يكشف محمد عابد الجابري في كتابه «العقل السياسي العربي» ثلاثة محددات تتحكم في توجهات السلوك، وتفسر الأعطاب التي يمنى بها الإنسان العربي، مايضعه خارج روح العصر، بعيدا عن تمثل قيم الديمقراطية والتنويروالعقلانية. يتعلق الأمر بالمحددات الثلاثة: «الغنيمة» و« القبيلة» وأخيرا«العقيدة» لا كدين ولكن كممارسة. وفي تقديرنا فهذا التحليل قد يساعدنابعض الشيء، مع مراعاة اختلاف السياق، على فهم نوع من «النضال » الذي يخوضه بعض نشطاء الحقل الحقوقي والسياسي المغربي، مروجين لخطاب ثوري بسقف عال، يبتدئ بنقد المخزن والإقطاع والكومبرادور، ليصل إلى المطالبة محلياب«قومة» جماهيرية شعبية تقضي على الريع والزبونية والفساد والاستبداد،وينتصر، أمميا، إلى حق الشعوب في تقرير المصير، وإلى التنديدبالإمبريالية والصهيونية والرجعية... نعم، قد يكون من المشروع أن يقرأ الناس السياسة كما يطيب لهم، وأن يحلموابما يرونه كفيلا بإسعادهم، وبنشر العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي. لكن ماهو غير مشروع هو الترويج إلى هذا النوع من الخطاب، وخلفه سلوك منافق يكشف عن انتهازية تهبط على الأخضر واليابس، وتصعد من أعلى المنشارإلى أسفله، وعن تسخير «النضال» من أجل اكتساب مغانم حتى ولو كانت صغيرة جدا. لقد سبق أن أثرنا فضائح هذا النوع من «النضال» كما يمارسه بعض الرفاق في الجمعية المغربية لحقوق الانسان، حيث يتم التوسل (التسول أيضاسليمة لفظا ومعنى) بواسطة العمل المدني غير الحكومي من أجل البحث عن منح سمينة باسم مشاريع التنمية الوهمية، وعن أسفار بلا حدود لدعم النضال العالمي في الخارج، وعن علاقات ضبابية مع سفارات الدول الأجنبية، لدرجةتحول فيها هذا من النوع من الجمعيات إلى «سلطات انتداب» جديدة على التراب المغربي. آخر هذه الفضائح ما كشفته مصادر بخصوص سلوك بعض الرفاق في الجمعيةالمغربية لحقوق الإنسان، وفي النهج الديمقراطي وهم يتهيؤون إلى السفر إلى الديار الفرنسية للمشاركة في العيد الأممي لجريدة L'humanité، لسان حال الحزب الشيوعي الفرنسي، المنعقدة فعالياته من 12 إلى 14 شنبر الجاري. ولاستكمال إجراءات السفر تقدمت الجمعية بطلبات للحصول على «الفيزا»، لا فقط لأعضاء الوفد المنتدب، ولكن للقبيلة، نقصد« الفاميلة » تحديدا. وفي ما يلي بعض التوضيح: لقد تقدم المكتب الوطني للجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى مصالح السفارة الفرنسية بالرباط للحصول على التأشيرة لفائدة: -الطيب مضماض، عضو المكتب، ولزوجته محجوبة كريم، ولابنتيه سهى وتهاني (أحد مؤسسي حركة 20 فبراير)!. وقد سافر هؤلاء فعلا إلى فرنسا (باستثناء تهاني). وفيما اختارت محجوبة وسهى تمديد الإقامة هناك أياما إضافية، بعد انتهاء فعاليات حفل L'humanité !! . ولأن الرفاق على قلب واحد، ومصنوعين من «مغرفة» واحدة كلما برزت هناك«غنيمة» ما، فقد نحت الرفيقة نعيمة نعيم، عضو النهج الديمقراطي نفس السلوك بعد أن تدخلت لدى الجمعية من أجل السفر في نفس الإطار، ولأنهاتشتغل بميدان التعليم، فقد حصلت على شهادة طبية لتغطي بها عن غيابها غيرالقانوني وغير الأخلاقي عن القسم. وبعد الوصول مددت الإقامة هناك كمافعلت محجوبة وسهى بالضبط. على نفس خط «النضال الراديكالي»، تبين أن سلمى الريسوني تدخلت لدى شقيقها يوسف (الموظف بالمقر المركزي للجمعية والمكلف بإعداد لائحة أعضاء الوفد) من أجل الاستفادة من التأشيرة الفرنسية عن طريق الجمعية، وقد تحقق لها ما أرادت دون أن ترافق الوفد إلى فرنسا. مقابل ذلك قامت، حسب مصادرنا، يوم 9 شتنبر بدخول سبتةالمحتلة لخمس ساعات حتى يتم تبرير استعمالها للتأشيرة وهو إجراء يقوم به عادة الذين يحصلون على تأشيرة محدودة الأجل حتى تتمكن من الحصول على تأشيرة طويلة الأمد. هكذا يتبين بالملموس أن شعارات «الثورة» ماهي في الحقيقة سوى تغطية على سلوك النزوع إلى الفوز ب «الغنيمة»، حتى ولو كانت في بغداد أو السند أوالهند، وذلك وفق مبدإ ترسيخ «عقيدة» الوصولية والانتهازية والانتحارالسياسي، وتمتيع «القبيلة» على حساب المال المجهول، فالله وحده يعرف من أدى ثمن التذاكر، وفي جميع الحالات فالأمر يمثل فضيحة متعددة الأوجه،سواء كان الذي أدى الثمن مكتب الجمعية، أو المهرجان الفرنسي، أوالمستفيدون أنفسهم!هذا مثال واحد من سلوك الرفاق (قطرة من واد)، وما خفي سيكون أعظم بكل تأكيد! عن أسبوعية "الوطن الآن" العدد 580