يمكن للباحث في تاريخ المغرب أن يلاحظ أن هناك نوعا من الغموض و الالتباس اللذان يكتنفان اسمي : « مصمودة » أو « المصامدة » من جهة و « شلوح » و تاشلحيتْ » من جهة ثانية، رغم كلّ التفسيرات اللّسنية الطوبونيمية(1) و الجنيالوجية النَّسَبِيَّة(2) التي تسعى إلى فهمهما و إلى تفسيرهما .و إعادة تفسيرههما، خاصة و أنّ اسم ( مصمودة – مصامدة – مصمودي) لم يرد إلا في الاسطوغرافيا العربية الاسلامية و بصغته العربية و منها أخذه الدّارسون الغربيون للتّاريخ و المجتمع المغربي، كما أنّه غير متداول نهائيا في لغة القبائل التي تنحدر من هذا التجمع المصمودي التاريخي، في الوقت الذي كان فيه اسم « الشلوح » أو » إيشلحِييْنْ »(3) هو الذي يُطلِقُه المصامدة على أنفسهم، و هو الاسم الأكثر تداولا عند غيرهم شفويا، فالهيمنة المطلقة لاسم « المصامدة » في التراث المغربي المكتوب و الغيّاب التّام لاسم « شلوح » في هذا التراث المكتوب، تقابلهما السيادة المطلقة لاسم « الشلوح » في لغة التداول الشفوية و الثقافة الشعبية سواء لدى الشلوح أنفسهم أو لدى العرب، و الغيّاب التّام لاسم « المصامدة » في اللغة و الثقافة الشعبية. و يمكن أن يُسْتنتَجَ من ذلك أن اسم « الشلوح » المتداول شفويا في الثقافة المغربية الشعبية هو الترجمة الفعلية لاسم « المصامدة » المتداول في التراث المغربي العربي المكتوب، خاصة إذا تمّ تفسير « اسم » مصمودة كاشتقاق من « صَامَدَ » و « يُصامِدُ » و « صمودا » ، ممّا تعنيه من ثبات و استقرار في الموقع و المكان، و بالتالي السّكن فيه، و هي نفس الدلالة التي توحي بها معاني كلمات « ءشْلْحِيْنْ » و » ءيشَلْحْ » في لغة تاشلحيت، حيث تعني استقَرّ و أقامَ و سَكَنَ(4)، و هذا ما يعفي الدّارسين من شقاء البحث في الأصول اللغوية لكلمة « مصمودة » في لغة تشلحيت(5) رغم أن هذه الكلمة غير متداولة شفويا في لغة تاشلحيت و في الثقافة الشعبية المغربية ، كما يريح أؤلئك الذين يريدون التّخلّصَ من اسم « شلوح » و « تاشلحيت »، لا لشيء سوى لأنّهم يبحثون عن دلالة لفظة » شَلَحَ » و « شَلْحا » في القوامس العربية، فيجدونها تُفيدُ العري و السرقة و قطع الطريق، رغم أن هذه اللفظة غير متداولة في التراث المغربي المكتوب بالعربية. مع العلم أنّ اسم « شلوح » و « تاشلحيت » عريقان عراقة الأمازيغ و تمازيغت، كما أكّده ذلك مارمول كربخال(منتصف القرن السادس عشر الميلادي) بما أورده عند حديثه عن سكّان المغرب القدماء، و الذين يسمّيهم بالأفارقة، و الذين يقصد بهم الأمازيغ و نقلا عن ابن الرقيق القيرواني (عاش في خلال القرن العاشر الميلادي)، حيث يقول: » إن الأفارقة القدماء الذين يسمون شلوحا أو برابرة، و لو أنّهم مشتّتون عبر إفريقيا كلّها… و يتكلّم أهل غمارة و هوارة الذين يعيشون في جبال الأطلس الصغير(يقصد جبال الرّيف) لغة عربية فاسدة، و كذلك جميع سكان بلاد البربر المقيمين بين الأطلس الكبير و البحر، و لكن سكان مرّاكش و جميع أقاليم هذه المملكة، سواء منهم النوميديون و الجيتول المقيمون بجهة الغرب، يتكلّمون اللغة الإفريقية الصافية المسمّاة الشلحة و تامازيغت، و هما اسمان قديمان جدّا. »(6). و بحكم القوة الديموغرافية للشلوح المصامدة، و لانتشارهم الواسع، و لتجذّرهم التّاريخي العميق في المغرب أكثر من أمازيغي صنهاجة الأطلس المتوسط و من أمازيغي زناتة جبال الريف، و لكون الشلوح أقلّ هذه التجمّعات القبلية الأمازيغية تَعْريبا، و أكثرها حفظا على خصوصياتها الثقافية و الاجتماعية بالمقارنة مع صنهاجة و زناتة ، تمّ تعميم اسم « الشلوح » في الثقافة الشعبية على باقي المجموعات القبلية غير المصمودية في المغرب، كصنهاجة الأطلس المتوسط و الجنوب الشرقي رغم أنّ لها لهجتها الخاصّة و هي تَمازيغْتْ ، و كزناتة جبال الرّيف رغم أنّ لها لهجتها الخاصة و هي تاريفيتْ ، حيث يتمّ الحديث شعبيا على « شلوح » الأطلس المتوسط و على « شلوح » جبال الرّيف. و مقابل هذا التعميم شعبيا و شفويا لاسم الشلوح على كلّ أمازيغي صنهاجة و زناتة، هناك حاليا نزوع أكاديمي يقوده المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية نحو تعميم اسم الأمازيغ و تمازيغت