نص دستور فاتح يوليوز 2011 في الفقرة الأخيرة من فصله الخامس، على ضرورة إحداث مؤسسة تحمل اسم « المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية »، وفق الصياغة التالية: « يُحدَث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره ». ويظهر من خلال ذلك أن المؤسسة المعنية تأخذ بعدا استراتيجيا محوريا، باعتبار الوظائف التي ينبغي أن تقوم بها، وخاصة وظائف وغايات التدبير والتخطيط اللغوي وما يتعلق به من إجراءات تصب في اتجاه التأسيس لفعل ثقافي قويم ومتين، يستجيب في عمقه وأهدافه لمتطلبات البناء الديموقراطي المنشود. وتعد اللحظة الدستورية التي جعلت من اللغة الأمازيغية، إلى جانب اللغة العربية، لغة رسمية للدولة المغربية لحظة تاريخية دقيقة ومفصلية، لأنها تؤسس لتوجه تنظيمي مغاير تماما للتوجه الذي تم اعتماده في تنظيم دولة الاستقلال. لقد تم تجاوز الأحادية اللغوية التي كانت مسنودة بكل الوسائل والإمكانيات المادية والرمزية والإيديولوجية، لفائدة الثنائية اللغوية التي لا محيد عن أجرأتها بدون مراعاة مبدأ العدالة والمساواة، على مستوى الاستفادة من كافة الإمكانيات التي يتيحها الاشتغال في كنف المؤسسات الرسمية، فضلا عن العدالة في الولوج إلى الفضاءات العمومية وما يضمنه ذلك من مكتسبات مادية ورمزية. ولذلك فإن المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وفي إطار الدور الاستراتيجي المنوط به باعتباره مؤسسة دستورية للحكامة الجيدة، ينبغي أن يقوم باستحضار مبدأ العدالة اللغوية التامة والكاملة ويعمل من أجل ترسيخها بين اللغتين الرسميتين للدولة. ويدخل ذلك ضمن المطلب الديموقراطي الشامل الذي تنشده جميع مكونات المشهد السياسي والحقوقي والثقافي بالبلاد، والتي توافقت على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي أولت لتسييد العدالة والمساواة أهمية خاصة. وتتمثل مظاهر العدالة اللغوية في ترصيد كافة المكتسبات التي تحققت للغتين الرسميتين للدولة (الأمازيغية والعربية) على مدى العقود المنصرمة، والعمل على ضمان المساواة التامة بينهما بغية إذابة الفوارق الكبيرة التي أذكاها اعتماد نظام اللغة الرسمية الواحدة والمهيمنة، ومعالجة الأعطاب التي لحقت باللغة الأمازيغية جراء إقصائها الدائم والمستمر من لعب الأدوار الجديدة للغات بالعالم الحديث. وفي هذا الإطار، ينبغي أن يعمل المجلس على رصد كافة الإمكانيات والجهود اللازمة لتحقيق هذه المساواة، سواء عن طريق تتبع سبل التقييم وتفعيل الطابع الرسمي للغتين الرسميتين وإدماجهما في جميع مناحي الحياة العمومية وكافة مظاهر السيادة، ووضع مخططات واضحة المعالم، قابلة للتنفيذ الفعلي والآني، وتحديد آفاق واضحة للفعل المستقبلي القصير والطويل الأمد. كما ينبغي تمكين المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية من الآليات القانونية الصلبة والواضحة، التي تمكنه من القيام بمهامه بعيدا عن إشكاليات تداخل الاختصاصات والمهام الذي يهدد فعالية القوة الاقتراحية والاستشارية، ويؤدي بالتقارير والاستراتيجيات والتقييمات والتتبعات نحو الرفوف، بدل الأجرأة والإعمال الفعلي والواقعي. كما أن العدالة اللغوية المنشودة تتطلب القدرة والفعالية على تعبئة كافة الشركاء، من أجل تقييم السياسات العمومية على مستوى أجرأة وتفعيل الطابع الرسمي للغتين الرسميتين، وقدرتها أيضا على إعمال متطلبات التدبير الأمثل والجيد للتنوع اللغوي والثقافي، وتجاوز المساوئ المتراكمة للسياسات اللغوية والثقافية في العقود المنصرمة. كما ينبغي أن تستحضر كافة المقتضيات الملحة للعدالة والمساواة اللغوية والثقافية، أثناء مراحل وضع السياسات والمخططات الاستراتيجية لجميع المؤسسات المكونة للمجلس وباقي المؤسسات الرسمية والسلطات الحكومية، وأن تتبلور في مختلف التصورات التنموية والمخططات التشريعية والتنفيذية، لكي تظهر الثنائية اللغوية باعتبارها وجها جديدا للدولة على وجه العموم. عبد السلام بومصر