مدخل : في سياق التحولات الحداثية التي يمر بها المشهد التشريعي ببلادنا – تأتي المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة امتدادا لثورة العهد الجديد، ثورة اتسمت بالجرأة والتغلغل في عتمات اجتماعية كاد يطالها النسيان. واذا كان خروج مشروع مدونة الأسرة الى حيز الوجود حثما تاريخيا يستحق التثمين والتشجيع في انتظار المصادقة النهائية عليه من طرف البرلمان، فان لحظة الانتظار هاته تستدعي مختلف الفعاليات للاسهام في اثرائها بغية الوصول الى الحد الأدنى من التوافق المجتمعي حول الصورة المثالية التي ينبغي أن تكون عليها مدونتنا الأسرية. وفي هذا الاطار يمكن التساؤل عن الكيفية التي عالج بها مشروع المدونة الزواج المختلط؟ وما هي طبيعة هذه المعالجة؟. أولا : الزواج المختلط في ظل التحرير والعولمة – يؤرخ مطاع الألفية الثالثة بامتباز لانتعاش التواصل والاتصال، وفك العزلة عن الأمم والشعوب ، وتأتي هعذ الوضعية تتويجا لمقتضيات العولمة في شقها الايجابي الذي واكبه تزايد اهتمام المغرب بأحوال جاليته بالخارج وكذا، أحوال الأجانب المقيمين يالداخل، وهي أوحال تمازج فيها المغاربة بغيرهم تمازجا حضاريا أسفر عن بلورة زيجات مختلفة كان من نتائجها انفتاح الأسرة المغربية على أنساق مجتمعية متباينة يمكن رصد تجلياتها فيما يلي : - اختلاط الجنسيات داخل الأسرة الواحدة . - اختلاط الديانات داخل الأسرة الواحدة. - اختلاط العادات والتقاليد داخل الأسرة الواحدة. واذا كانت هذه التجليات تجسد في واقع الأسرة المغربية مظهرا ايجابيا – يخصب تلاقح الأفكار والقناعات، ويكرس ما أستطيع الاصطلاح عليه بأسرة مغربية بلا حدود، فان ذلك لا ينبغي أن يشكل في نفس الآن بؤرة توتر لتنازع الاختصاص بين القوانين المعمول بها في مجال الزواج المختلط. ثانيا : الكيفية التي عالج بها مشروع المدونة مسألة الزواج المختلط – على خلاف ظهير 1957/09/22 المتعلق بمدونة الأحوال الشخصية الحالي، جاء المشروع واضحا ومسهبا في الكثير من الحيثيات المتصلة بالزواج المختلط، وقد استثمرت اللجنة المكلفة بوضع المشروع مختلف الاجتهادات التي توقفت عندها آلة التشريع المغربي في هذا المضمار، وهي اجتهادات ظلت متناثرة هنا وهناك من ذلك ظهير 1915/09/04 المتعلق بالحالة المدنية وظهير 1913/08/12 بشأن الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب بالمغرب، وظهير 1958/09/06 بشأن الجنسية المغربية، وظهير 1960/03/04 بشأن انعقاد الأنكحة بين المغاربة والأجنبيات أو المغربيات والأجانب ، وظهير 1969/10/20 المتعلق باختصاص الأعوان الديبلوماسيين والقناصل ، ومنشور وزارة العدل رقم 12 – 60 الصادر بتاريخ 1960/04/28 بشأن تصحيح عقود الزواج المبرمة بالخارج ، والاتفاقية المغربية / الفرنسية الموقعة بتاريخ 1981/08/10 المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة . وقد عالج التعديل الجديد مواقع هامة في بنية الزواج المحتلط سواء على المستوى الموضوعي أو على المستوى الاجرائي ، وان شابت هذه المعالجة بعض الثغرات نقف عليها في حينها، ويمكن اختزال ذلك في النقط التالية : النقطة الأولى : ورد في المادة 39 أن الموانع المؤقتة للزواج منها : ” زواج المسلمة بغير المسلم ، والمسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية ” ( الفقرة 4 )، وهي عبارة تضمنت الكثير من الدقة وتلافت قصور النص القديم الذي طالما أثار جدلا مطولا (1).