ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعليل الأحكام في الشريعة


بقلم : خليل القواق_أبو جهاد
توطئة :
بسم الله الرحمن الرحيم,والحمد لله رب العالمين رب العرش الكريم,القائل في كتابه الحكيم "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وانكم إلينا لاترجعون"أحمده تعالى حمدا كثيرا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه,الحكيم لاإله إلا هو إليه المصير.
وأصلي وأسلم على سيدنا وحبيبنا وقرة أعييننا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.القائل في سنته "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرء مانوى" أما بعد :
فهذا مبحث متواضع لموضوع "تعليل الأحكام" حاولت فيه التطرق لهذا الموضوع محاولا بإذن المولى جل جلاله تبيينه وقول العلماء من أئمتنا فيه وذكر مواطن إختلافهم ومناقشتها.هذا مع محاولة الخروج بخلاصة للموضوع.ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يفتح أفئدتنا وأبصارنا للوقوف عند الحق.
ثم أما بعد :
إن من حكمة الله تعالى أن جعل شريعته التي أنزل لعباده ميسرة سهلة,"ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مذكر" وجعل فيها سبحانه وتعالى مواطن للتدبر والتفكر "أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها" وهذا التدبر والتفكر يقتضي إعمال العقل والذي جعل الله فيه خاصية التمييز وجعل فيه قابلية الإدراك,ومن جوانب هذا الإدراك,إدراك السبب والمسبب,وإدراك علل الأمور,وإدراك مايضر وماينفع.
"ولهذا شاءت قدرة الحكيم أن لايجعل شرعه بعيدا عما فطره في عقول البشر من إكتشاف العلاقات بين الأشياء وأسبابها,أو التشابه بين الأمور ونظائرها لتقوم الحجة على العقل بالنص,وليتمكن العقل من إدراك حكمة النص والمقايسة عليه بعد بذل الجهد ضمن مايشرعه الله "1
ولهذا فقد جاءت أحكام الشريعة الإسلامية معللة مربوطة بأسبابها,وقد تكون العلة مما أخبرنا الشارع به,أو قد تكون مما تدركه عقولنا بالإجتهاد,وربما تخفى بعض العلل مما إستأثر الشارع بها,لتحقيق العبودية والطاعة الكاملة لله –عز وجل- من دونما حظ للعقل المحدود فيها" 2
ويستشف مما سبق بأن جعل أحكام الشريعة معللة إنما هو تخفيف من الله ورحمة لعباده,حتى يبنوا على علل الأحكام الوارد فيها نص أحكاما أخرى لأمور لم يرد فيها نص,وهذا مايعرف بالقياس وهو باب عظيم من أبواب الإجتهاد في الفقه الإسلامي وأصل عظيم من أصوله,حيث أنه ومن خلال القياس تبقى الشريعة مستمرة متجددة ومتطورة ضمن ماشرعه الله لعباده.
والعلل كما أورد صاحب التعريف.قد تكون صريحة في القرءان بالنص أو في حديث رسول الله.كما سيأتي بيانه بإذن الله,وقد تكون هذه العلل مما يدرك بالإجتهاد.أو قد تكون عللا غير معلومة ككثير من الأحكام التي أنزلها المولى عز وجل ولا نعرف الحكمة منها وهذا إنما هو إختبار للمرء على كمال طاعته وإنقياده لأوامر ربه سواء التي أدرك أو التي لم يدرك,شعاره في ذلك "سمعنا وأطعنا"
وتعليل الأحكام قد يكون لأجل القياس وقد يكون لغير ذلك بأن يبحث المجتهد في الحادثة المستجدة عن معنى يصلح مناطاً لحكم شرعي يحكم به بناء على ذلك المعنى وهو المسمى عندهم بالاستصلاح أو بالمصالح المرسلة أو بأن يبحث عن علة الحكم المنصوص لبيان حكمته.
