استفز الإجرام المستمر الذي يمارسه النظام السوري الكاتب المغربي الطاهر بن جلون ليقوم برحلة افتراضية لدخول عقل بشار الأسد، ورصد الأفكار السوداء التي تدور برأسه والتي تتحول إلى آلة للقتل والتعذيب داخل بلاده. بشار الأسد يفتح قلبه لكم! لقد دخلت عنوة في داخل عقل بشار الأسد. إنه عبارة عن قلعة يستعصي على المرء دخولها، وقبل محاولة الاقتراب منها ينبغي على المرء المرور عبر سبعة حواجز، على الأقل، محاطة بحراسة مشددة. مثل أبيه، يحيط بشار نفسه بحماية أمنية كبيرة. ويُحكى أن حافظ الأسد أمر بإعدام سبعة جنود كانوا مكلفين بتفتيش الأشخاص الذين كان يستقبلهم. كان حافظ الأسد يحب لعب الشطرنج مع صديق له من أيام الطفولة. وفي كل مرة، كان صديق الرئيس يخضع للتفتيش سبع مرات قبل الوصول للقاعة التي كان يلعب فيها الشطرنج مع الرئيس. وفي أحد الأيام وجراء تعود الجنود على رؤيته، سمحوا له بالدخول دون تفتيشه. عندما علم حافظ الأسد بما جرى، أمر بإعدام الجنود الذين لم يقوموا بواجبهم على أكمل وجه. بشار الصغير عاين الحدث الذي لم يكن الأول أو الأخير. فقد قام بشار، مثل أبيه، بإحاطة نفسه بأسوار لحماية نفسه. لهذا الأمر ما يفسره. عندما يقوم شخص بتقتيل الناس فهو لن يدري من سيقتله. لذلك يضطر المرء لأخذ الحيطة والحذر، حتى حين يتجاوز الأمر حدود المعقول. رأسه ليس كبيرا. إنه مليء بالقش، والإبر وشفرات الحلاقة. لا أدري لماذا. شخصيته هادئة. لا وجود للقلق أو التوتر لديه. لا أدري من أين يحصل على كل ذلك الهدوء. هل الأمر يتعلق بشيء ورثه عن والده؟ أم أنه تلقى حصصا إضافية، بالليل، لكي يتعلم كيفية قتل الناس دون أن ينزعج من ذلك، ودون أن يعير أي اهتمام لحجم الأذى الذي يخلفه! وجدت نفسي صاغرا وجلست لكي أصغي، لأن هذا الأخير يفكر ولا يكف عن التوصل لأفكار جريئة!
نصيحة أبي
تعلمت كل شيء عن أبي، رحمه الله. كان رجل دولة عظيما، ورجلا حساسا ومثقفا ومُخططا كبيرا. أتذكر أن هنري كيسنجر كان يكن له الكثير من التقدير. قد قال لي أبي بأنه كان يعتز بذكاء وزير الخارجية الأمريكي وحسه السياسي الواقعي. لقد كان أبي على تفاهم كبير مع هذا الرجل. وقد ذكرني والدي بالكيفية التي استطاع من خلالها هذا الرجل تصفية سالفادور أليندي وتعويضه ببينوشي. في هذه الأيام، أكلم أبي أحيانا. إنه رجل رائع، وهو مَن يملي عليّ ما ينبغي علي القيام به، والمسار الذي يجب أن أتبعه. وقد قال لي، مؤخرا، بأنه إن ساءت الأمور فما ينبغي علي سوى العودة إلى لبنان. كما أنه لا يتقبل، مثلي، الطريقة التي تم من خلالها طرد الجيش السوري من لبنان سنة 2005. حتى موت الحريري وبعض الرعاع لم يمح وصمة العار التي ألصقها بنا اللبنانيون. أنا أصمد حاليا. ليس هناك من داع للقلق. الأمور بخير. أنا لست بصدام أو القذافي. لن تروني أبدا أتهكم على العملاء الأمريكيين الذين يبحثون عن القمل داخل رأسي، أو أقوم بشنق المتعصبين... لقد وقع كل هؤلاء في الفخ لأن مستوى ذكائهم صغير جدا. أنا أنتمي لعائلة الأسد؛ العائلة الوحيدة والموحدة. عائلتنا عائلة كبيرة وقوية وذات نفوذ، ولها تقاليدها. أنا لا أقوم بعمل عشوائي. إنني أقاوم مؤامرة دولية. لدي الإثباتات. لن أسمح بأن يتحول بلدي إلى جمهورية إسلامية تديرها حفنة من الأميين، أو معقل لليسار المليء بالأغبياء والذي لا يصلح سوى للتباهي بالصالونات الأوربية! لقد علمني أبي بأن على المرء أن يكون له قلب من حديد خصوصا في السياسة. وقد عودت قلبي على أن لا ينكسر أبدا. لا وجود للمشاعر أو الضعف لدي. إن حياتي على المحك، وحياة عائلتي كلها كذلك. لن يلقى العابثون الذين يريقون دم سوريا ويشعلون فتيل النار فيها سوى المصير الذي يستحقون. يتكلم البعض عن «الربيع العربي»، ما هذه القصة؟ أين ترون الربيع؟ لا تقولوا لي بأن الفصول غيرت تعاقبها بسبب بعض المحرضين المغفلين الذين يحتلون الأماكن العمومية!
