الموسيقى لغة إنسانية أخرى غير لغة الكلمات، ولهذه اللغة عديد من الوظائف البيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية، نكتفي بذكر سبع منها في ضوء ما ذكره عالم الأنتروبولوجيا"آلان ميريام" A.Meriam و هي كما يلي : 1. التعبير الانفعالي و العقلي : فالموسيقى وسيلة مهمة في التعبير عن الانفعالات و التنفيس عنها، وكذلك التعبير عن الأفكار و تجسيدها. 2. الاستمتاع الجمالي : فالخبرة الجمالية المصاحبة للموسيقى هي من أعمق الخبرات الجمالية الإنسانية. 3. الترفيه : حيث يشيع استخدام الموسيقى للتسلية و المتعة في عديد من المجتمعات الإنسانية. 4. التواصل أو التخاطب : ذلك باستخدام وسيلة أخرى غير اللغة للتخاطب و نقل الانفعالات داخل مجتمع بعينه، أو عبر المجتمعات الإنسانية. 5. التمثيل الرمزي : حيث توجد بعض التعبيرات الرمزية في النصوص المكتوبة للأغاني، و بعضها الآخر في المعاني الثقافية للأصوات، و بعضها الثالث في تلك الرمزية العميقة المرتبطة بالخبرة الإنسانية، و تستخدم الموسيقى للتعبير عن كل هذه الجوانب و تجسيدها. 6. الاستجابة الجسدية : فاستخدام الموسيقى من أجل الرقص، ومن أجل مصاحبة بعض النشاطات الجسمية العديدة، كالألعاب الرياضية مثلا، هو أمر شائع عبر العالم. 7. تحقيق المصداقية للمؤسسات الاجتماعية و الطقوس الدينية : يتجسد ذلك في الاحتفالات الوطنية و المناسبات الدينية على نحو خاص،وهناك وظائف أخرى للموسيقى، فهي قد تستخدم كخلفية صوتية في المطارات و المطاعم و محلات التسويق و المكاتب، و خلال الاسترخاء، أو مطالعة الدروس، وفي عيادات بعض الأطباء، و غير ذلك من المواقع و المرافق. لقد احتلت الموسيقى منذ أقدم العصور، مكانة خاصة عند مختلف الشعوب والحضارات، وكانت تعتبر الركيزة الأساسية لتظاهراتهم الوطنية، والخاصة والدينية، وقد كان للموسيقى الدينية حظ الأسد مقارنة مع الجوانب الأخرى، مما أدى إلى تأخر ظهور الموسيقى الدنيوية في المجتمع المسيحي إلى حدود القرن التاسع الميلادي، ولم يتم الإعتراف بها رسميا إلا مع بداية القرن الثاني عشر. ومن الأمثلة الكثيرة على استعمال الموسيقى في المجال الديني عند الشعوب القديمة، نذكر الأناشيد والتراتيل التي كان يؤديها الكهنة الفرس أثناء تقديم الذبائح للآلهة، هذه الذبائح التي تعتبر ملغاة دينيا وشرعا إذا لم ترافقها هذه الأناشيد والتراتيل، وهناك ممارسة مماثلة عند قدماء المصريين خلال تقديمهم للقرابين، وأخرى عند السماريين الذين يربطون ممارساتهم الدينية بكل الفنون، ونفس الشيء عند المجتمع الصيني والهندي واليوناني ومختلف الشعوب القديمة الأخرى، وفي الثقافة البدائية، يلاحظ الاستخدام الأكثر اتساعا للموسيقى، في علاقتها بالعادات الطقسية، حيث يرتدي المعالجون والكهنة أثوابا وشعارات وأقنعة خاصة وكل ماشابه ذلك من أجل المشاركة في"العالم الآخر" أي عالم الخوارق، وهذا ما ينبغي أن تكون عليه الحال بالنسبة لصوت المتكلم ، فهو ينبغي أن يكتسي نبرة خاصة، نغمة غير طبيعية كي يتوازى مع تلك الطقوس السامية، إن هذه الأحداث لهذه الحالة غير العادية من النطق الإنساني الخاص هو أصل الغناء، ومادام هناك اعتقاد بأن الكلام المنغم الموجود في الغناء هو لغة الآلهة والشياطين، فلابد أن يتبنى البشر الذين يرغبون في استحضار الآلهة أو الشياطين أو التوسل لهم ما يشبه كلامهم. و ممارسة هذا النوع من النشاط منتشرة، على نحو كبير عبر العالم خاصة في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، وهي تظهر في أيامنا هذه على نحو متزايد في بعض مناطق أوروبا، فهي تظهر مثلا"عيد العنصرة" عند المسيحيين، وأيضا في ذلك الإنبعاث للإهتمام بالسحر، وكذلك تلك النزعة الروحية Spiritualisme الموجودة لدى البعض هناك في أوروبا، ويأخذ هذا الإهتمام عادة شكلا من الأداء الجماعي الذي يتم من خلال الرأس ودق الطبول والغناء والصراخ والحركات الجسمية الهستيرية، والأداءات الصوتية شبه الصرعية. وأهم مايثير الإنتباه، هو اعتماد المجتمع الغربي إلى اليوم على الموسيقى بشكل ملفت في طقوسه الدينية، ونجد جذور هذا التقليد بعد المرحلة القديمة في مرحلة القرون الوسطى التي قام المسيحيون خلالها بتنظيم غنائهم الديني بداية بالغناء الإمبروزي Le chant ambresien ومرورا بالغناء الجريجورياني Le chant grégorien ووصولا إلى القداسات Les messes والتراتيل الجماعية Les motets بعد تقنينها والتي لازالت إلى يومنا هذا عماد هذه الطقوس. أما المجتمع الإسلامي فتتمثل هذه الممارسة لديه بالخصوص في الآذان وترتيل وتجويد القرآن والأمداح النبوية...ويعتبر المغاربة من المجتمعات الإسلامية التي ساهمت بشكل فعال في تطوير الموسيقى الدينية. ويتجلى ذلك في ظهور الفرق الصوفية في مختلف جهات المغرب وفن المديح والسماع، إضافة إلى نوبة رمل الماية في الموسيقى الأندلسية والقصائد الدينية التي تغنى بها فن الملحون. فقط يجب التمييز في الموسيقى الدينية بين الموسيقى الطقوسية La musique liturgique وهي التي تؤدى بها الطقوس الدينية وتتمثل في القداسات والتراتيل الجماعية وتجويد القرآن، والموسيقى الروحانية La musique spirituelle وهي التي يكون موضوعها دينيا لكن لا تؤدى بها الطقوس الدينية أي الصلوات وتتمثل في الكنتاتا La cantate والأوراطوريو L'oratorio وفن السماع والمديح.