مصطفى الخلفي. جريدة التجديد. قد لا يجادل أحد في أن إنهاء قضية أمنيتو حيدار كان أفضل من إبقائها عنصر تشويش كبير على المغرب في الساحة الدولية، وأن عدالة الموقف المغربي الرافض لعدم احترام قوانينه وسيادته تقتضي في الوقت نفسه امتلاك الجرأة لطي ملف أخذ مساره يتجه ليهدد الموقف الاستراتيجي للمغرب في موضوع نزاع الصحراء المغربية، خاصة بعد التحول الذي حصل في الموقف الأمريكي إزاء هذا الملف. لقد كان لقاء مسؤولة الخارجية في الإدارة الأمريكية مع الوفد المغربي أواسط الأسبوع الماضي لقاء سلبيا يهدد إيجابية الموقف الأمريكي الذي سبق لهيلاري كلينتون أن أعلنت عنه في مراكش منذ حوالي شهر ونصف. كما أن المنطق بدأ يفرض تحمل المسؤولية لاستباق ما قد يصدر عن مجلس الأمن بعد أن تحركت دول مناصرة للبوليساريو مثل كوستريكا لطرح الموضوع في المجلس؛ ليجد المغرب بجانبه كلا من الصين وفرنسا والفيتنام ودولا أخرى رفضت ذلك، لكن استمرار الملف قد يوفر شروطا ينجح فيها خصوم المغرب في استصدار قرار أو توصية ضده؛ مما كان يتطلب إنهاء الملف قبل فوات الأوان. وقد يضاف لما سبق أن بلادنا تمكنت وبدرجة كبيرة من إيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه، خاصة بعد البلاغ الصادر عن كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي أكد حق المغرب في إعمال قوانينه في المناطق الصحراوية، وجدد الدعم لمقترح الحكم الذاتي، فضلا عن استعماله لفظة الصحراء دون أن يربطها بالغربية، ثم بلاغ رئيس الحكومة الإسبانية زاباتيرو، الذي أكد هو الآخر على إعمال القوانين المغربية. وهما الموقفان اللذان قوبلا برفض شديد من قبل قيادة البوليساريو التي استفاقت مصدومة منهما بعد خطابات الانتصار التي روجت لها طيلة يوم الجمعة. والأكثر من ذلك فإن المغرب استطاع قياس واختبار الموقف الدولي عموما والأمريكي في عهد إدارة أوباما خصوصا من كل توتر قد ينشأ حول النزاع، وتحديد حلفائه الحقيقيين من الوهميين ومدى فعالية خصومه بعد أن صمد دفاعا عن قراره السيادي لمدة فاقت الشهر؛ كانت كافية لدراسة كل ما سبق، كما حقق المغرب هدفا استراتيجيا في نزع الورقة الحقوقية عن عدد من الناشطين لمصلحة البوليساريو، وكشف طبيعتهم السياسية والدور الجزائري في ذلك، مما كان محط لبس كبير في الفترات السابقة، وخاصة في أزمة .2005 في المقابل، وبعد أن انتهى الملف ثمة حاجة إلى خطاب صريح ومسؤول يمنع تكرار الأخطاء التي ارتكبت ويدفع نحو الانتباه إلى الدروس المؤلمة لتدبير هذا الملف، والتي يمكن تركيزها في ثلاث، أولا أن اتخاذ القرار بالمنع من الدخول لأمينتو حيدار والحيثيات القانونية التي اعتمدت لتبرير ذلك والخطاب الديبولوماسي والحزبي الذي أطر ذلك، حيث كشفت قصورا جليا في استحضار التوازنات الدولية وسيناريوهات تطور الموقف، فبغض النظر عن مدى صوابية القرار نظريا وقانونيا، فإن تنزيله يتطلب استحضار الواقع الدولي وميزان القوى والسيناريوهات المحتملة لتطور الأحداث بعد القرار، وينتج عن ذلك البحث في مدى وجود خيارات أخرى للتعامل الصارم، لكن المتحكم فيه بما يمنع من الوقوع في ورطة تكون نهايتها تنازلا جزئيا لا يخدم قوة الموقف المغربي في النزاع، وثانيا لا يمكن تجاهل أن عودة أمينتو حيدار بعد الصرامة التي تمت مواجهتها بها حملت معها آثارا سلبية على الموقف المغربي الذي تشكل بعد الخطاب الملكي الأخير، والذي أعلن انطلاق مرحلة جديدة تنهي عهد التسامح مع سياسات خدمة أجندة البوليساريو في المنطقة، وثالثا كشفت عن هشاشة الرهان على الإدارة الأمريكية في هذا الموضوع بالمقارنة مع كل من إسبانيا وفرنسا والصين. المطلوب اليوم أن لا يتحول التنازل الجزئي إلى تنازل كلي، وهذا يتطلب عدم اعتبار أن المعركة قد انتهت، فالحرب ما تزال مستمرة، وحالة الحوار التي شهدها الملف بين الخارجية المغربية والأحزاب عليها أن تستمر لتصحيح اختلالات تدبير ملف الصحاء المغربية، والتي ظهر بجلاء أنها تخاض في مدريد وباريس وواشنطن ونيويورك أكثر مما تخاض في المنطقة، مما يتطلب تعبئة حقيقية تقوم على الحوار والإشراك الإيجابي لمواجهة تحديات المرحلة، فالخصوم لا يملون من افتعال القضايا؛ لكن طبيعة تفاعلنا معها تشكل المحدد الأساس في نجاح ما يخططون له.