على كل كل شلوح المغرب. المراجع و الإحالات: [1] )- يرى الاستاذ علي صدقي أزيكو أن المصامدة أو إمصمودن ، من السكان الأصليين بشمال غرب افريقيا، كفلاحين مستقرين مرتبطين بالأرض ، لذلك فمصطلح في مختلف تفسيراته تحيل على ذلك. فكلمة مصمودة أو مصمود كلمة أمازيغية مركبة يمكن أن يتم تفكيكها وفهمها وفق ثلاثة أطروحات : أ- أنها مركبة من: 1- مص( (ms – mess – mas و 2- أمود(amud). فكلمة مص تعني وترمز لمالك شيئ ما أو مزاولة عمل ما ( رعي الغنم أو فلاحة الأرض أو القنص أو أي عمل ). أما كلمة أمود (amud) فتعني وترمز للبذور والبذر و الزرعة و الزراعة والحرث و وقت الحرث. وبالتالي ف كلمة مصمود المركبة ((msmud – mes+mud تعني الناس المالكين للبذور أو الممارسين لعمية البذر أو المتعودين على زراعة الارض ، أي المزارعين و الفلاحين. ب: كلمة أمصمود (amsmud)مشتقة من أمز أمود ((ammezzamud، وحيث يقلب حرف الزاي دائما الى حرف الصاد في حالة تعريب الكلمة الأمازيغية ، مثل الصلاة: تزاليت و الصوم : أزوم. و كلمة أمز (amezz) بدورها مركبة من أم(am) و از ezz))، فأم(am) في الأمازيغية هي بداية الكلمة(préfixe) التي غالبا ما يبدأ بها اسم المفعول، واز(ezz) أو زو ثم ازا و أزو تعني غرس أو الغرس والزرع . ثم كلمة أمود التي تعني البذور والبذر ثم الزرع، ليركب الجميع في أمزمود(amzzmud) و أمصمود(amsmud) التي تعني الزارع للبذور والغارس للغرس أو المزارع والفلاح . 2)- ) يقول ابن خلدون في تتبّعه لنسب المصامدة : » و أما المصامدة وهم من ولد مصمود بن يونس بن بربر فهم أكثر قبائل البربر و أوفرهم » – » كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ون عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر- الصفحة 245 المجلد السادس-منشورات محمد علي بيضون دارالكتب العلمية بيروتلبنان- الطبعة الثانية2003- ص: 245 . 3)- اسم » الشلوح » و مفرده « الشّلح » و لغته تاشلحيت ، هو الاسم الأصلي الذي أطلقه سكّان المغرب الأصليين المصامدة في الأطلس الكبير و حوز مراكش وسوس و الأطلس الصغير على أنفسهم، و ما زالوا لم يرضوا عنه بديلا. و في لغة تاشلحيث فعل » ءِيشَلْحْ يعني استقرّ و أقام و سكن ، مما يفيد أن اسم « الشلوح » يعني المستقرين و المقيمين أو السكان المستقرين، و لا معنى و لا فائدة من اللجوء الى البحث عن دلالة كلمة « الشلح » و « الشلوح » في اللغات الأخرى غير تاشلحيث، أما الذهاب الى تفسيره و شرحه في اللغة العربية فذلك قمّة الإجحاف اللغوي و التعسّف العلمي ، لان شرح و تفسير اسم من أسماء الأعلام البشرية و الجغرافية في علم الطبونيما يقتضي الرجوع في البحث عن دلالته الى لغة المعنيين به ، أي عندما نريد البحث عن شرح و تفسير كلمة « الشلوح » و « تاشلحيت » يجب العودة بها الى لغة تاشلحيت ، و ليس الى البحث عن دلالتها في لغات شعوب أخرى . و نفس الشيء بالنسبة لاسم « أمازيغ » و « تامزيغت » فيجب البحث عن دلالتها في لغة « تمازيغت » ، و ليس في اللغة العربية أو اللاتيية أو أية لغة أخرى ، فمن المحتمل جِدا أن تكون هناك ألفاظ متشابهة في لغتين مختلفتين أو لغات متعددة ، و لكنها تختلف أو قد تتناقض في دلالتها في كل لغة على حدى . و عليه فإذا كانت كلمة « الشلح » و فعل « شلح » في اللغة العربية يفيد العري و السرقة و النهب و قطع الطريق ، فهذه الدلالة لا يمكن أن تُلْزِم بها اللغة العربية لغة تاشلحيث أو تمازيغت أو الألمانية أو الهندية ، فيجب البحث عن معنى « الشلح » و « تاشلحيت في لغة تاشلحيت و ليس في غيرها، خاصة و أنّ هناك غياب تامّ لاسم « شلوحّ » في التراث العربي المغربي المكتوب. 4)- التقي العلوي – أصول المغاربة: القسم البربري – شعب المصامدة- مجلة البحث العلمي – المركز الجامعي للبحث الرباط – السنة 14 العدد 28 سنة 1977 – 213. 5)– كما فعل الأستاذ علي صدقي أزيكو في المرجع المشار إليه في الهامش 18. 6)- مارمول كربخال – إفريقيا – الجزء الأول ترجمة: محمد حجي و محمد زنيبر و محمد الأخضر و أحمد توفيق و أحمد بجلّون – منشورات الجمعية المغربية للتأليف و الترجمة و النّشر – مكتبة المعارف الرباط – الطبعة 1 سنة 1984 –ص:115-116.