ولما لا، في جميع بلدان الدنيا الديمقراطية ونصف الديمقراطية وحتى التي بينها وبين الديمقراطية صور الصين العظيم، تعديل الحكومات ودخول وخروج الوزراء مسالة عادية ولا تثير كل الضجة والخوف كما يحصل عندنا. من حق الأمين العام لحزب الاستقلال الجديد حميد شباط ان يغير قائمة وزراء حزبه في حكومة بنكيران، فالجميع يعرف أن عباس الفاسي غير المأسوف على ذهابه، كانت له معايير عائلية وسياسية الخاصة في اقتراح اسماء الوزراء الذين سيمثلون الحزب في الحكومة نصف الملتحية. وأن ألاعيب كثيرة ومؤامرات عديدة طبعت رحلة الاستوزار الاستقلالية .عباس وضع زوج ابنته نزار بركة وزيرا للمالية وصهره محمد الوافا وزيرا للتربية الوطنية ويوسف العمراني وزيرا منتدبا في الخارجية باقتراح من الطيب الفاسي الفهري من اجل وضع حصى في حذاء العثماني تمنعه من الحركة بحرية وسلاسة اما معزوز الذي جدد له عباس الفاسي قبعة الاستوزار فمن باب الذي نعرفه خير من الذي لا نعرفه. الأمين العام الجديد اذا أراد أن يغير فريق الاستقلال في حكومة بنكيران فهذا حقه مادام الاستقلاليون اعطوه ثقتهم، بغض النظر عن الظروف والملابسات التي تمت فيها أول عملية ديمقراطية في حزب عمره 70 سنة. لكن لا يجب ان على شباط ان يقترح وزراء جدد في الحكومة بنفس طريقة عباس والآخرون، أي الولاء والسمع والطاعة والصدقة. عليه أن يختار افضل ما يوجد لدى الاستقلاليين من كفاءات وخبرات وأشخاص ناجحين في حياتهم المهنية. شخصيات قوية لا عناصر تمشي إلى جانب الحائط وتوقف عقلها عن الاشتغال لمجرد دخولها إلى الوزارة وتعليق ظهير التعيين في واجهة صالونات بيتها. لقد تحولت الوزارة في بلادنا في كثير من الاحيان إلى مركب نجاة للفاشلين في مساراتهم المهنية او للذين يجيدون الصراخ والعويل وقلب الطاولات في مقرات الاحزاب المهجورة. أو للذين يشوشون على الأمين العام ويلعبون معه لعبة القط والفأر، فتأتي الوزارة والسفارة لانقاذ الزعماء من وجع الرأس، من شغب الذين يفسدون اللعب اذا لم يكن لهم حض فيه. ثم يجري تعيين هؤلاء الوزراء لنعاقب المغاربة جميعا بوزير لا يفقه شيء في السياسات العمومية وإدارة شؤون الدولة، يمضي سنوات في الوزارة أما للاغتناء غير المشروع أو لإعادة بناء موقع في الحزب عن طريق الوزارة والإدارة والمال العام للعودة ثانية إلى الحكومة وللمناصب الحساسة. هناك أسماء حزبية لا تلهت خلف الاستوزار لان كرامتها تمنعها ولأنها ناجحة في عملها، وهناك شناقة يقفون طوال الوقت عند باب مقر الحزب أو عند باب بيت الأمين العام، يطلبون عائلاتهم وأصهارهم وزوجاتهم للتوسط لهم للوصول إلى منصب وزاري يعوضون به فشلهم في الحياة بدعوى أنهم مناضلون في الحزب وعندما تدقق في مساراتهم تجد أنهم أكبر عبء على الحزب. لم تعد الأحزاب السياسية في المغرب، إلا فيما ندر، تشكل حقلا خصبا لإنتاج النخب والكفاءات والأطر، لأن الانتهازية عششت في مقراتها ولأن أمراض السلطوية في الدولة انتقلت إليها بالعدوى، ولأن الديمقراطية الداخلية غالبا ما تُطرد بالورقة الحمراء من ملعب الممارسة الحزبية. السياسة صارت بيع وشراء، مكاسب ومغانم، ولم تعد مهنة نبيلة قائمة على التطوع والفضيلة ونكران الذات والاكتفاء من المنصب بشرف الخدمة العمومية