أعلن الأكاديمي المغربي شرف الدين ماجدولين، رئيس لجنة تحكيم جائزة «بوكر» العربية، مساء الثلاثاء 23 إبريل 2019، عن فوز رواية «بريد الليل» للروائية اللبنانية هدى بركات بهذه الجائزة العربية ذات الرمزية الأدبية الكبيرة، التي ترشحت لقائمتها الصغيرة إلى جانب رواية «بريد الليل» روايات «الوصايا» للمصري عادل عصمت، و«النبيذة» للعراقية إنعام كجه جي، و«صيف مع العدو» للسورية شهلا العجيلي، و«شمس بيضاء باردة» للأردنية كفى الزعبي، و«بأي ذنبٍ رحلت» للمغربي محمد المعزوز. وكانت هدى بركات قد وصلت عام 2013 إلى القائمة الطويلة للبوكر بروايتها «ملكوت هذه الأرض»، كما وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة «مان بوكر العالمية» لعام 2015، وفازت بجائزتي نجيب محفوظ عن روايتها «حارث المياه» عام 2000 وسلطان العويس عام 2018. وما ميز هذه النسخة من جائزة «بوكر» العربية، هو تسريب خبر فوز هدى بركات إلى الصحافة قبل الإعلان الرسمي عنه، على غرار ما حمله مقال الصحافي والشاعر اللبناني عبده وازن في «إندبندنت عربية» والذي جاء فيه قوله: «أما المفاجأة التي حمتلها الجائزة فتتمثل في فوز كاتبة كانت أصلا رفضت الترشح، واعتذرت من الدار التي تنشر أعمالها، لكن لجنة التحكيم هي التي طلبت ترشيحها أو رشحتها، بعد استئذان دار الآداب التي أقنعت هدى بركات بضرورة الترشح». واعتبر وازن أن فوز هدى بركات بالبوكر إنما يمثل بالنسبة إليها «انتقاما» من الجائزة ذاتها. ومثلما جرت عليه العادةُ لحظة الإعلان عن جائزة البوكر، اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي بآراء النقاد والروائيين وتباينت في ما بينها حول مدى أحقية رواية «بريد الليل» بهذا التتويج العربي، ومدى صدقية حُكم لجنة تحكيمها. من ذلك أن الروائية العراقية إنعام كجه جي، وهي من ضمن مُرَشحي القائمة القصيرة، كتبت تدوينة وصفت فيها الجائزة بأنها مثل عرس بنات آوى (عرس واوية) لا تدوم الفرحة فيه طويلا، بل هو مثل سحابةِ صيف ضحلةٍ، سريعًا ما يزول أثرُها، كما أعلنت فيها عن ندمها على المشاركة في البوكر وذلك في قولها: «الآن بدأ في أبو ظبي حفل الإعلان عن الفائز بجائزة البوكر للرواية العربية. وجدت أن من المناسب الامتناع عن حضور الحفل، بسبب التسريبات التي سبقته وتضر بهذه الجائزة. لا يمكنني المشاركة في ما نسميه باللهجة العراقية عرس واوية. مبروك للعزيزة هدى بركات فوزها بالبوكر، وهي تستحق ما هو أفضل من هذه الجائزة التي كانت على حق يوم دعتني لمقاطعتها». ورأى الأكاديمي والشاعر العراقي محسن الرملي أن «فوز هدى بركات بجائزة البوكر يشبه فوز عادل عبدالمهدي برئاسة وزراء العراق.. كلاهما لم يرشح نفسه لها أصلاً». وتساءل الكاتب المصري شريف صالح قائلا: «لا يبدو مصطلح رواية دقيقًا كعلامة تجنيسية، لأن «بريد الليل» تقع في حوالي 129 صفحة، ومن الناحية الجمالية تتسم بمحدودية الشخصيات، والمقاربة التكرارية للثيمات ذاتها، وعدم تمديد وتوسيع السرد، لذلك هي أقرب إلى جنس «النوفيلا». فهل جائزة البوكر تعامل النوفيلا كتنويعة على الرواية أم كجنس مستقل؟». والملاحظ في رواية «بريد الليل» هو أنها رواية خفيفةٌ ونظيفةٌ: خفيفة المحكي ونظيفة من الهذر، كما أن السرد فيها ينهض على دعامة الكتابة الترسلية، وهي تقنية فنية قليلة الشيوع في مشهدنا الروائي العربي، حيث نُلفي فيها خمس رسائل موزعة على ثلاثة فصول هي «خلف النافذة»، و»في المطار، و»موت البوسطجي». الرسالة الأولى كتبها حبيب إلى حبيبته، والثانية كتبتها حبيبة إلى حبيبها، والثالثة كتبها ابن إلى والدته، والرابعة كتبتها بنت إلى أخيها والخامسة كتبها ابن إلى أبيه. وفي كل رسالة منها نتعرف حكايةَ كاتبها، ونقف على مشاهد من عذاباته الشخصية سواء في وطنه أو في بلاد الغربة. وهي رسائل لا تصل إلى مَن كُتِبتْ إليهم، وإنما تحملها أقدارُها إلى شخصيات الرواية الأخرى، وهو ما يمنح المحكي في كل واحدة منها صلةً بمحكي الرسائل الأخرى، ويشرح ما وقعت التعمية عليه فيه. وما يميز هذه الرواية هو وجاهةُ منطقِها السردي الذي تُوافق فيه تقنية السرد مادة مضمونه، من ذلك أن إيراد شخصيات الرواية بلا أسماء، وهو ما يُحيلُ إلى تيهها وغربتها وغرابتها، يجد له تفسيرًا في ما نعرف من أمر حكاياتها، فإذا هي شخصيات مطاردة من سلطة بلدانه السياسية أو الاجتماعية، ومقيمة إقامة غير شرعية في بلاد الغرب، بدون أن ننسى صفاء لغةِ الرواية وكثرة طاقتها الإيحائية الاعترافية، والكتابة الترسلية تمنح إمكانية هذا الاعتراف، ناهيك عن اتصالِ موضوعها بمعيش المواطن العربي، خاصة بعد ثورات الربيع العربي وكثرة أزماته الوجودية والاجتماعية، إضافة إلى إكراهات المنفى وما فيه من استغلال للمهاجرين وابتزاز لهم، وهو أمر يُحول الرواية إلى لوحة مكتظة بمشاهد من مِحَنِ المواطن العربي وهو موزعٌ بين انتماءيْن: انتمائه إلى مكان عربي مطرودٍ منه، وانتمائه إلى مكان غربي لم يقدر على الانصهار فيه.