تألقت في لعب دور المرأة الذكية من خلال الدويبة ورمانة وبرطال، وقد أثارت بعضا من لقطاتها في فيلم مصري جدلا كبيرا داخل المغرب. هي سناء عكرود الممثلة الجريئة، التي تتحدث عن ظاهرة التحرش الجنسي بكل صراحة. هل سبق أن تعرضت الممثلة سناء عكرود لأي تحرش من أي نوع؟
للأسف، يحز في نفسي أن أقولها، لكنها الحقيقة. الرجل المغربي عموما لا يحترم المرأة في الشارع.
أتذكر منذ صغري أننا كنا خلال فترة الأعياد نحتفي بهذه المناسبة في الشارع، وعندما يتحرش أحدهم بإحدى فتيات الحي محاولا أن يمسك بيدها أو لمسها في كتفها أو ذراعها تقوم بنهره، وفجأة يواجه صدها له بوابل من السب والشتم، وقد ظلت هذه المشاهد راسخة في ذهني كعنوان لعنف ولظاهرة غريبة ومقيتة كانت دائما محط استنكاري.
والغريب في الأمر أنني عندما أصبحت فنانة، كلما حاولت أن أنهر من يتحرش بي في الشارع، يباغتونني بالقول: «اه. سمحي لينا معرفناكش! هادي الفنانة ديالنا للا سناء عكرود بطلة رمانة وبرطال أو فيلم.. الله يخليك مسحيها فينا. غلطنا في حقك»! غريب. هل هذا معناه أنني إذا لم أكن فنانة مشهورة أحظى بالاحترام، يجب أن أُستباح وأن توجه إلي الكلمات الجارحة؟
إذن، هذا على الأقل معناه أن الفنانة تعفى من التحرش؟
لا ليس هذا القصد، الفنانة هي كذلك عرضة للتحرش. إنما في الشارع لاحظت أن الكثيرين منهم اعتذروا إلي حينما تعرفوا علي. ولهذا يجب أن نعلم الابن في البيت وفي المدرسة وفي دار الشباب وفي السينما والمسرح ما معنى أن يحترم المرأة، سواء كانت أمه أو أخته أو زميلته أو زوجته أو مواطنة من بنات بلده في الشارع. لقد أنجبت ابنة في الآونة الأخيرة وجربت الأمومة، وأخشى على ابنتي من هذه الظاهرة مثلما تخشى أي أم أو أي أب على بناتهما من هذا المرض الذي قد يؤثر على شخصيتها طيلة حياتها.
طبعا الفنانة لا تسلم من التحرش، وقد أفاجئكم إذا أكدت لكم أن ثمة من الفنانات من يتعرضن للتحرش من طرف بعض المنتجين أو بعض المخرجين السينمائيين. ففي عالم الفن، تسود بعض من حالات قلة الاحترام، وانتبهوا معي أنا لا أعمم، وإنما أسطر جيدا على عبارة «بعض المنتجين وبعض المخرجين»، الذي يقدمون دورا لفنانة ويسمحون لأنفسهم بالتحرش بها، خاصة إن كان الدور الذي منح للممثلة موضوع التحرش رئيسيا أي دور البطولة. يبقى أن أضيف أنه إن قبلت الفنانة بهذا التحرش فهو يتمادى في تحرشه بها، وبالتالي كما يقول المثل: «لي دار راسو في النخالة ينقبوه الدجاج».
إن قبلت فهذا لا يعني تحرشا، فرضا الطرفين يلغي التحرش...
(تقاطع) تماما، لذلك أؤكد أن بعض المنتجين والمخرجين يعتبرونني مغرورة، لكن هناك بعض المنتجين «الله يعمرها دار»، يحترمون الممثلات اللواتي يتم اختيارهن بناء على مقياس الكفاءة ولا يحاولون استغلالن.
