لها أن توفد مراقبين من سفارتها.
ختاما: الرمال المتحركة تحت أقدام معتقلي أكديم إزيك، تفرض التعاطي معها من خلال الدوائر الثلاثة ومن جهة أخرى فتح ملف قضية الصحراء المغربية في وجه المنظمات والفعاليات المغربية وعدم جعلها فقط محفوظة لدى الجهات الرسمية. والاعمال الدستور الجديد في أقرب الاجال بما يعني إلغاء المحاكم الاستثنائية التي نص عليهم مع قانون القضاء العسكري.