المحور الأول :
1- تعريف العلة :
وقد عرفها إبن تيمية بأنها بيان وجه الحكمة والمصلحة والعلة في الحكم الشرعي, حيث قال : "وقد تكلم الناس في تعليل الأحكام الشرعية والأمر والنهي,كالأمر بالتوحيد والصدق والعدل والصلاة والصيام والحج,والنهي عن الشرك والكذب والظلم والفواحش,هل أمر بذلك لحكمة ومصلحة وعلة إقتضت ذلك ؟ أم ذلك لمحض المشيئة وصرف الإرادة ؟ وهل علل الشارع بمعنى الداعي والباعث ؟ أو بمعنى الأمارة والعلامة ؟" 3
ويعتبر تعريف إبن تيمية هذا للعلل تعريفا جامعا مانعا,حيث بين أن مسألة تعليل الأحكام في الشريعة إنما وجدت لبيان الحكم والمصالح,مع ذكره لمواطن الإختلاف بين العلماء والفرق في هذه المسألة ,حيث أن فريقا منهم قال بأن تعليل الأحكام في الشريعة جاء على جهة الوجوب ومنهم من رأى غير ذلك وقال بأنها جاءت على سبيل التفضيل ومنهم من إعتبر أن تعليل الأحكام جاء بمعنى الأمارة كالشافعية,وهذا ماسيتبين لنا إنشاء الله فيما بعد في باب أقوال أصحاب الفرق في مسألة التعليل.
وللعلة إطلاقات أخرى,فمصطلح العلة يطلق أيضا بالمعنى المرادف لمقاصد الشارع,ويراد بها الحكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر والنواهي.وبالتالي فإن الذين عللوا الأحكام عللوها بالمصالح، ومقصد الشارع هو جلب المصالح، وبذلك يكون معنى تعليل الأحكام بيان مقاصدها. 2- تعريف الحكم :
الحكم لغة : (القضاء...والحكم أيضا الحكمة من العلم)4.وقيل إضافة إلى ذلك : (العلم والتفقه)5 .لقوله تعالى : "وأتيناه الحكم صبيا"6 .أي علما وفقها 7 .
وكذلك أورد صاحب اللسان : (الحكم : العلم والفقه والقضاء بالعدل ومنه الحديث "الخلافة في قريش والحكم في الأنصار" ) 8 .ومن مشتقاتها المهمة الواردة في القرءان الكريم الحكم بمعنى الحاكم لقوله-تعالى- : "أفغير الله أبتغي حكما " 9 .
وكذلك حكَّمَ أي جعل حكما لقوله-تعالى-: "فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم"10.
أما إصطلاحا فقد تعددت التعاريف لمصطلح "الحكم" ولم أجد أعم ولا أشمل من هذا التعريف.
الحكم هو : "خطاب الله المتعلق بفعل المكلف إقتضاءا أو تخيييرا أو وصفا " 11 .
3- أمثلة التعليل في القرءان والسنة وعند الصحابة : *
أ- القرءان :
وهناك أمثلة كثيرة للتعليل في القرءان,سنذكر بعضها بإذن الله :
الأول : إخباره تعالى للأمر أو الفعل والمراد منه : قال تعالى : " ذلك لتعلموا أن الله يعلم مافي السموات وما في الأرض " 12
الثاني : الإتيان بكي الصريحة في التعليل ,كقوله تعالى : " ماأفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وإبن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وماأتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فإنتهوا وإتقوا الله إن الله شديد العقاب "13
الثالث : ذكر المفعول له وهو علة للفعل المعلل به , كقوله تعالى : " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة " 14
الرابع : ذكر ماهو من صرائح التعليل,وهو من أجل, كقوله تعالى : " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل " 15
الخامس : التعليل بلعل,وهي في كلام الله للتعليل مجردة عن الترجي.كقوله تعالى : " إنا أنزلناه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون " 16
السادس : إخباره تعالى عن محاسن الشيء إذا أمر به وعن مفاسده إذا نهى عنه ,كقوله عز من قائل : " وأعدو لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" 17
السابع : إنكاره سبحانه وتعالى أن يسوي بين المختلفين,أو يفرق بين المماثلين,وأن حكمته وعدله يأبيان ذلك.كقوله تعالى " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " 18
قال إبن تيمية رحمه الله : " لقد بين سبحانه وتعالى الفرق بين ما أمر به وما نهى عنه.وبين من يحمده ويكرمه من عباده,وبين من يذمه ويعاقبه من أعدائه,وأنهم مختلفون لا يجوز التسوية بينهم"19
فإنكار الله أن يسوي بين المختلفين وأن يفرق بين المماثلين,لبرهان ساطع وضياء لامع على أن حكمة الله سبحانه تأبى ذلك,وأنه جل جلاله أحكم الحاكمين .
