يوما بعد يوم أزداد إعجابا بإدريس لشكر، فهذا الزعيم له أفكار جهنمية، ويفاجئني دائما من حيث لا أتوقع. طبعا، هناك مغرضون من داخل الحزب يشوشون على الرجل، ويسعون بكل الطرق إلى دفعه إلى ارتكاب الأخطاء، وإلى النيل منه، لكنه قوي وصلب ومدهش وخرج من الصناديق، وآخر أفضاله علي وعلى المغاربة، أنه ذكرنا بمنظمة عتيدة اسمها اتحاد كتاب المغرب. فمن كان منا يظن أن اتحاد كتاب المغرب مازال حيا يرزق، ولديه رئيس محترم وأعضاء، ولولا ادريس لشكر لما انتبهنا إلى ذلك. في كل مرة يفاجئنا ادريس لشكر ويأتي بشخص كنا نعتقد أنه شبع موتا، ويبعث فيه الروح في معجزة من معجزاته الكثيرة، ويجلسه في مقعد أو يضعه أمام منصة، ويجعله يتكلم ويتحدث عن الديموقراطية والحرية والمواطنة. وما يجعلني أقدر ادريس لشكر أكثر أنه لا يتعامل إلا مع الموتى، وفي خصام دائم مع كل الأحياء، يبحث عن الراحلين ويأتي بهم إلى مقر الحزب، ويقوم بتكريمهم ويستحضر معهم الماضي الجميل ولحظات القوة. نادرا ما استوعب شخص حي أن ادريس لشكر هو رجل المرحلة، بينما الموتى يتفقون على حكمة الكاتب الأول، ينتظر أن يسلموا الروح، ليعقد معهم الشراكات والتحالفات، وينسق معهم لبناء المجتمع الحداثي والديمقراطي ودولة المؤسسات. وبفضل ادريس لشكر دخلت إلى موقع اتحاد كتاب المغرب الإلكتروني، ووجدته مملوءا عن آخره بأخبار النعي، ووجدت رئيسه عبد الرحيم العلام مكرما في كوريا وينسق مع الصينيين ويحصل على التقدير من الأشقاء الصرب، ويفتخر بأنه تجاوز منافسه بثلاث مرات في ما يخص عدد الأصوات. ولأني لم أكن أصدق في البداية أن اتحاد كتاب المغرب مازال حيا يرزق، نقرت اسمه، فخرج لي الموقع، وطلب مني النقر مرة ثانية على كلمة دخول، فطرقت الباب ودخلت متهيبا، لكني لم أجد أحدا في الداخل، وكل ما عثرت عليه مجرد أنشطة قديمة، وصفحات غير محينة، وخبر عاجل عن جوائز سنة 2013، وللأسف وجدت العث يغطي وجوه كتاب محترمين، وضعهم اتحاد كتاب المغرب في الموقع، ونسيهم داخله، دون أن يهتم بوضعهم الاعتباري، كنخبة مثقفة تستحق الدعم والعناية. وكي أصدقكم القول، فإني لم أعثر على أثر للحياة، ولا أخبار في اتحاد كتاب المغرب إلا عن الموتى، ولولا أني رأيت عبد الرحيم العلام في ندوة الاتحاد الاشتراكي وقرأت كلمته، لقلت إني في عالم مفارق، لكن عبقرية ادريس لشكر تجلت هذه المرة أيضا، في جعل الموتى ينطقون. لقد خاطب ادريس لشكر في الندوة اتحاد كتاب المغرب، وهذا دليل على أن تلك المنظمة العتيدة مازالت حية، وتحدث إلى عبد الرحيم العلام عن الأفق الاشتراكي الديمقراطي للحزب ، وقال للكتاب أنه يظن أنهم جميعا لا يخرجون عن هذا الأفق، وهو ما يعني أن كل كاتب مغربي هو اشتراكي بالضرورة، رغم أن عبد الرحيم العلام ليس كذلك، لكنه لم يعقب ولم يدافع عن أعضائه المحافظين والليبراليين والرجعيين والفوضويين، وهو أمر مفهوم عادة، في الشراكات التي تتم مع الموتى. يتهم خصوم الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بأنه يكن عداء كبيرا للمثقفين، وها هو يرد عليهم باستضافة عبد الرحيم العلام، الذي يقدره الكوريون الجنوبيون والصرب، والذي قاد انقلابا أبيض على الرئيس السابق، ليحول تلك المؤسسة لجمعية متخصصة في النعي وتقديم التعازي. لقد كان اتحاد كتاب المغرب في عز قوته بمثابة مخزن ثقافي، وكان يسيطر عليه الاتحاديون والاستقلاليون، ويقتسمونه في ما بينهم، ولم يكن يوما ديمقراطيا ولا منفتحا، وكان مستقلا عن السلطة لكنه كان حريصا على تقليدها في قمع كل مبدع مختلف وتهميشه، وقد اعتقدنا جميعا أنه شبع موتا، قبل أن يذكرنا ادريس لشكر به، بعد أن لفظه الحزب في وقت سابق ولم يعد في حاجة إليه، وها هو الآن يظهر مثل معجزة. حقا، ادريس لشكر زعيم ذكي، ولذلك لا يريد أن ينتبه إلى المغاربة الأحياء، ويستعين دائما بالموتى، لأنهم غير مزعجين ولا يطلبون إلا الاعتناء بقبورهم، وبمنظمة لم تستطع حتى تحيين موقعها الإلكتروني، فما بالك بتحيين المجتمع ونشر قيم المواطنة والحداثة. كثيرون لن يصدقوا أن اتحاد كتاب المغرب مازال موجودا، وأنه مازال يبحث عن دور في الحياة، وأن له رئيسا وأعضاء، بعد أن صارت القصائد والقصص تنشر في الجدران، وبعد أن أصبحت أصغر جمعية ثقافية في المغرب أكثر تأثيرا ومصداقية واشتغالا من منظمتنا العتيدة، وسيتعجبون من هول المفاجأة ويبحثون عن هذا الاتحاد في الفيسبوك وفي غوغل دون جدوى، وفي نهاية المطاف سيقتنعون ويفغرون أفواههم، وتدريجيا، سوف يغيرون من نظرتهم للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، وسيعجبون به وبقدرته الخارقة، فالموتى أجمل ولا يختلفون معك، ولا يصدعون رأسك بالتيارات ولا بالنقد، وأفضل بكثير أن تتصالح معهم على التصالح مع حزبك، وإذا كتبوا كتبا ونشرها اتحاد كتاب المغرب، فعناوينها غريبة، ولا تعنيهم إلا الميتا سياسة والميتا قصة، والدعم والوضع الاعتباري، أما ما يحدث في المغرب الآن والتحولات الطارئة ونظرة الشباب اليوم للثقافة وكيف يفكرون وما هي مطالبهم، فهذه أفكار هدامة ونيو ليبرالية ورجعية، ويحاربها ادريس لشكر وعبد الرحيم العلام، الذي أدهش الآسيويين، بينما يهمله المغاربة، الذين من عادتهم أن يتنكروا لبعضهم البعض، ويبخسون منظماتهم العتيدة، ولا يؤمنون بأدوارها الطلائعية، وينشرون الشائعات المغرضة حولها، ويدعون أنها ميتة ولا نفع يرجى منها ولا حاجة لأي كاتب بها.