انطلاق فعاليات المعرض الدولي للسياحة ببرلين بمشاركة المغرب    القمة العربية تعتمد خطة مصر لإعادة إعمار غزة    شبكة التشهير والابتزاز المعلوماتي التي تنشط انطلاقا من كندا .. إيداع الطفلة القاصر بمركز لرعاية الطفولة بعد إحالتها على قاضي الأحداث (نائب وكيل الملك)    قيادي بحماس: نزع السلاح خط أحمر    حموشي يؤشر على تعيينات في مناصب المسؤولية بعدد من مدن الشمال    المصادقة على عقد برنامج تنموي بقيمة 5.8 مليار درهم لتعزيز التنمية الجهوية بالشمال    في رمضان.. توقيف أربعة أشخاص بحوزتهم 2040 قرص مخدر وجرعات من الكوكايين    "شفت أمك بغا طول معنا".. جبرون: التلفزة تمرر عبارات وقيما مثيرة للاشمئزاز ولا تمثل أخلاق المغاربة    القمة العربية غير العادية .. السيد ناصر بوريطة يجري بالقاهرة مباحثات مع المكلف بتسيير أعمال وزارة الخارجية والتعاون الدولي بليبيا    ضحايا "البوليساريو" يفضحون أمام مجلس حقوق الإنسان انتهاكات فظيعة في مخيمات تندوف    ارتفاع التحويلات النقدية للمغاربة المقيمين بالخارج خلال يناير    جمعية المحامين الشباب تفتتح دوري المرحوم محمد البوطيبي في دورته ال9 بالناظور    تقرير: كيف يحافظ المغرب على "صفر إرهاب" وسط إقليم مضطرب؟    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    الذهب يواصل مكاسبه مع إقبال عليه بفضل الرسوم الجمركية الأمريكية    وزارة الثقافة تطلق برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية لسنة 2025    دراسة: البدانة ستطال ستة من كل عشرة بالغين بحلول العام 2050    أحوال الطقس ليوم الأربعاء: برد وزخات مطرية في مناطق واسعة من البلاد    مصرع شخصين في اصطدام عنيف بين شاحنتين بطريق الخميس أنجرة بضواحي تطوان    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    15 قتيلا و2897 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    كأس العرش 2023-2024 (قرعة).. مواجهات قوية وأخرى متكافئة في دور سدس العشر    الحزب الثوري المؤسساتي المكسيكي يدعو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الانضمام للمؤتمر الدائم للأحزاب السياسية في أمريكا اللاتينية والكاريبي    ترامب يعلق جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد أيام من مشادته مع زيلينسكي    أسعار اللحوم في المغرب.. انخفاض بنحو 30 درهما والناظور خارج التغطية    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية على مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالقدس    بنك المغرب يحذر من أخبار مضللة ويعلن عن اتخاذ إجراءات قانونية    التفوق الأمريكي وفرضية التخلي على الأوروبيين .. هل المغرب محقا في تفضيله الحليف الأمريكي؟    استئنافية مراكش ترفع عقوبة رئيس تنسيقية زلزال الحوز    انتخاب المغرب نائبا لرئيس مجلس الوزارء الأفارقة المكلفين بالماء بشمال إفريقيا    القاهرة: انطلاق أعمال القمة العربية غير عادية بمشاركة المغرب    "مرحبا يا رمضان" أنشودة دينية لحفيظ الدوزي    مسلسل معاوية التاريخي يترنح بين المنع والانتقاد خلال العرض الرمضاني    الركراكي يوجه دعوة إلى لاعب دينامو زغرب سامي مايي للانضمام إلى منتخب المغرب قبيل مباراتي النيجر وتنزانيا    ألباريس: العلاقات الجيدة بين المغرب وترامب لن تؤثر على وضعية سبتة ومليلية    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    مبادرة تشريعية تهدف إلى تعزيز حقوق المستهلك وتمكينه من حق التراجع