ب-السنة :
قال إبن القيم رحمه الله : "لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم,علل الأحكام,والأوصاف المؤثرة فيها,ليدل على إرتباطها بها"20
كقوله صلى الله عليه وسلم : "إنما نهيتكم من أجل الدافة" 21
وقوله صلى الله عليه وسلم في الهرة :"إنها ليست بنجس,إنها من الطوافين عليكم و الطوافات" 22
ومن أمثلة ذكره صلى الله عليه وسلم لعلل الأحكام,تقريبه صلى الله عليه وسلم الأحكام لأمته بذكر نظائرها وأسبابها,وضرب الأمثال لها,ومثاله: "أن إمرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج,فماتت قبل أن تحج,أفأحج عنها ؟قال:نعم,حجي عنها,أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟قالت :نعم.قال :فإقضوا الذي له,فإن الله أحق بالوفاء" 23
قال إبن القيم :"ولولا أن حكم المثل حكم مثله,وأن المعاني والعلل مؤثرة في الأحكام نفيا وإثباتا لما كان لذكر هذا التشبيه معنى".24
ونكتفي بذكر هذه الأمثلة فقط من تعليل الأحكام,لأن الأمثلة في القرءان والسنة أكثر من أن تحصى كما قال الشاطبي رحمه الله :" التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصى"25
ج-مذهب الصحابة في التعليل :
قال إبن القيم :"كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الأحكام على بعض,ويعتبرون النظير بنظيره"26
قال الغزالي :"حكم الصحابة بالرأي والقياس لا من تلقاء أنفسهم,بل فهموا من مصادر الشرع وموارده,ومداخل أحكامه ومخارجه ومجاريه ومباعثه أنه صلى الله عليه وسلم كان يتبع المعاني,ويتبع الأحكام الأسباب المتقاضية لها من وجوه المصالح,فلم يعولوا على المعاني إلا لذلك,ثم فهموا أن الشرع جوز لهم بناء الأحكام على المعاني التي فهموها من شرعه"27
وقال أيضا : "فعلم من الصحابة رضي الله عنهم إتباع العلل"28
ولعل أوضح مثال على أخد الصحابة بمسألة التعليل.حكمهم بإمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه على المسلمين قياسا على إمامته لهم في الصلاة,حيث قالوا : (رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا)
قال إبن القيم "فهذا حكم منهم بالإجتهاد المبني على التعليل,فقاسو الإمامة الكبرى على إمامة الصلاة"29.
نخلص من كل ماسبق بأن القرءان والسنة مليئان بتعليل الأحكام,وكذلك أخذ به سلف الأمة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.وقد تبين لنا أن الأغراض التي تعلل الأحكام من أجلها كلها لها صلة بالمقاصد بل إن بعضها من صميم المقاصد مثل تعليل الأحكام لأجل بيان حكمتها.وبالتالي فإن العلل ثابثة بنص القرءان والسنة وفعل الصحابة.وهذا هو مذهب أهل السنة لكن هناك من خالف هذا الرأي وسنذكر فيما يلي أقوالهم والأدلة التي إستدلوا بها ومناقشتها.والله هو الهادي إلى سواء السبيل.
