تلقيتُ من السيدة السعدية الفضيلي رسالة عبر جريدة إلكترونية، تطالبني فيها بتوضيح موقفي من القضية الفلسطينية، ومن مواقف بعض المناضلين الذين يناصرون إسرائيل علنا ويقفون ضد الحق الفلسطيني، بعد أن اطلعت السيدة في بعض المواقع الإلكترونية على ما اعتبرته "دعوات موجهة ل"إسرائيل" من أجل "إبادة العرب"، مما يدلّ حسب تعبيرها على " توظيف بعض الصهاينة لهذا الخطاب البرئ والتخفي خلفه للدعاية للصهيونية". وفيما يلي جوابنا على الإشكال المطروح: من الناحية المبدئية ترمز الأمازيغية إلى قيم الحرية والمساواة والعدل، بينما ترمز الصهيونية إلى الإحتلال والعنصرية والعنف، وهذا في حدّ ذاته كاف للإجابة على أسئلة السيدة المحترمة السعدية الفضيلي. عندما يتعلّق الأمر بالأشخاص أو بالتنظيمات فإن باب الإختلاف في القضايا السياسية مفتوح ومُشرع إلى أقصى مدى ممكن، وليس لنا إلا أن نحترم المواقف المختلفة، من حيث هي آراء سياسية مبنية بلا شك على تحاليل مختلفة ( شرط ألا تبلغ هذه المواقف حدّ التضحية بالمبادئ الإنسانية والمس بالكرامة ) لأن الرأي في هذه الحالة يصبح موقفا مؤازرا للإعتداء ومساندا للظلم. وكلما نأينا بأنفسنا عن الإستعمال المتسرع لنظرية المآمرة، كلما سنحت لنا فرصة فهم الآخر بشكل أفضل.
إن المشكل الذي عانت منه الحركة الأمازيغية على مدى عقود، هو أنها ظلّت موضوع محاكمة من قبل تيارات إيديولوجية تستلهم بدرجة كبيرة المرجعية المشرقية، وتتأثر بالإيديولوجيات السياسية التي نشأت في خضمّ الصراع بالشرق الأوسط، مما جعل فهم ومقاربة القضايا السياسية لتلك المنطقة الملتهبة مرتبطا لدى معظم التيارات السياسية والمدنية المغربية بمنتجي الخطاب السياسي الثقافي المشرقي وبمرجعياتهم. ولقد ظلّ المغاربة مستهلكين لخطاب جاهز في الوقت الذي كان بإمكانهم، بحكم المسافة الفاصلة التي تسمح بالتفكير، إبداع مواقف أكثر عمقا وواقعية، غير أنه يبدو أنّ الفاعلين المغاربة كانوا منخرطين بالمطلق في الإيديولوجيتين المشرقيتين: القومية العربية والإسلام السياسي، مما جعلهما مجرد أصداء للأصوات الشرقية، فالقومي العربي بالمغرب يتحدّث تماما كالنظام السوري البعثي أو كالنظام العراقي سابقا أو كالقذافي، والإسلامي المغربي أصبح ممثلا ل"حماس" بالمغرب أو ل"حزب الله". يجعلنا هذا نفهم أسباب التباس الخطاب الأمازيغي حول القضية الفلسطينية، فالفاعلون الأمازيغيون الذين دافعوا دوما عن خصوصية وطنية وشمال إفريقية لم يكونوا يستطيعون من جهة تكريس نفس الخطاب المساند لفلسطين أو العراق الذي تروجه التيارات المذكورة، لأنه في النهاية يصبّ في تكريس الإنتماء القومي العربي الإسلامي للمغرب وتغييب هويته الأصلية، و من جهة أخرى لم يكن باستطاعتهم إنكار الحقّ الفلسطيني اعتبارا لمساندة الحركة الأمازيغية المبدئية لكل الشعوب المضطهدة والمحتلّة. نتج عن ذلك وعي الحركة الأمازيغية بضرورة بناء موقف وسط يتمثل في مساندة الشعب الفلسطيني مساندة مبدئية لكن من منطلق إنساني واضح، ومن خارج الخطابين القومي والإسلامي، واعتبار إسرائيل دولة احتلال إلى حين قيام الدولة الفلسطينية المستقلّة، مع مساندة السلطة الفلسطينية الموقّعة لكل الإتفاقيات في إطار الشرعية الدولية، وعدم مساندة مغامرات "حماس" الإنتحارية الرامية إلى إقامة دولة دينية قهرية في المنطقة، والتي لا يمكن معها حلّ الصراع العربي الإسرائيلي وتحرير الأرض. هذا الموقف الديمقراطي والإنساني هو الموقف الصحيح للتنظيمات الأمازيغية، ومن غير المستساغ إسناد المواقف الشخصية التي يعلنها بعض الأفراد وبأسماء مستعارة وهويات مجهولة إلى الحركة الأمازيغية ككل، فمن سلبيات النقاش على الأنترنيت غياب الشعور بالمسؤولية بسبب التستر وراء الأسماء المستعارة، مما يجعلنا ملزمين بعدم أخذ تلك المواقف بعين الاعتبار، وعدم إسنادها إلى الحركات والتنظيمات التي لها مواقف واضحة ومعلنة