على بعد أشهر معدودة من انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية يجد الرئيس الاشتراكي الفرنسي « فرانسوا هولاند « ، نفسه محاصرا بعدة تناقضات قد تحبط أو على الأقل قد تعقد محاولته للحصول على ولاية ثانية في قصر الاليزيه. ولعل أكبر وأعنف هذه التحديات تكمن في إرادة الفرنسيين التي تعكسها من حين لآخر معاهد استطلاعات الرأي الرافضة لشخص و لحصيلة « فرانسوا هولاند »، والتي تتهمه بخذلان الفرنسيين لأنه تخلى عن الوعود الانتخابية التي قدمها لهم في برنامجه الانتخابي و أنه عِوَض خيارات اليسار التي انتخب على أساسها يُتهم بتطبيق سياسية اقتصادية واجتماعية متناغمة تماما مع ما ينادي به اليمين المعارض. وبسبب هذه الأوضاع المتأزمة ظهرت حركة يسارية غاضبة من ولاية « فرانسوا هولاند » وساخطة على خياراته، حركة جسدتها سياسيا انتفاضة الاشتراكية عمدة مدينة ليل الشمالية « مارتين أوبري »، عندما وجهت انتقادات لاذعة و صريحة عبر وسائل الأعلام لمواقف حكومة « هولاند » حول مواضيع ملتهبة كقرار سحب الجنسية لحاملي الجنسية المزدوجة المولودين على التراب الفرنسي، أو قانون العمل المتهم بتقديم هديا ثمينة لأرباب العمل على حساب حقوق الطبقة العاملة دون وجود ضمانات لأن ذلك سيساهم في خلق فرص العمل…وهو الشعار المقدس الذي يرفعه المدافعون على هذا القانون. أما على المستوى الشعبي فشكلت تظاهرة /نوي دوبو/ أو الواقفون ليلا تعبيرا قويا عن مدى الامتعاض و خيبة الأمل من حصيلة ولايته في سنواتها الأربع الأولى. التعقيدات السياسية التي يواجها « هولاند » وحكومته دفعت بالبعض إلى المطالبة بتنظيم انتخابات أولية لاختيار مرشح اليسار في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويحمل هذا الطلب رسالة تحد إلى شخص « هولاند »، بأنه لا يحظى بثقة عائلة اليسار وأن عليه العودة إلى قاعدة المناضلين لاكتساب شرعية جديدة و لشرح خلفيات السياسة المتبعة منذ وصوله إلى قصر الاليزيه . هذه الخطوة يرفضها لحد الساعة المقربون من « فرنسوا هولاند » و يراهنون على عدم وجود شخصية يسارية قادرة على منافسة « هولاند » في السباق الرئاسي الذي سيخوضه ضد اليمين السنة المقبلة. و مما زاد الأمور تعقيدا بالنسبة « هولاند » خروج وزير الاقتصاد في حكومته « إيمانويل ماكرون » بمبادرة سياسية يهدف من وآرائها تعبئة أصدقائه لخوض معركته و طموحاته الشخصية، و قد قام الوزير الشاب الذي أصبح في وقت قياسي أيقونة إعلامية وعلامة حمراء يحاربها اليسار المعارض، بهذه المبادرة بضوء أخضر من « فرانسوا هولاند » ما دفع بالمراقبين إلى التساؤل حول إستراتيجية « هولاند » . و كان لهذه الخطوة انعكاسات سياسية إذ تسببت في ظهور تصدع في التشكيلية الحكومية بين رئيسها « مانويل فالس » و وزير الاقتصاد « امانويل ماكرون ».. ما أعطى الانطباع أن هناك نوعا من التعايش السياسي بين مختلف الشخصيات المكونة للحكومة مما قد يعقد فكرة توحيد صفوف اليسار الضرورية لربح أي معركة مستقبلية.