عن الشراء    الصين تكشف عن إجراءات مضادة ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    جمع عام استثنائي لنادي مولودية وجدة في 20 مارس    فنربخشه يقرر تفعيل خيار شراء سفيان أمرابط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    فينيسيوس: "مستقبلي رهن إشارة ريال مدريد.. وأحلم بالكرة الذهبية"    الزلزولي يعود إلى تدريبات ريال بيتيس    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    دوري أبطال أوروبا .. برنامج ذهاب ثمن النهاية والقنوات الناقلة    فرنسا تفرض إجراءات غير مسبوقة لتعقب وترحيل المئات من الجزائريين    بطولة إسبانيا.. تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول بسبب الأحوال الجوية    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    سينما.. فيلم "أنا ما زلت هنا" يمنح البرازيل أول جائزة أوسكار    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة لرفع نسبة التغطية إلى 90%‬    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمراض الثقافة العربية
نشر في السند يوم 28 - 01 - 2011

في نهاية يناير 2011 م خرجت الجماهير المصرية في تجاوب للزلزال التونسي ولكن السؤال الملح لماذا تثور الشعوب بل كيف تمرض بالأصل؟
إن هذه المسألة تحتاج لتفكيك؟
يذكر الفيلسوف والمؤرخ الألماني (اوسفالد شبنجلر OSWALD SPENGLER) في كتابه أفول الغرب (DER UNTERGANG DES ABENDLANDES ) أن مصير روما تقرر في معركة (زاما) عام 164 قبل الميلاد فقد (استنفدت روما آخر طاقة حيوية لها) ثم يتساءل كيف أمكن لروما بحفنة من الألوية رديئة التسليح رديئة القيادة أن تضع يدها على مقدرات العالم القديم؟
ويجيب (شبنجلر) على ذلك بأن روما وضعت يدها في الواقع على شعوب (فقدت قدرة تقرير المصير) فهي كانت سلع معروضة مغرية لأي مغامر أن يضع يده عليها. ويسميه اللصوص المال الداشر؟ وهو حال البلاد العربية مع نهاية بني عثمان واندثارها مع الحرب العالمية الأولى، فالتهم بلاد العروبة الطليان والألمان والفرنساوية والبريطان؟ بل ربما كان سبب اندلاع الحرب التهارش الاستعماري مثل مجموعة من الضواري تتعاور فريسة ميتة؟
جاء في الحديث أن الأمة ستصبح وليمة (قصعة) فاخرة يدعى لها الناس للأكل (تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؟).
والسؤال كيف تصل الأمم الى حالة (فقدان القدرة على تقرير المصير)؟
نحن نعلم من الطب أن المرض يدخل أربعة مراحل فهو يكون أولاً في حالة المعاوضة فإذا انكسرت دخل المريض المستشفى ويطلق عليها الأطباء المرحلة السريرية لأنه يعالج ضعيفاً في سرير يضمه في مشفى، فاذا اختلطت الحالة نقل الى العناية المشددة ووضع تحت العلاج المكثف والمراقبة الدورية الصارمة، فإذا انهارت الحالة فقصرت الوظائف الحيوية من القلب والرئة بدأ المريض في دخول عالم الغيبوبة وتم (تنبيبه Intubation) أي إدخاله في جهاز الانعاش بانبوب في ا لرئة ومحاليل في الأوردة المركزية وهكذا.
وفي هذه الحالة من منظر غيبوبة الوعي يكون المريض مستسلماً بالكلية في عالم البرزخ لاحي فيرجى ولاميت فينعى، ويبقى يتأرجح في هذا الوضع فإما فاز به ملك الموت، وإما نجح الاطباء فانتشلوه من لجة الموت، وعادوا به الى شاطيء العافية. ومن هذه المقارنة التاريخية والبيولوجية يبدو أن الأمة العربية دخلت هذا المعراج الخطير؛ فالأمة في حالة (غيبوبة تاريخية) يشهد لها جمهور مغيب الوعي في العناية المشددة التاريخية يفعل الاطباء مايشاؤون في هذه الجثة.
