تسبب الإعلان الصادم للأمير هاري وزوجته ميغان ماركل بأنهما سيمارسان الحياة الملكية خلال أوقات محدودة، في تصدع مؤلم لأسرته. لكنه أيضاً أجبر قصر باكنغهام على مواجهة الطبيعة المتغيرة في الحياة الملكية البريطانية، بينما يقترب عصر الملكة إليزابيث الثانية من نهايته. إذ أكدت صحيفة The New York Times الأمريكية أن القصر عقد اجتماعاً طارئاً، الجمعة 10 يناير، للتحدث عن طلب الزوجين «التنحي» عن واجباتهما الملكية، والبحث عن الاستقلال المادي، وعيش جزء من العام في أمريكا الشمالية. كان الهدف من اجتماع القصر يكمن في التوصل إلى حل وسط سريع مع الزوجين، اللذين أصبحا منعزلين لدرجة خطيرة في بيت ويندسور. ومن الممكن أن يظهر هذا الحل الوسط في غضون أيام، بحسب ما قالته المصادر. ورغم أن الاجتماع كان يهدف لتهدئة الأزمة والتوصل لترتيب جديد للأمير هاري وميغان، قال أشخاص على علاقة بالقصر إنه سيؤدي إلى تعقيدات أكبر، لأن أي تنازلات أو شروط سيوافق عليها قصر باكنغهام، من الممكن أن تُطبق على أفراد الأسرة الآخرين، نظراً إلى أن الأسرة الملكية دائماً ما تسترشد بالأحداث السابقة. الأمير ويليام قلق لأن أبناءه قد يواجهون نفس المصير، وكذلك والدهما الأمير تشارلز قال أحد المقربين من القصر إن الأمير وليام الذي شارك في الجلسة مع والده الأمير تشارلز والأمناء الخاصين للملكة، كان لديه اهتمام خاص لأن طفليه، الأميرة تشارلوت، والأمير لويس، سيواجهان المأزق نفسه مثل أخيه، فكلاهما على الأغلب لن يجلسا على العرش، ولكنهما ما زالا من أفراد الأسرة الذين يجذبون الأنظار. خاصةً أن هذا القرار يأتي في وقتٍ قلصت فيه الملكة البالغة من العمر 93 عاماً من جدولها العام، وفي ظل إبعاد الأمير أندرو بعد إعلانه عن علاقته برجل الأعمال الأمريكي جيفري إبستين، المتهم بالاستغلال الجنسي لقاصرات، وكذلك مع المنفى الاختياري للأمير هاري. بذلك يتقلص عدد الأفراد الملكيين الذين يتحملون جدول أعمال الأسرة المزدحم بالأعمال الخيرية، والمناسبات الدبلوماسية، وزيارات المستشفيات، لدائرة صغيرة قد تكون مثقلة بالأعباء. أيضاً، يتزامن هذا مع محاولات الأمير تشارلز، وهو والد الأمير هاري ووريث العرش، في تنظيم مسؤوليات العائلة واختيار من يستمرون في تقلد واجبات رسمية أو تلقي تمويل من الدولة التي وعد بتنظيمها في فترة حكمه، إذ ينشغل حالياً بالرد على أزمة ميغان وهاري، وقبلها أزمة أخيه الأمير أندرو الذي جردته الملكة من واجباته الرسمية. سفيرة سابقة للمملكة المتحدة تمثل هاري في الاجتماع العائلي حضرت نيابة عن الأمير هاري وزوجته كبيرة موظفي الزوجين فيونا ماكيلوام، التي شغلت منصب سفيرة المملكة المتحدة في ألبانيا، وينظر إليها على أنها نجم صاعد في السلك الدبلوماسيّ البريطاني. إذ يعتمد كبار أفراد العائلة الملكية عادةً على صفوف الدبلوماسيين عند تعيين كبار مستشاريهم، فمثلاً السكرتير الخاص للأمير تشارلز، كلايف ألدرتون، شغل سابقاً منصب سفير المملكة في المغرب. خاصةً أن خلفياتهم وأنسابهم المتشابهة يمكنها أن تساعد هؤلاء المستشارين في تهدئة الأمور بين رؤسائهم. غير أن دوق ودوقة ساسيكس أشارا إلى أنهما ينويان أن يسلكا طرقاً مختلفة. لماذا ابتعاد هاري وميغان عن نشاطات العائلة الملكية مختلف عن عمه الأمير أندرو؟ بالرغم من كل المشاعر المكبوتة، يقول الخبراء في العائلة الملكية إنهم لا يتوقعون من الملكة أن تنتقد الدوق والدوقة. فعلى عكس الأمير أندرو الذي كان شخصية هامشية على نحو متزايد، أصبح الأمير هاري وميغان إلى جانب ابنهما الصغير آرتشي يرمزون لمستقبل العائلة، ونجوماً عالميين، في ظل أسرتهم متعددة الأعراق التي لها قبول في جميع أنحاء الكومنولث البريطاني (اتحاد طوعي مكون من 52 دولة أغلبها من ولايات الإمبراطورية البريطانية سابقاً). إذ قالت ديكي أربتير، التي عملت مستشارة صحفية للملكة ما بين عامي 1988 و2000: «إن الملكة هي أول شخص يعترف أنها تريد حلاً ودياً». وأضافت: «هذا مهم ليس فقط لهاري وميغان، إنه مهم لمنع تصدع الملكية بصفتها المؤسسية». فيما لا تزال الصعوبات أمام خطة الزوجين صعبة للغاية، بداية من كيف سيكسبون عيشهم وحتى كيف سيدفعون لرجال الأمن. فالكثير من هذه الصعوبات لها آثار على التمويل العام للملكية، الذي يستند إلى فكرة أن العائلة الملكية تخصص وقتها بالكامل للخدمة العامة. أين سيعيش الزوجان؟ استقلت ميغان، طائرة إلى كندا بعد الإعلان مباشرة عن هذا القرار لرعاية ابنهما البالغ من العمر 8 أشهر، آرتشي، الذي كان في كندا برفقة صديق. ويشير رحيلها السريع إلى أنه بغض النظر عن الطريقة التي يختار أن يرد بها القصر، فلن تعود الأشياء لسابق عهدها. لم يستبعد الزوجان قضاء جزء من العام في جنوب كاليفورنيا، حيث نشأت الدوقة وحيث تعيش أمها دوريا راغلاند. وحتى في كندا، الدولة العضو في الكومنولث، ربما تصبح حالة الهجرة مشكلة بالنسبة لهما، وقد ظهرت شائعات بالفعل عن نية هاري للالتحاق بزوجته في كندا. لذلك عرض الدوقان السابقان أفكارهما على موقع مصمم ببراعة من إحدى الشركات في تورنتو في الشهور العديدة الماضية، دون أي تدخل من قصر باكنغهام لمناقشتها ومعرفة القرار الأصوب. نقطة أخرى بخصوص قصرهم الملكي، فلم يذكر الزوجان العاملين في قصرهم في إطار الإعلان، ما ترك هؤلاء العاملين في حيرة بشأن وظائفهم وهل ما زالوا يحتفظون بها من الأساس أم لا. في ظل اشتعال الأحداث بالعائلة الملكية، الصحف البريطانية لم تترك هاري وميغان وشأنهما واصلت وسائل الإعلام البريطانية تغطية أخبار الزوجين بصورة لاذعة؛ إذ قالت صحيفة The Daily Mail إن «ميغان تهرب إلى كندا». فيما أشارت صحيفة The Sun إلى أنهما «تركا آرتشي في كندا»، بينما سردت صحيفة Daily Telegraph قائمة بكل الامتيازات التي قالت إن الملكة منحتها للزوجين، واختتمت الصحيفة قائلة إنهما «لا يزالان يرغبان في المزيد». وفي ظل ذلك، كانت هناك خطوط تصدع ثقافية جديدة تتحطم بالطريقة نفسها التي حدثت إزاء النقاش المشحون على الصعيد الوطني حول خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. إذ ذهبت بعض الصُحف الشعبية مثل صحيفة The Daily Mail وصحيفة The Sun، اللتين دافعتا عن الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلى أن تكون أكثر انتقاداً للأمير هاري وأكثر دفاعاً عن العائلة الملكية. الغريب أن هذا ما فعلته صحف أخرى مدافعة عن البريكسيت مثل The Telegraph. على الجانب الآخر، نجد أن صُحف يسار الوسط مثل The Guardian، التي عارضت الخروج من الاتحاد الأوروبي، كانت أميل لأن تكون أكثر تعاطفاً مع الأمير هاري وزوجته الأمريكية، حتى إذا أضافت إلى تغطيتها ازدراءً للمنظومة الملكية بأكملها. من جهتها، أجرت مارينا هايد، كاتبة عمودٍ في صحيفة The Guardian، مقارنةً بين الأمير هاري والملك إدوارد الثامن الذي تنازل عن العرش في عام 1936 كي لا يتخلى عن حلمه بالزواج من امرأة أمريكية مُطلّقة تُدعى واليس سمبسون. كتبت مارينا أن الزوجين على الأرجح لم يكن أمامهما خيار سوى مراوغة الملكة. وأضافت الصحفية: «تبدو هذه الخطوة بمثابة ما يفعله شخصان يعلمان أنك إذا استشرت الآخرين بشأن أمورك، فإنهم سيحاولون منعك فحسب». وأضافت مارينا أن قصر باكينغهام ربما «يمكنه محادثة دوق ودوقة ساسيكس عبر سكايب في كندا».