صدرت فتوى، وهناك من يتحدث عن مجرد رأي، عن المجلس العلمي الاعلى، وذلك بطلب من المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان، في إطار على إعدادها للتقرير الوطني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حول حرية المعتقد بالمغرب، فكان الجواب هو: "قتل المرتد"، وبعد ذلك كتب الشيخ الحسن الكتاني على صفحته بالفيسبوك "الجهاد بالنفس والمال" على المفكر المغربي "أحمد عصيد"، بسبب كتاباته وأراءه حول "التجديد الديني، الذي رأى فيها السيد الكتاني تهكما على النبي والاسلام، وكانت دعوته مبطنة لجواز "القتل". ويتابع الشيخ "النهاري" أمام محكمة مدينة وجدة بتهمة التحريض على القتل، بعد أن قال "اقتلوا من لا غيرة له"، وذلك على ضوء النقاش الجاري بخصوص الحريات الفردية، وخاصة العلاقات الجنسية الرضائية.
فبالعودة الى الثقافة الاسلامية، فهي قائمة على علاقة الشيخ بالمريد، وهي علاقة تربط الجماعة بعلاقة عضوية لا تحتاج الى رابطة قانونية، بقدر ما تكون الاقتناع بمضمون الفتوى و"الثقة" العمياء للشيوخ.
في ظل هذه العلاقة، تجعل الفتوى أو الرأي يخرج من دائرة الاجتهاد الفردي الذي قد يخطأ أو قد يصيب، الى "الامر" للاتباع ببلوغ أعلى مراتب الاسلام وهي الجهاد.
إذا ما علمنا أن أغلب منفذي الفتاوى ينتمون في التجربة المغربية، بعد أحداث 16 ماي بالدار البيضاء، الى طبقات اجتماعية معينة، تعاني التهميش والفقر والاقصاء الاقتصادي، فإن طبقة مهمة وخاصة منهم الشباب، يتحولون الى وقود نار "الجهاد".
خطورة هذه الفتاوى أو الاراء في اللحظة الراهنة في المغرب، هي أنها صادرة من جهتين مختلفتين: جهة رسمية ويمثلها المجلس العلمي الاعلى، وجهة أخرى غير رسمية وهي أحد الدعاة أو شيوخ السلفية في المغرب، أي إطار مؤسساتي وأخر غير مؤسساتي، وحركة 20 فبراير أظهرت أن هناك شباب مغربي مندمج في مؤسسات الدولة ويقبل بتوصياتها وملاحظاتها، وشباب أخر غير مندمج في هذه المؤسسات ويشتغل وفق أدوات وأليات على هامش الدولة، داخل الجماعات أو التيارات السلفية.
مما يعكس أن أصحاب الاراء والمواقف الفكرية التي تخالف التوجه "الاسلاموي" الذي يرى في الاسلام حل لكل شي ويجيب على كل شيء، غير محصنة وغير محمية، ومهددة من كل الجوانب المجتمعية والمؤسساتية.
إن الدولة عموما، هي رزمة من العلاقات القانونية التي تنظم التعايش والتدافع بين المواطنات والمواطنين، وفي حالة أصبحت هذه القوانين غير قادرة على تأطير الحياة العامة يتم تعديلها أو حذفها، أم الفتوى فهي منتوج "شاذ" داخل مؤسسات الدولة، ويخل بالتوازنات الاجتماعية، لأنها تناصر مجموعات على حساب مجموعات أخرى.
الدستور الجديد للمغرب حصر مجال الدين وحمايته في أمير المؤمنين، والملك بمقتضى الفصل 41 من الدستور هو رئيس المجلس العلمي الاعلى، ويمارس الافتاء بمقتضى ظهائر بناء على مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة.
وسبق للملك محمد السادس أن سئل عن معنى "إمارة المؤمنين" في جريدة "لوفيغرو" سنة 2002، وقال أنه "أمير المؤمنين" وليس فقط أمير المسلمين، ومن المؤمنين اليهود والنصارى، وبالعودة للفصل 41 فهو ضامن للممارسات الدينية لكافة هاته الطوائف.
إن ما أصدره المجلس العلمي الاعلى والشيخ النهاري والشيخ الكتاني، يزاحم اختصاصات الملك ومجاله الحصري بالمطلق، وهو الافتاء.
قد تكون خطبة الجمعة التي حضرها أمير المؤمنين بمسجد "أحد" بمدينة أسفي بتاريخ 19 أبريل 2013، حيث أكد الامام الخطيب أن: "الإنسان حر لأنه لو لم يكن كذلك لما كان مسؤولا عن أعماله٬ موضحا في الوقت ذاته أن حرية الإنسان لا تعني أن أفعاله غير مخلوقة من الله تعالى" وأضاف "مقام الحرية في الإسلام يبلغ في الأهمية وسلم الأولويات مقام الحياة، التي هي اجتماع علاقة الإنسان بكينونته في هذه الدنيا٬ وذكر بالحريات الفردية والجماعية التي قررها الإسلام، كحرية التدين والاعتقاد وحرية الرأي والتعبير٬ وحرية التمليك والتملك" إلا أن ذلك يبقى مجرد اجتهاد فقيه، حاول أمام أمير المؤمنين الرد على الخرجات الاخيرة التي تدعو الى قتل المرتد، ويبقى الاساس هو إعمال قوانين تضمن حرية التدين والاعتقاد، وتضرب على "يد" كل من سولت له نفسه الاعتداء على الاخرين، وخاصة بتجريم الافتاء والاراء المحرضة على القتل، وما دون ذلك يبقى في إطار حرية الرأي والتعبير، سواء من منطلق ديني أو منطلق حقوقي أو منطلق فلسفي...
فهذه الاراء والفتاوى لاتهدد فقط حياة السيد "أحمد عصيد"، بل تهدد كيان الدولة ككل، وتماسك المجتمع.