هل تعرضت للتحرش بعد أدائك لدور شهرزاد الذي تبدين فيه في لقطة جنسية مع بطل الفيلم؟
أبدا. دوري في فيلم «احكي يا شهرزاد» لم يشجع أحدا على التحرش بي، فكما أكدت مسبقا، لقد حرصت دائما على أن أعطي قيمة لمهنتي ولشخصيتي، ولا أنكر أن دوري في الفيلم المصري «احكي يا شهرزاد» لم يحصد المعجبين بدوري وأدائي فحسب، فثمة من لم ينل إعجابه مطلقا. لكن، أود أن أوضح أن من راقهم الفيلم والسيناريو ككل ودوري خصوصا، كانوا يفرحون حينما يلتقونني، فيقابلونني بالتصفيقات والتشجيع على مواصلة العمل السينمائي، أما من لم ينل رضاه فلم يكن يقترب مني ويتفادى مفاتحتي في الموضوع. شخصيا، لا أستفز الناس، أنا أحترم رأيهم. فليس لأنني مثلت دورا في الفيلم المصري «احكي يا شهرزاد» تضمن لقطة بعينها تخدم قصة الفيلم ومجريات الأحداث، علي أن أتعرض للتحرش. إن لي طريقتي في تبليغ الرسائل التي تجعل من يحاول التحرش بي ينفض من حولي، لذلك هناك من يقول عني «صعيبة»، وإن اقتضى الحال يمكن أن أكون وقحة وأكشف عن وجهي الآخر لمن حاول أو خطر بباله أن يتحرش بي.
إن التحرش الجنسي أصبح معتادا داخل الشركات، وحتى في المجال الفني وغيره، وهو من الطابوهات المسكوت عنها. لكن للمتحرش بها إمكانية كبح هذا التحرش، فكما يقول المثل الشعبي: «من النهار الأول كيموت المش والفار والكلب». وفي نفس الآن، أود أن أسطر على ملحوظة أساسية: إذا لمح أحدهم امرأة مقبلة على الحياة تضحك ملء فمها، فهذا معناه أنها تحب وتعشق الحياة، وليس دليلا على أنها تدعوهم إلى التحرش بها، وأعتقد أنه لو فهم العديد من المغاربة هذا المعطى سيوفرون على الكثير من النساء المتحررات سوء الفهم الذي يقع في العديد من الحالات.
يجب ألا ننسى على أن الرجل بدوره يتعرض للتحرش الجنسي في عالم الفن هذا، فالممثل يجد نفسه معرضا للتحرش إما من طرف مخرجة الفيلم أحيانا أو من قِبل المكلفة بالماكياج أو من طرف زميلته الممثلة في أحايين أخرى، خاصة إذا كان وسيما.
أيعني هذا أنه بنفس القدر الذي تتعرض فيه الفنانات في المغرب للتحرش كذلك يتعرض الفنان لنفس الضغط والإهانة وتمارس عليه نفس الأمراض؟
لا، ليس هذا هو القصد. ثمة فرق مهم.
ماذا تقصدين إذن؟
الفرق بين التحرش الممارس على الرجل والمرأة أنه في حالة تحرش المخرج أو المنتج بممثلة وصدت تحرشه هذا، فإنه يعمد إلى التضييق عليها وإلى الاستمرار في مطاردتها وخنقها عبر العديد من المنافذ، أما في حالة ما إذا صد الممثل المخرجة أو المنتجة أو الزميلة الفنانة ولم ينصع لرغباتها، فإنه لا يتأثر بالتحرش الذي مورس عليه، وعادة ما يواصل عمله دون أن يبالي أو يتعرض لأي ضغط...
لذلك يختلف التحرش الممارس على المرأة عن التحرش الممارس على الرجل، هذا في الوقت الذي ينذر فيه التحرش الممارس على الرجل. إننا إزاء نوع من الترهيب النفسي الذي تقف وراءه سنوات من التقاليد والعادات الأبيسية التي يرثها الرجل نفسه عن المرأة الأم كحاملة للقيم المحافظة، الشيء الذي يقتضي منا مجهودا كبيرا على مستوى التربية، وفي نفس الوقت يستدعي وضع قوانين زجرية تساهم في الردع والتكوين على قيم ومبادئ مختلفة عن تلك التقاليد والعادات التي ترسخت في الحي والمدرسة وكأنها مسلمات غير قابلة للتغيير في الأذهان، ومن ثم ضرورة التهييء لجيل يحترم حقوق المرأة ويعترف بها ككائن كامل المواطنة.