الربيع المؤجل
لقد أعطيت الأوامر بعدم السماح بحلول الربيع حتى تحقيق النصر. كيف يكون الربيع مرادفا لرحيلي؟ لن أموت هكذا، بل سأسحق العالم بأسره قبلي. يجب علي أن أذكركم بأن سوريا بلد علماني، مثلها مثل فرنسا، التي تخلت عني وتقوم بتوبيخي. أما أوباما، الذي يتهمني بارتكاب جرائم بشعة، فلماذا يحشر أنفه فيما لا يعنيه؟ ألم ير ما فعل جيشه بالعراق وأفغانستان؟ ماذا لديهم ضدي؟ هل بسبب إعطائي الأوامر للجيش بإطلاق الرصاص على المتظاهرين؟ إذا لم أقم بذلك فسأفقد كرسي الرئاسة، ولن يحترمني أي أحد بعد ذلك! انظروا مآل صديقي مبارك الذي وجد نفسه مطروحا خارج القصر بين ليلة وضحاها. لم يتحل بالصمود ورباطة الجأش. لقد خانه الجيش. يرق حالي لهذا المسكين، حينما أراه يحضر جلسات المحاكمة على متن سرير للمرضى. إنه كئيب ومريض. الشعوب مجرد ناكرين للجميل. إنهم ينسون سريعا ما قام به الرؤساء لأجلهم. يتكون الجيش التابع لي في غالبيته من الأشخاص الأوفياء لي. وقد أدى الأشخاص الذين انشقوا عن الجيش ثمنا غاليا جراء ما قاموا به. ليس لدي ما أندم عليه. أنا أدافع عن نفسي. إنه دفاع شرعي عن النفس.
حافظ الأسد يبكي
لقد اتخذت كل الاحتياطات لحماية زوجتي أسماء، وأبنائي الثلاثة، حافظ وزين وكريم. ما قمت به أمر عادي، فأنا أحمي عائلتي مثل أي أب. لا أدري كيف يستطيع آباء غير مسؤولين الدفع بأبنائهم لأجل التظاهر وهم على علم مسبق بأن أبناءهم يمكن أن يسقطوا ضحايا لبعض الرصاصات الطائشة! لقد قالوا لي بأن بعض الأطفال ماتوا. لا أستطيع تصديق ذلك، وأحمل آباءهم مسؤولية ما حدث، لأنه لا يوجد أي شيء أكثر حزنا من فقدان فلذات أكبادنا. لا زالت أتذكر حزن أبي العميق في اليوم الذي توفي فيه أخي باسل في حادثة سير. لقد بكى. نعم لقد رأيت أبي يبكي. لقد بكى أبي، ذلك الرجل العظيم، الذي جعل سوريا دولة ذات مكانة وجعل حياة الإسرائيليين صعبة. بكى لأنه لم يقدر حتى على الانتقام. لم يكن يقدر على تفجير الطريق التي قضت على حياة ابنه الذي كان يُحضّره لكي يكون رئيسا لسوريا بعده. كان أبي يرفض أن يعاكس أيُّ شيء رغباتِه. وأنا بالمثل أكره أن تُعاكَس رغباتي. أنا لا أتحمل أبدا أن ينتقدني أو يحاربني أي كان! لقد حاولت الأممالمتحدة أن تعبث معي، وحاولوا أن يطلبوا مني التنحي عن السلطة. لا يمكن وصف هذا سوى بالتدخل السافر في الشؤون الداخلية لسوريا. يجب على هذه المجموعة من الدمى أن تتركني وشأني. الرحيل؟ إلى أين؟ هل يظنون أنني بنعلي؟ لن أركب على متن طائرة وأتضرع للدول من أجل الحصول على اللجوء السياسي. لحسن الحظ أن الصين وروسيا التي يديرها صديقي بوتين أشهرا «الفيتو» في وجه القرار الأممي. صديقي أحمدي نجاد لازال يقف في صفي كذلك. إنه يهاتفني بين الفينة والأخرى، ويطلب مني عدم الاستسلام. العالم لازال فيه بعض من العدل. الثوار ينتمون لجماعات إرهابية، وهم عملاء يحصلون على المال من أوربا وبعض الدول العربية التي تريد تصفية بعض الحسابات معي. ليس عليكم سوى تتبع قناة «الجزيرة» لكي تدركوا بأن مؤامرةً تُحاك ضد سوريا.
«خرافة» التعذيب
إنهم يتحدثون عن التعذيب؟! من العادي جدا أن يكون هناك تعذيب لتفادي ما لا تُحمد عقباه، ولكي لا يقع الأبرياء ضحية لرصاص الأشرار السوريين! أنا مَن يتحكم في البلاد، وسأقف في وجه كل من يحاول إقامة نظام جديد. يجب عليهم أن يشكروني ويساعدوني على حماية سوريا من الخطر الإسلامي. أنا أعلم بالمصير الذي ستلاقيه الطائفة العلوية التي أنتمي إليها، كما هو حال الأقليات النصرانية والأرمينية. على الفاتيكان أن يقوم بمساعدتي بدل اتهامي. لحسن الحظ أن تلك الاتهامات لم تتجاوز حد الأقاويل. يمكن تجاوز ذلك الأمر، عكس ما يقوم به الأوربيون حاليا، من خلال تجميد ممتلكاتي التي وضعتها لديهم، والذين يحاولون خنق الشعب السوري من خلال منع المبادلات التجارية. ما قاموا به ينم عن الوقاحة وانعدام الضمير. إنهم يريدون الإطاحة بي لأن سوريا ظلت دائما تواجه العدو الصهيوني. سوريا لم تنحن يوما لإسرائيل. قال لي أبي غداة مجزرة حماة، حين كنت أبلغ 17 سنة: «هل ترى يا بني؟ إذا لم أتعامل بقسوة مع الأحداث، ما كنا لنستمر في العيش!». لقد كان على حق. أنا أعرف كذلك أين سأنتهي إن توقفت عن إلقاء القنابل على حمص: سأكون في عداد الموتى. لذلك، يجب التوقف عن قول التفاهات. في الماضي، حينما مات 20 ألف شخص لم يدن ذلك أي أحد، أما الآن فلم يتجاوز القتلى 8 آلاف شخص، موزعين على مدن درعا، وحمص، ودمشق وحماة. لماذا كل هذه الضجة؟! هل تعلمون لماذا قبلت أسماء الزواج مني؟ لقد قبلت بي كزوج لها بسبب القيم التي أجسدها. لقد صرحت بذلك لمجلة «باري ماتش» في العاشر من دجنبر من سنة 2010. تلك القيم تُقرأ على وجهي. أنا فخور بذلك. هل تدركون لماذا درست طب العيون؟ لأنني لا أتحمل رؤية الدم... حين خرجت من رأس بشار الأسد، وجدت قدماي في حقل من الأسلاك الكهربائية. عقل بشار الأسد مرتبط بمحطة لتوليد التعذيب. ولأجل الاستمرار في السلطة يقوم بالضغط على الدواسة التي تطلق شحنات كهربائية داخل الأعضاء التناسلية للأشخاص. يبدو بأنه يستمتع بالأمر، ويقوي من عزيمته في تخليص سوريا من ثلثي الشعب الذي يعتبره سيئا.