المحور الثاني :القائلون بالتعليل :
أ-قول أهل السنة والجماعة :
ويقولون بأن أحكام الله تعالى معللة بمصالح العباد وأنه سبحانه وتعالى خلق المخلوقات وأمر بالمأمورات لغايات مقصودة وحكم محمودة، وقد نسبه شيخ الإسلام إبن تيمية إلى أكثر الناس من أتباع المذاهب الأربعة وأكثر أهل الحديث وأهل التفسير وقدماء الفلاسفة وكذا لكثير من متأخريهم.
ونسبه إبن القيم إلى أهل التحقيق من الأصوليين والفقهاء والمتكلمين.
أدلتهم :
الإستقراء, قال العلامة الشاطبي : "والمعتمد أنا استقرينا من الشريعة أنه وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره، فإن الله تعالى يقول في بعثة الرسل وهو الأصل: "رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون على الله حجة بعد الرسل"وقوله تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
ب - قول المعتزلة : أثبت المعتزلة أيضا مسألة تعليل الأحكام وإستدلوا بما إستدل به أهل السنة والجماعة إلا أنهم يقولون بأن تعليل الله تعالى للأحكام جاء على جهة الوجوب وهذا بناءا على قولهم بوجوب الأصلح على الله تعالى في قضية التقبيح والتحسين العقليين.لكن قولهم هذا وإن كان يتقاطع مع قول أهل السنة والجماعة في إثبات تعليل الأحكام,إلا أنه قول مردود عليه لأن الله تعالى لايجب عليه شيء,بل كل مافعله سبحانه فهو من سبيل التفضل منه سبحانه على عباده.
المحور الثالث : القائلون بعدم تعليل الأحكام
أ - الأشاعرة :
ذهب الأشاعرة إلى نفي تعليل أحكام الله تعالى ,وأنه تعالى قد خلق وامر لا لمقصد ولا لباعث بل لمحض المشيئة والإرادة.وقد رأى بعضهم ان العلة مجرد معرف أو علامة وسماها بعضهم الباعث أو الداعي.
و هذا القول هو قول الظاهرية أيضا، وقد عقد الإمام ابن حزم -رحمه الله تعالى- باباً في كتابه الأحكام في ذلك وسماه باب: "في إبطال القول بالعلل في جميع أحكام الدين" ونسبه إلى الظاهرية.
و إستدل الأشاعرة بأن أحكام الله تعالى لو كانت معللة برعاية المصالح لأدى ذلك إلى أن يكون الله تعالى منتفعاً بما يوجبه على عباده.أي أن الله سبحانه لو شرع الأحكام لعلة وغرض لكان بدونها ناقصاً ومستكملاً بها. والله منزه عن ذلك.
وهذا القول في الأصل هو قول الجهمية,وقال به أيضا بعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى و إبن الزاغواني.
لكن من الغريب حقا أن يتزعم الأشاعرة هذا القول بعدم التعليل وهم القائلون بحجية القياس.ومعلوم أن القياس مبني على العلة.
أما الظاهرية فليس غريبا عليهم أن ينكروا التعليل لأن ذلك ينسجم مع رفضهم للقياس.
خلاصة وخاتمة :
لقد تبين لنا من خلال هذا البحث المقتضب-إذ أن موضوع تعليل الأحكام قد صنفت فيه الأسفار-تبين لنا أن مسألة تعليل الأحكام,مسألة خلافية كبرى بين أقطاب الفرق الكلامية ,حيث أن هناك من أثبته بدليل وهناك من نفاه بدليل,وخلاصة القول " أن الله تعالى لايشرع إلا لحكمة,وإقتضت حكمته ومشيئته أن يجعل أحكام الشريعة معللة,ومبنية على حكم ومقاصد وفق مافطر في عقول الناس من الجمع بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات,وأن علل الأحكام - هذه ستقود بالضرورة إلى تحقيق مصالح الناس
.والقول بالتعليل يفتح أيضا بابا واسعا للإجتهاد وفق ماشرعه الله حتى تبقى الشريعة حية مستمرة ومحيطة بكل مسائل الناس عندما تتوسع أمور عيشهم وتكثر مسائلهم.
