أكتب هذا المقال من مدينة كوزينسا فى جنوب إيطاليا حيث جئت لتسلم جائزة البحر المتوسط للثقافة التى فزت بها لهذا العام، الجائزة تنظمها مؤسسة «كاريكال» تحت رعاية وزارة الثقافة الإيطالية وهى من الجوائز الأدبية الكبيرة فى إيطاليا، وقد حصل عليها قبلى أدباء عالميون، بينهم كاتبان عربيان كبيران، هما أمين معلوف والطاهر بن جلون. هذه الجائزة الرابعة لى من إيطاليا وهى المرة رقم 15 التى أفوز فيها بتكريم وجوائز على المستوى الدولى. يتكرر الأمر دائما بنفس الطريقة: رسالة أو اتصال تليفونى من لجنة التحكيم لتهنئك بالجائزة. لا وساطة ولا تربيطات ولا تبادل مصالح ولا ضغوط على لجنة التحكيم كما يحدث فى مصر. الكاتب فى الغرب يتقدم بنفسه إلى الجوائز فى حالة واحدة: إذا كان مبتدئا يكتب لأول مرة فتكون جائزته نشر أعماله، عدا ذلك لا يتقدم الكاتب بنفسه إلى الجوائز وإنما يتم ترشيحه بطريقتين: إما بواسطة لجنة التحكيم أو بواسطة دور النشر التى نشرت أعماله. لجنة التحكيم التى اختارتنى لجائزة البحر المتوسط تتكون من أساتذة أدب مرموقين فى إيطاليا. عرفت من أحدهم «بطريقة غير رسمية» أن التصفية النهائية تمت بينى وبين كاتب إسبانى، لكننى فزت فى التصويت النهائى على المنافس الإسبانى. فى لحظة التكريم، عندما أصعد إلى المسرح لتسلم الجائزة تنتابنى مشاعر قوية متباينة. أحمد الله عز وجل الذى أوصلنى إلى هذا النجاح، وأشعر بالفخر لأننى مصرى عربى فى مقام التقدير. ثم أفكر دائما فى السؤال: ماذا نفعل لكى نقدم صورة جيدة محترمة عن العرب والمسلمين فى العالم؟!. لعل الإجابة تتلخص فى الأفكار التالية: أولا: معرفتنا بالغرب ماذا تفعل إذا كنت تعيش فى بلد وقدر لك أن تسافر إلى بلد آخر..؟! ألا تسأل عن الجو فى البلد الآخر لتأخذ ما يناسبه من ثياب..؟ ماذا لو اعتقدت أن البلد الآخر لابد أن يكون حارا مثل بلدك وسافرت بثياب خفيفة لتجد البلد الآخر مغطى بالجليد..؟ ألا يعتبر هذا تصرفا أحمق..؟! نحن نرتكب هذه الحماقة دائما فى تعاملنا مع الغرب.. كثيرون منا يتعاملون مع غرب نظرى افتراضى لا يوجد إلا فى أذهانهم.. كل يوم تكتب عشرات المقالات وتلقى عشرات الخطب فى العالم العربى لتؤكد أن الغرب يعادى الإسلام.. وكثيرا ما نعتبر هذه المقولة حقيقة نبنى عليها تصرفاتنا وأفكارنا. تعلمت وعشت فى الغرب سنوات، واكتشفت أن الغربيين فى تعاملهم مع العرب والمسلمين ينقسمون إلى ثلاثة أنواع: الحكومات الغربية وهى غالبا انتهازية استعمارية لا تعبأ إلا بمصالحها، وقد دعمت دائما الحكام العرب المستبدين وتغاضت عن جرائمهم فى حق شعوبهم من أجل الحصول على النفط ومضاعفة أرباح الشركات العملاقة، هناك أيضا غربيون متعصبون عنصريون كارهون للعرب والمسلمين ولكل الأجناس ما عدا الجنس الأبيض.. أما القسم الأكبر من الغربيين فهم بشر عاديون لا يختلفون عنا فى شىء إلا فى الدين ولون البشرة وتسامحهم فى العلاقات الجنسية خارج الزواج. هؤلاء أغلبية الغربيين وهم عادة ما يجهلون كل شىء عن الإسلام كما يجهل معظمنا، نحن العرب، كل شىء عن البوذية أو الهندوسية. كيف تم تقديم الإسلام لهولاء الغربيين؟ الإجابة مؤسفة.. فقد قدم أسامة بن لادن وأتباعه من المتطرفين الذين يقتلون الأبرياء صورة مشوهة للإسلام، حتى صار غربيون كثيرون يعتقدون أن الإسلام دين العنف والقتل، بل إن كلمة «شريعة» صارت تستعمل فى اللغات الغربية بمعنى قطع اليدين وذبح الناس بالسيوف وصارت كلمة «جهاد» فى الغرب تعنى القتل. لقد تشوهت صورة الإسلام فى ذهن ملايين الغربيين من جراء جرائم بعض المسلمين الإرهابيين..ماذا ننتظر وبيننا من يعتبر إلقاء القنابل على مدنيين أبرياء آمنين نوعا من الجهاد يتقرب به إلى الله. قد يعترض البعض على كلامى قائلا: لماذا تتحدث عن إرهاب بن لادن ولا تتحدث عن جرائم الجيش الأمريكى فى العراق وأفغانستان..؟ الإجابة أن واجبنا أن ندين قتل الأبرياء بغض النظر عمن قتل من، كما أن المسؤولية الإنسانية يجب أن تكون فردية لا جماعية. فالذين قتلتهم «القاعدة» فى مدريد ونيويورك ليسوا مسؤولين عن جرائم الجيش الأمريكى وإلا، بنفس المنطق، سيصبح كل عربى فى الغرب مسؤولا عن مذبحة 11 سبتمبر... إن أصوات المعترضين فى الغرب على جرائم الجيش الأمريكى كثيرة وعالية، ولولا الإعلام الغربى لما عرفنا شيئا عما يحدث فى معتقلات أبوغريب وجوانتانامو، بل إن المظاهرات المعادية للحرب على العراق فى العواصمالغربية كانت أكبر من تلك التى قامت فى العالم العربى. لا يجوز أن نواجه الجريمة بجريمة مثلها وكل من قرأ التاريخ يعلم أن المسلمين الأوائل لم يردوا على جرائم أعدائهم بجرائم مماثلة، بل كانوا فى عدلهم وتسامحهم يقدمون نموذجاً إسلامياً حضارياً أقنع ملايين الناس باعتناق الإسلام ويكفى هنا أن نقارن بين تسامح المسلمين مع أقباط مصر عند فتحها والمذابح البشعة التى قامت بها الجيوش المسيحية بدعم الكنيسة الكاثوليكية ضد المسلمين واليهود بعد سقوط الأندلس.. إن قتل الأبرياء جريمة بشعة لا يمكن تبريرها إطلاقا وهى تنسف شرعية أى قضية حتى لو كانت عادلة.. منذ أعوام فزت بجائزة برونو كريسكى فى الأدب وتسلمتها من مستشار النمسا «رئيس الوزراء»، فألقيت كلمة أمام الحضور «وكلهم أجانب» قلت فيها إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، علمنا الحق والعدل والحرية والمساواة، وحكيت لهم كيف كان الرسول «صلى الله عليه وسلم» يسجد للصلاة فإذا قفز على ظهره حفيداه الحسن والحسين يلهوان، ظل ساجدا حتى يفرغا من اللعب.. ثم قلت: كان الرسول يوقف صلاته لئلا يزعج الأطفال فهل يعقل أن رجلا بهذه الرقة يوافق على قتل الأبرياء بقنبلة فى مطعم أو محطة قطار؟!. أذكر أن الحضور صفقوا طويلا، وجاء إلى كثيرون يسألوننى عن مصادر جيدة ليقرأوا فيها عن الرسول الكريم وأعماله. قبل أن نلوم الغربيين على خوفهم من الإسلام علينا أن نسأل أنفسنا أى صورة قدمناها لديننا..؟! ثانيا: النوابغ والمبدعون النظام فى العالم الغربى، غالبا، يعطيك الفرصة للتفوق ويمنحك حقك فى التقدير حتى ولو كنت قادما من ثقافة أخرى. لدينا علماء كثيرون بارزون فى الغرب، لكن حكوماتنا فشلت فى الاستفادة من خبراتهم ونجاحهم ولدينا فى مصر والعالم العربى مبدعون كبار لا يعرفهم الغرب لو ترجمت أعمالهم وقدمت بطريقة صحيحة سينالون التقدير الذى سيحسن كثيرا من صورتنا. إن فيلما واحدا على مستوى عالمى سيفيد العرب والمسلمين أكثر بكثير من الخطب الرنانة التى نلقيها على أنفسنا ولا يسمعها سوانا. السؤال: من الذى أفاد الإسلام أكثر؟! أحمد زويل ونجيب محفوظ أم أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى..؟ هل الأفضل أن نقدم ثقافتنا إلى العالم عن طريق النوابغ فى العلوم والآداب أم نقدمها عن طريق مجموعة من القتلة؟! ثالثا: حقوق الإنسان قطعت الإنسانية شوطا كبيرا حتى توصلت إلى مجموعة من الحقوق الأساسية للبشر تشكل جوهر الحضارة، كل من يعتدى على حقوق الإنسان يتحول إلى همجى. الغريب أن الإسلام قدم حقوق الإنسان قبل الغرب بقرون، لكن بعض المسلمين يعتدون الآن على هذه الحقوق.. لدينا مشايخ متطرفون يعتبرون أن من حق الزوج أن يضرب زوجته ليؤدبها، وهم يحاولون تجميل هذه الفكرة قائلين إن ضرب الزوجة يجب ألا يكون مبرحا. إن ضرب الزوجات يخرجنا فورا من دائرة الحضارة، لأن المرأة إنسان وضربها يهدر كرامتها، ويقضى على احترامها لنفسها. . هناك مشايخ ينادون بزواج البنات، بمجرد بلوغهن حتى ولو كن فى سن العاشرة. هذه الدعوة الشاذة المنحرفة تعتبر أن المرأة مجرد أداة جنسية بلا أحاسيس ولا إرادة ولا إدراك، مجرد ماكينة جنس يستعملها الرجل لقضاء لذته حتى لو كانت طفلة بريئة.. إن كل من يعاشر طفلة جنسيا مجرم ومريض نفسيا، وبالتالى يجب أن يقبض عليه ويحاكم ثم يعالج فى السجن وقد أثبتت دراسات موثوقة أن الرسول الكريم قد تزوج السيدة عائشة وهى فى التاسعة عشر أو نحوها، لا فى سن التاسعة كما يشاع.. بعض المتطرفين يصرحون باحتقارهم الآثار المصرية الفرعونية العظيمة وبكراهيتهم الشديدة للفنون، وهم عاجزون عن الخيال وتذوق الفن وهم يحرمون الموسيقى، ولديهم من الجهالة ما يدفعهم إلى اعتبار الممثلين فاسقين والممثلات عاهرات.. كل هذه الآراء المتخلفة الهمجية عندما تترجم وتذاع فى أنحاء العالم إنما تؤكد بكل أسف الصورة السيئة للإسلام فى أذهان الغربيين. رابعا: ما نقدمه للعالم معظم الدول العربية والإسلامية تعيش عالة على الغرب. هذه حقيقة مؤسفة. لقد توقفنا عن إضافة أى شىء إلى الإنسانية منذ قرون. لدينا آلاف العلماء النوابغ لكنهم إما يعملون فى جامعات الغرب أو أنهم فى بلادهم عاجزون عن العطاء بسبب الاستبداد والفساد والبيروقراطية. الدول العربية كلها لا تقدم شيئا للعالم لا صناعة ولا زراعة ولا بحثاً علمياً ولا أى شىء. حتى الدول النفطية الثرية يقوم حكامها بوضع ثرواتهم فى البنوك الغربية وبدلا من أن يعملوا على إحداث نهضة حقيقية بأموال النفط يشترى كثيرون منهم مجهود الآخرين، فيستقدمون الناس من كل الجنسيات ليعملوا بدلا منهم بينما يستمتعون بحياة فارغة إلا من اقتناص اللذات... كيف يحترمنا العالم ونحن فى 22 دولة عربية عاجزون عن صناعة أى شىء يفيد الإنسانية؟!. المتطرفون الذين يلعنون الغرب من فوق المنابر يصيحون فى ميكروفونات مصنوعة فى الغرب ويؤدون الصلاة على سجاجيد مصنوعة فى الصين ويعيشون حياتهم كلها يستعملون أدوات الحضارة الغربية التى يعادونها. لن يحترمنا العالم إلا إذا قدمنا بحثا علميا جادا وقمنا بتصنيع احتياجاتنا لنساهم بجدية وفاعلية فى التقدم الإنسانى. لقد قدم الإسلام إلى الإنسانية حضارة عظيمة اشترك فى بنائها المسلمون والمسيحيون واليهود، وقادت الدنيا لمدة سبعة قرون، وأسست لقيم المحبة والعدالة والرحمة لكن بعض المسلمين يسيئون إلى دينهم بأنفسهم. إذا أردنا أن نصلح صورة الإسلام فيجب أن ندرك أن الصورة لن تنصلح إلا بإصلاح الأصل. يجب أن نعمل ونتقدم ونحترم الحقوق الإنسانية حتى يحترمنا العالم. الديمقراطية هى الحل