بعد مرور خمسة أشهر على انتخابه رئيسا للجمهورية المصرية ما بعد ثورة 25 يناير التي رحَلت حسني مبارك، وجد الرئيس محمد مرسي نفسه وجها لوجه أمام بعض من السلاح الذي استُعمل في إسقاط مبارك، إنه "ميدان التحرير" وفعل "ارحل". تهمة مرسي تتلخص في إصداره ل"إعلان دستوري يحصن به قراراته ضد الرقابة القضائية كما يحصن الجمعية الدستورية لوضع الدستور ومجلس الشورى اللذين يهيمن عليهما الإسلاميون".
طبعا وضع مرسي ليس صورة طبق الأصل لوضع حسني مبارك ونظامه، فهذا الأخير أُسقط لأنه استنفد صلاحياته واحتياطه من المشروعية الشعبية، ولم يعد فاعلا في مخططات أمريكا لإعادة صياغة الشرق الأوسط الكبير.
رغم القيمة النوعية لرافعي فعل "ارحل" في وجه الرئيس مرسي، لأنهم قضاة، ومحامون وصحافيون، ومفكرون، وشباب متشبع بالثقافة الأمريكية، إلا أن مرسي وإخوانه لن يواجهوا حراك "الجزيرة"، وحراك الشيخ القرضاوي، و"أنا الشعب..لا أعرف المستحيلا" لأم كلثوم، وحفريات "الصحافي" أحمد منصور من تحت أرضية "ميدان التحرير".
مرسي وإخوانه في مصر، والغنوشي وإخوانه في تونس، مطالبون بالتصرف بعقلية رجال دولة تعيش في القرن الواحد والعشرين، دولة من اللازم أن تُسير بمنطق يضمن استقلاليتها وهبتها وسيادتها، وأيضا انفتاحها الفعال على المجتمع الدولي.
تسيير شؤون دولة ما لا يحق أن يُعتمد فيه على النظرة الخاصة بجماعة أو تنظيم سياسي بعينه، مصر ليست هي جماعة "الإخوان المسلمين"، وتونس ليست هي جماعة "النهضة"، وليبيا ليست هي "بقايا تنظيم القاعدة". فهذه التنظيمات هي من كانت وراء فعل "ارحل" المرفوع في وجه مبارك وبن علي والقدافي، واليوم تواجه جماعة "الإخوان المسلمين" الفعل نفسه لأنه فعل أمر مبني للمجهول، ولم يكن الشعب نائب فاعله، لأن الشعب بمعناه الحقيقي لم يقل يوما "ارحل".
صحيح أن كل تغيير سياسي لابد له من نخبة تقوده ومن خلاله تكون مؤطرا للشعب لتحقيق التغيير، لكن ما أن يتحقق المراد، تتنكر النخبة "قائدة الثورة" للشعب كل الشعب، وتكشف عن حقيقتها وتستعمل نفس أساليب النظام السياسي الذي أسقطته باسم الشعب لتثبيت أقدامها في الحكم. مشكل النخب قائدة الثورات في بعض الدول العربية أنها متسرعة في تنزيل إيديولوجيتها ضدا على الشعب، والمحيط الإقليمي والدولي. بهذا المنطق وهذا الشكل ستبقى كلمة "ارحل" فعل أمر مبني للمجهول ونائب فاعله نخبة ما تتحين الفرصة للعبث بالدولة وبالأمة.