"هذه الأغنية، إهداء إلى الجزائر، وما يحدث من حَراك، حول الإنتخابات الرئاسية المرفوضة شعبيا في الجزائر، ورغم ذلك يقال أنها سيتم تنظيمها يوم 12 ديسمبر 2019… ماذا نقول للانتخابات؟ .. يتنحاو قاع يتنحاو قاع" ("يرحلون جميعا" في إشارة لرموز النظام)، بهذه الكلمات قامت الفنانة الجزائرية سعاد ماسي بتحية الحَراك الشعبي الجزائري من العاصمة البريطانية لندن ضمن برنامج "الأغاني العربية البديلة والموسيقى المستقلة"، وذلك لما ينقله من مظاهر حضارية في التعبير وهو يستعد للجمعة ال40 غدا 21/تشرين الثاني /2019، وكُله عزمٌ وتأكيد على رفض الانتخابات التي يعتبرها الحراك محاولة أخيرة لرموز نظام بوتفليقة للعودة بقوة إلى سدة الحكم. ليس غريبا على إبنة حي باب الواد الشعبي بالجزائر العاصمة "من مواليد 23 أغسطس 1972 "، أن تدير دفة أغانيها بإتجاه إيقاع الحراك الشعبي الجزائري الذي بح صوته بالقول:"لا إنتخابات مع العصابات"، فسعاد ماسي (47 عاما)، تعتبر واحدة من أبرز الأصوات الجزائرية الملتزمة بالكلمات النقدية الساخرة، لم تأت إلى لندن هذه المرة، لتتسوق وتشتري أغلى الماركات ، بل جاءت تحمل معها حقائب أحزان الشعوب وأفراحها، ومنها إعتزازها بالوقوف في صف الحراك الشعبي الجزائري الذي لايزال شامخا، حسب رأيها. تستقبلنا عند مداخل "مقهى الجاز" بشارع "بارك واي" بلندن، لافاتة مكتوب عليها "الليلة،النجمة الجزائرية سعاد ماسي"، وطابور طويل من البشر من مختلف الجنسيات، وإن كان الحضور العربي هو الطاغي إلا أننا نلمس بسهولة كيف أن إحساس سعاد ماسي إستطاع الوصول إلى قلوب الذين يصعب عليهم فهم معاني كلمات اللغة العربية،وهو أمر نادر بالنسبة للفنانين العرب أن يكون لديهم جمهور بهذا النوع، ومحبون يأتيون للإستمتاع إلى آهات صادقة يفكك قواعد اللغة والإعراب، هكذا تكسر أحسايس ماسي حدود كل اللغات، وهو ما يتجسد في كل أغنية جديدة تطرحها، وفي هذا الألبوم الموسوم ب"أمنية"، التي خصصت فيه مساحة معتبرة لآهات الناس الذين يقاومون بكل الطرق اشكال الظلم والحقرة. تضعنا سعاد ماسي في قالب الذكريات،وهي تشير إلى الجزائر في أغنيتين بعنوان "بلدي الأم" و"في بلادي" التي جاءت لتحكي قصص يوميات الجزائريين وسط متاعب الحياة والبيروقراطية وغياب العدالة الإجتماعية، وكل مظاهر الظلم التي تحاصر البلاد والعباد منذ الإستقلال 1962، هكذا ترى سعاد ماسي وطنها في أغنية "في بلادي" التي حملت إيقاعات البوب والريغي الممزوج بنكهة موسيقى الشعبي وكلمات جزائرية خالصة قريبة من قلوب الحاضرين الذين يتفاعلون معها في كل ثانية،حتى وهي تردد عبارة "يتنحاو قاع" التي حولت خشبة مسرح "مقهى الجاز"إلى ميدان جديد ينتفض ضد الإنتخابات الرئاسية. وإن لم تكن المناسبة التي أتت بتلك الكلمات الى لندن مظاهرات أو مسيرات مساندة للحراك، بل بمجرد حفلة شبابية تحيها فنانة جزائرية بعد طول غياب عن عاصمة الضباب. منذ عام 2001، تاريخ إصدارها لأول ألبوم غنائي بعنوان "راوي" والذي حقق نجاحا مبهرا في العالم العربي وفرنسا، لم تحد سعاد ماسي عن قناعتها الفنية، فقد ظلت آلة الغيتار التي تحملها على كتفها، تغازل خصلات شعرها الأسود الكثيف والأمازيغي الهوى، عبر إيقاعات هادئة ودافئة، بقدر ما تؤنس المستمع بقدر ما تتحول إلى محام يناشد العدل، عبر كلمات تعرف كيف تشرح بدقة أمراض وطن "عَصِيَّ الدمع شِيمَتُه الصّبرُ". يلقى الألبوم الجديد الذي تعود سعاد به بعد أربع سنوات على إصدارها لألبومها السادس "المتكلم"، ترحيبا لدى الصحافة البريطانية، على حد وصف الصحافي روبن دينسلو "المتخصص في الموسيقى والسياسية"، والذي نشر مقالا في صحيفة "الغارديان" بعنوان:"سعاد ماسي، في أفضل حالاتها عندما لا تكون مبتهجة باستمرار" وتحدث عن أهمية الألبوم قائلا:"إنه ألبوم قويً يمزج بين الأغاني الحزينة والتجارب"،وفي ذات الشأن عنونت صحيفة "لبوان"الفرنسية:"سعاد ماسي تعتني بالسلامة". نقلا عن القدس العربي