تمكن الأمير خالد الفيصل وزير التربية السعودي، رئيس مؤسسة الفكر العربي، من إنقاذ المسؤول الأمني الإماراتي البارز من "علقة مغربية" بعد أن هدد شباب مغربي بضربه بسبب جهله بالجغرافيا وعرضه لخريطة تظهر الصحراء منطقة منفصلة عن المغرب. الغريب والطريف في الأمر، أن خلفان الذي يسمي نفسه ب "قاهر الربيع العربي" لم يدرك حتى نهاية المؤتمر السبب في غضب المغاربة وظل مستغربا ومبديا اندهاشه مما يحدث وصيحات الشباب ويتساءل مذعورا لماذا غضبوا؟! ماذا يحدث؟! إلا بعد أن تدخل الفيصل وأمسك بالميكروفون ليعتذر للجميع عما حدث.
فقد أراد نائب رئيس شرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان، توضيح نقاط تناولتها محاضرته في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي، أمس الخميس، في مدينة الصخيرات بالمغرب، إذ أعدها على جهاز كومبيوتر، مرتبط بشاشةٍ كان الحضور يطالعها بانتباه، غير أنه ما إن ظهرت على هذه الشاشة خريطة للوطن العربي أظهرت خطاً يفصل منطقةً بين المغرب وموريتانيا، حتى ثار ضجيج واسع في القاعة، أشعله شبان مغاربة عديدون، كانوا بين الحضور الواسع، في قاعة نيويورك في مركز المؤتمرات.
لم يعرف ضاحي سبب الضجة بداية، وكذلك مدير الجلسة، السعودي إبراهيم الفرحان، الذي طلب الهدوء، وظن أن الشبان يستعجلون المحاضر الإجابة عن أسئلتهم، غير أن الغضب تصاعد، مطالبين بإزالة الخريطة من أمامهم، وثار صياح واسع، يستنكر من مسؤول أمني إماراتي بارز المسّ بوحدة المغرب، ثم تهيّأ هؤلاء الشبان للخروج جماعياً من القاعة في صيحات استهجان عالية، أكدت مغربية الصحراء، كما أن سيناء جزءً من مصر، على ما صرخ أحد الحضور.
ارتبك ضاحي خلفان، ولم يدر سبب هذه الغضبة المباغتة، والتي قطعت محاضرته التي كان يؤشر فيها إلى مسبباتٍ تمسّ الأمن في البلاد العربية، منها البطالة ورداءة التعليم. أُزيلت الخارطة التي لم يكن ذلك الخط الفاصل بين المغرب ومنطقة أعلى موريتانيا فيها واضحاً تماماً، غير أن خريطة أخرى ظهرت، تالياً، في زمنٍ لاحق من المحاضرة، بدت الصحراء المغربية (الغربية بتعبير الأممالمتحدة) أكثر وضوحاً، فاشتعل الضجيج أعلى، مطالبين المحاضر بالاعتذار عن "إساءته الشنيعة" للمغرب.
لم يدرك خلفان خطورة الأمر، وظن أن شيئا من اختلاف في الرأي معه يحدث، غير أن هول الاستنكار الكبير من رؤية عشرات الشبان المغاربة بلدهم مقسما، ومقتطعا منه، أمامهم، في خريطة يشاهدها ضيوف بلدهم في مؤتمر واسع، كان قوياً، لم تفلح في تهدئته إزالة الخريطة الثانية من أمام عيون الجميع.
اعتذر ضاحي خلفان عن الخطأ غير المقصود، وقد بدا عليه حرج شديد، إلا أن مستمعيه لم يلحظوا لديه أنه أدرك جيدا فداحة الخطأ الكبير، حيث إن حساسية المغاربة شديدة جدا بشأن مغربية الأقاليم الصحراوية، ولا يتسامحون مع أي استخفاف بذلك. اعتذر الرجل ثانية، وجرى التصفيق له في القاعة.
ثم وجد رئيس مؤسسة الفكر العربي، الأمير خالد الفيصل، وهو وزير للتربية والتعليم في الحكومة السعودية، نفسه مضطرا لتدخل إيجابي، لتهدئة الخواطر، وللملمة هذا الحدث المباغت، فوقف وحيا الحضور، وهنأ الشباب المغربي في القاعة على "الروح العربية الواحدة"، وأكد عدم تقصد المحاضر ضاحي خلفان شيئاً يسيئ للمغرب والمغاربة، وأكد، أيضا، احترام المؤسسة التي يترأسها المغرب وشعبه ووحدة أراضيه.
وكان قائد شرطة دبي السابق قد هيّأ لمشاركته في المؤتمر جيدا، وأراد أن يكون لها صدى طيباً، ولا سيما أنه، من بين أكثر من سبعين مشاركاً في جلسات المؤتمر وندواته، خصصت جلسة له وحده، غير أن الغضب المغربي الكبير، جراء استخدامه خريطتين مسيئتين للمغرب، أجهز على المحاضرة، وما طرح فيها، حتى أن الأسئلة والتعقيبات التي بادر إليها بعض الحضور، بعد نهاية المحاضرة، وتوجهوا بها إليه، ظلت تلح على فداحة هذا الخطأ، وقد تحدّثت شابة مغربية عن وجوب التدقيق جيداً في مثل هذه الأمور، ولا سيما أن المحاضرة شددت على تكاتف العرب وتعاونهم في معالجة قضاياهم. كما أن العنوان المركزي للمؤتمر هو "التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم"، وهو السنوي الثالث عشر لمؤسسة الفكر العربي، (مقرها بيروت).
ولم تكتف المؤسسة بتوضيح رئيسها، الأمير خالد الفيصل، فقد بادر، أيضا، مديرها العام، هنري العويط، إلى التوضيح أمام الحضور، وكان منهم وزراء وسفراء وفاعليات مغربية رسمية، وناشطون اجتماعيون وحقوقيون وحزبيون مغاربة، أن المؤسسة تقدر عاليا الشعب المغربي، وتؤكد أن ضيفها، ضاحي خلفان، لم يقصد شيئاً يذهب باتجاه المسّ بالمغرب وشعبه، ولمرة رابعة، بادر خلفان إلى تأكيد اعتذاره وأسفه عن الخطأ الذي لم ينتبه إليه.
وساهمت حزمة الاعتذارات هذه في تطييب خواطر المغاربة الحاضرين، وفي تجاوز هذه "الورطة" التي وجد الفريق ضاحي خلفان نفسه فيها، وأبعدت الاهتمام عمّا قاله في محاضرته التي تخللها عرض فيديو قصير لمداخلة مسجلة في برنامج حواري في تلفزيون "المستقلة"، يحرّض المتحدث فيها على العراق ودول الخليج، تعبيرا عن طائفية ولاؤها لإيران، الأمر الذي وجده قائد شرطة دبي السابق دليلا على واحدة من جملة تحدياتٍ أمنيةٍ تهدد البلاد العربية.