إنها أمة فقدت (قدرة تقرير المصير) جاهزة أن يعلو ظهرها أي مغامر، كما اعتلى ظهرها ضباط البعث العبثيين، والعجل الناصري في أرض الكنانة، والشمال الأفريقي من عائلات مغامرة مسلحة، وضباط مجرمين، وشرطة شرسين كما ودع الشقي التونسي في 14 يناير 2011م غير مأسوف عليه؟
ويذهب البعض الى اعتبار أن الأمة العربية جثة هامدة منذ أمد بعيد وهي في مرحلة التفسخ التدريجي...
ولكن أحكاماً من هذا النوع تحتاج الى (طب اجتماعي) يشخص بواسطة مسابر وآلات اجتماعية ليعطي حكمه على مصير الأمة.
ونحن نعرف أن الانسان عندما يموت يكف القلب عن الخفقان ويتوقف التنفس ويصبح مخطط الدماغ صفرا، ولكن ليس عندنا من (المقاييس الاجتماعية) من الدقة مانحكم على أمة أنها فارقت الحياة.
كما أن القضايا الاجتماعية ليست في دقة ووضوح ماوصلت اليه العلوم البيولوجية. ويزودنا القرآن بفكرة (موت الأمة) أنها حالة تقع (لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلايستأخرون ساعة ولايستقدمون) تماماً كما يحدث في موت الأفراد (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد).
وإذا كانت المؤشرات على هذا النحو من السوء فهذا يضيف دفعة جديدة في مخطط الانهيار العربي، الذي أعلن عنه (ابن خلدون) في مطلع القرن الخامس عشر للميلاد بقوله في المقدمة ( وكأن لسان الكون نادى بالخمول والانقباض فبادر بالاستجابة)؟
في الواقع بدأ مسلسل الانهيار أبكر مما أشار اليه ابن خلدون كما ذكر ذلك المفكر الفرنسي (لوي غارديه) فقد انهار جناحا العالم الاسلامي في منتصف القرن الثالث عشر للميلاد، وفي فترة عشر سنوات في ضربة مزدوجة، فقد سقطت اشبيلية عام 1248 م بحروب الاسترداد الاسبانية.
كما تم حصد بغداد عام 1256 م بالحصادة المغولية الزاحفة من الشرق.
ويبدو اليوم أن مخطط الانهيار الموجع نحو القاع لم ينته بعد، وهو يعس كالمرض الخبيث في مفاصل الأمة العربية. وهذا لا علاقة له بالتشاؤم أو التفاءل بل هي محاولة دراسة موضوعية واستقراء للوقائع التاريخية وتشخيصها.
وأمام هذا التقدم السيء نحو المصير المجهول يبدو أن تأملنا للمريض العربي في العناية المشددة التاريخية وهو في حالة غيبوبة عن الوعي في غياب الوعي الجماهيري، يستطيع المحلل الدقيق أن يضع يده على مجموعة من الأمراض.
إذا كان المريض العادي يعالج ضد قصور الكلية والتهاب الرئة وهبوط الضغط فإن الأمة العربية تعاني من حزمة مكونة من عشرة أمراض على الأقل تشكل (متلازمة SYNDROM ) المرض العربي.
وهو مصطلح طبي ترجم الى تناذر أو متلازمة وهي مجموعة من التظاهرات المرضية تسم مرضاً بعينه وتميزه.
والمتلازمة العربية اليوم تضم حزمة محترمة من عشرة أمراض
وكما توجد أمراض متوطنة مثل البلهارزيا والملاريا فهناك من الأمراض الاجتماعية المستحكمة في مفاصل المجتمع بأشد من الروماتزم الخبيث. وإذا كان المرض يولد المرض ويهيء الجو لمرض لاحق مثل السكري والسل، كذلك تفعل العواطف فالإحباط يولد العدوانية.