وفي القول أيضا بتعليل الأحكام منع لتجاوز البشر لحكم الله التي إرتضى لعباده,حيث تبقى دائرة إجتهادهم رهينة الأحكام المستنبطة من الشريعة" **.
الهوامش
1- كتاب تعليل الأحكام في الشريعة الإسلامية للشيخ عادل الشويخ,الطبعة الأولى,1420 ه2000م.الصفحة 7 و 8
2 – نفس المرجع.الصفحة 8
3-إبن تيمية ,مجموع الفتاوى,الجزء 8 ,الصفحة 82
4-مختار الصحاح / 184
5- المعجم الوسيط 1 /190
6- مريم 12.
7- لسان العرب 50/140
8- لسان العرب 50/140
9- الأنعام 114
10- النساء 65
11- مختار الصحاح 451 .
12- المائدة 97
*- هذا الفصل مأخوذ من كتاب مقاصد الشريعة عند إبن تيمية ,تأليف يوسف البدوي,الطبعة الأولى,طبعة 2000.الصفحات 153 و154 و155 و 156 و157 بتصرف.(pdf)
13- الحشر . 7
14- النحل . 89
15- المائدة .32
16- يوسف .2
17- الأنفال .20
18- ص . 28
19- إبن تيمية,مجموع الفتاوى ج17 ,ص 174
20-إبن القيم,إعلام الموقعين,ج1 ,ص 198
21- مسلم,صحيح مسلم ,ج3 ,ص 1561,والدافة: القوم يسيرون بجماعة سيرا ليس بالشديد,يريد أنهم قوم قدموا المدينة عند الأضحى,فنهاهم عن إذخار لحوم الأضاحي,ليفرقوها ويتصدقوا بها,فينتفع بها أولئك القادمون.أنظر إبن الأثير,النهاية في غريب الحديث,ج2,ص125.
22-سنن الترمذي,ج1ص153.وقال:هذا حديث حسن صحيح.
23-البخاري,صحيح البخاري,ج13,ص296.
24-إبن القيم,إعلام الموقعين,ج1,ص199
25-الموافقات,ج2,ص7
26-إبن القيم ,إعلام الموقعين,ج1,ص203
27-الغزالي ,شفاء الغليل,ص 190-195
28-الغزالي,المستصفى ,ج3,ص625
29-إبن القيم,إعلام الموقعين,ج1,ص210
**- مأخوذ من خاتمة كتاب تعليل الأحكام في الشريعة لعادل الشويخ.بتصرف.
أهم المصادر و المراجع
:
_كتاب تعليل الأحكام في الشريعة الإسلامية لعادل الشويخ,الطبعة الأولى, 2000م.
_
إبن تيمية ,مجموع الفتاوى,الجزء 8.
_مختار الصحاح.
_ المعجم الوسيط.
_لسان العرب .
_مقاصد الشريعة عند إبن تيمية ,تأليف يوسف البدوي,الطبعة الأولى,طبعة 2000
.
_إبن القيم,إعلام الموقعين,الجزءالأول,
_صحيح مسلم ,الجزء الثالث.
_سنن الترمذي,الجزء الأول.
_صحيح البخاري.
_إبن القيم,إعلام الموقعين,الجزء الأول,
_الموافقات,الجزء الثاني.
_صحيح البخاري الجزء الثالث عشر.
_الغزالي ,شفاء الغليل.
_الغزالي,المستصفى الجزء الثالث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.