التساهل يعكس استراتيجية انفتاح تعيدنا الى عدة أحداث مثل حفل جينيفر لوبيز في موازين حيث برز معسكران الأول رافض له والآخر يقبل به، وهذا التمزق يعكس رؤيتين الأولى تدعوإلى الحفاظ على القيم الجمعية والثاني يؤيد الانفتاح على العالمية رغم ما تشكله -من وجهة نظر المعسكر الأول- من خطر على القيم الموروثة ثقافيا. هل السلطات تتساهل أم تريد الدخول تدريجيا فيما تسميه اليونيسكو مجتمعات التنوع الثقافي والمجتمعي ؟. وفي هذا الإطار لن يفتح الباب فقط للمثليين وإنما أيضا لجميع أطياف الأقليات (الشيعة والمسيحيون والبهائيون…). وهذا سيطرح إشكالات، مثلا كيف يمكن تقبل « مثلي مسلم ». وهل الإسلام كعقيدة للمجتمع المغربي كما يقره الدستور يتقبل المثلية. فالدولة توجد أمام رهانات وتحديات الانتماء للمجموعة الدولية وفي نفس الوقت الحفاظ على الخصوصية والمشترك القيمي الضامن للتماسك الاجتماعي. فالسلطات لا تتساهل وإنما ترغب في تدبير تحديات قائمة تتعارض مع مقتضيات الفصل 489 من القانون الجنائي الذي يجرم العلاقات المثلية وهذا ما أورده التقرير الأخير لهيومان رايت واتش حول المغرب (ص. 119- 125)- والذي عاب فيه على المغرب عدم الاعتراف بالتوجه الجنسي (المثلية) وهوية النوع (Orientation sexuelle et identité du genre) وأدانه لسجنه لبعض حالات المثلية مثل واقعة بني ملال (الصفحة 123) مع أن السلطات المغربية تلجأ في غالبية الأحيان إلى اعتقال احتياطي للمثليين بغية فقط تهدئة غضب الشارع. نفس التقرير اعتبر أن تجريم العلاقات الجنسية الرضائية من خلال الفصل 490 (الصفحة 124) يعد نوعا من الإقصاء تجاه النساء والفتيات المغتصبات في حالة تبرئة المغتصب. في تظاهر عدد من المثليين المغاربة علانية حاملين أعلام المثلية ومطالبين بعدم تجريم السلوك المثلي هناك سياق ثقافي مجتمعي، يظهر فيه أن المجتمع المغربي يخرج من مرحلة الانغلاق الثقافي إلى مرحلة المكاشفة العلنية وتباعا تحول قيمي للفرد وللجماعة بموازاة تطور وسائل الإعلام السمعية والمرئية. و مع طفرة المحطات الخاصة والشبكات الاجتماعية أضحى ظهور بعض مكونات المجتمع عبر الفضاء الأزرق أو في التلفزة في برامج الواقع مثل حكاية الناس ومي حبيبة والخيط الأبيض … للعلن و عرض عدة « قضايا حميمية » أمام الجميع فانبرى الناس ليتحدثوا عن مشاكلهم ومشاركتها مع الجمهور عوض التداول فيها مع المقربين في عزلة عن المجتمع. فهذا يعد خروجا من دائرة القيم التي تحتويها العائلة إلى قيم يبت فيها في الفضاء العمومي. وفي خضم الحديث عن القيم ومن ضمنها مصفوفة مواقف و سلوكات لأفراد من المجتمع هناك قيم وسلوكات بعبنها يرغب البعض في كشفها والمطالبة بها. لكن هذه القيم ليست فقط محلية وإنما هي أيضا قيم كونية، ومع امتداد مظاهر العولمة التي اكتسحت جميع الميادين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أصبح هناك تملك لقيم مثل الحريات الفردية وحرية المعتقد وتجريم الإعدام و المثلية وأصبح الفاعل المدني المنظم يريد ترصيدها كرأسمال مجتمعي لا يمكن للدولة في هذه الظرفية إلا أن تتعامل معه لزاما في إطار المقتضيات المحلية والكونية بمراعاة الخصوصية الهوياتية ومرتكزات العيش المشترك. في جدلية التأثر بالخارج الخروج العلني للمثلية يأتي في سياق دولي، حيث إن المثليين في العالم يتبنون الإعلان عن مثليتهم في الفضاء العمومي (Coming out) من منطلق أن الآخر يجب عليه أن يعترف به ويتقبله كما هو بحيث يكون للمثلية اعتراف مجتمعي واضح ومتوافق عليه . والمثلية في الغرب لا تعتبر « مرضا » إنما « توجها جنسيا » باستثناء بعض تعريفات منظمة الصحة العالمية التي اعتبرتها في بعض تقاريرها بأنها « مرض ». أي إن الأمر يتعلق بتوجه جنسي يختار فيه الفرد علاقة جنسية مع فرد من نفس جنسه، وفي المغرب انعكس إعلان المثلية من خلال جمعية « كيف كيف ». وتطورت هذه الجمعية إلى جمعية مغاربية. ما يحدث في المغرب يقع في مصر والجزائر وتونس وأصبحت المثلية من خلال خروجها العلني « قضية » وليس « مسألة أخلاقية ». وهنا يمكن الإحالة على ما وقع في مليلية بحيث أصبح بعض المثليين المغاربة يطالبون باللجوء السياسي بذريعة أنهم مضطهدون في المغرب. هناك من يتجه إلى المثلية فقط لكي يجعل منها ذريعة و مطية للحصول على »اللجوء السياسي » والمرور إلى الضفة الأخرى. ولهذا نحتاج إلى بحث وطني حول المثلية لأن الخوض في مسألة المثلية يبقى انطباعيا بدون مقاربة علمية تمتح من المعاينة والبحث الميداني، بل يتوجب انجاز دراسة ميدانية لنفهم كيف يعيش المثلي وكيف يفكر وكيف يتعايش مع الآخرين وما هي تطلعاته في دولة مثل المغرب. لحد الآن هناك شح في الأبحاث الاجتماعية حول المثلية ويتم التعامل معها ك »طابو أخلاقي » يلطخ سمعة المغرب. لهذا ومع عدم الولوج إلى المعلومة لا سيما الكمي منها (فيما يمت إلى حالة المثلية بالمغرب) يوجد الفاعل المجتمعي (السياسي والمدني والأكاديمي والمثقف والمواطن، …) في تموقع سلبي لظواهر يمكن أن تؤثر على النسيج المجتمعي وعلى البيئة القيمية في المستقبل.