وإذا كانت الأمراض تحلق معاً مثل سرب الطيور فتغتال الجسم كذلك تفعل الأمراض الاجتماعية.
والمجتمع العربي اليوم يعاني من حزمة من عشرة أمراض تشكل حلقة تتبادل التأثير الخبيث هي:
(1)(إجازة الغدر) و(2)(تأليه القوة)و(3)(احتقار العلم) و(4)(تبرئة الذات واتهام الآخرين) و(5)(الإيمان بالخوارق) و(6)(تقديس السلف) و(7)(ظن أن النص يغني عن الواقع) و(8)(الاهتمام بفضائل الجهاد من غير معرفة بشروط الجهاد) و(9)(ورفض الديموقراطية مع أنها أقرب إلى الرشد من كل ما عليه المسلمون) و(10)(ظن أن الأحكام لا تتغير بتغير الأزمان أي كأن العدل لا يمكن أن ينمو أكثر فأكثر)
نحن نحتفل في (أعياد الغدر) وجعلناها (مناسبات وطنية) تعطل فيها المدارس والدوائر الرسمية وهي ذكريات الانقلابات في الظلام وسرقة الشرعية من الأمة. وأما(تأليه القوة) فهو مرض أموي منذ أن رفع معاوية السيف فقال من لم يبايع هذا وأشار إلى يزيد فله هذا وأشار إلى السيف. وما زال السيف يحكمنا حتى إشعار آخر.
أما (احتقار العلم) فشاهده عقم الإنتاج العلمي وشح التآليف والدرويات.
أما(تبرئة الذات) فنحن نرى أن مشكلتنا هي إسرائيل وأمريكا ولا يخطر في بالنا أن نراجع أنفسنا لنطرح السؤال المزعج ما الذي يسبب المرض؟ هل هو وجود الجرثوم أم انهيار الجهاز المناعي؟
أما(الإيمان بالخوارق) فالجو عابق بالخرافة ينتظر الزعيم المخلص، وما زالت الجن ناشطة في ربوعنا، وهناك من يوزع البطاقات الانتخابية مثل الحروز، ويتحول الزعيم السياسي إلى (شيخ طريقة) يبايع على السمع والطاعة في بيعة أبدية، ويرقص الأتباع طرباً ليس على ضرب الصنج والطبل بل الزعيق بالروح بالدم نفديك إلى الأبد إلى الأبد. في تظاهرات لو رآها الألمان في فرانكفورت لظنوا أنها مجموعة ضلت طريقها من مصح الأمراض العقلية.
نعم إن الوطن تحول إلى مصحة كبرى بقضبان وهمية.
أما (السلف) فهو يحترم ولا يقدس. ويستأنس به ولا يوقف عنده. ويستفاد منه ضمن خطة نقدية.
والعلم يمثل حالة تراكمية من تبادل عمليتي الحذف والإضافة.
وفوق كل ذي علم عليم.
وأفكار الرازي حول معالجة الأنورزما جيدة عندما نصح بعدم (بطها) وربطها بخيطان حرير فهي معالجة سليمة في وقتها، ولكن طرق تصنيع الأوعية في الجراحة حاليا،ً من وضع أنابيب داخلية بخطافات (Stenting) بدون شق البطن تجعل ما أوصى به الرازي ذو قيمة تاريخية.
وإذا كان هذا ينطبق على كتاب الرازي الجراحي فهو يصلح لفهم القرآن فلا يمكن إضاءته بتفاسير قديمة مثل ابن كثير. كما لا يمكن فتح جمجمة بأدوات فرعونية. ولا يمكن تدريس السيرة على شكل مسلسل من (الغزوات والمعجزات) ولا بد من إعادة صنع الثقافة.
وكما كان للطب أدوات من مشرط وملقط؛ كذلك كان الأمر مع العلوم الحديثة والأدوات المعرفية المساعدة.
وأما (فك ارتباط النص عن الواقع) فهو يجعل أحدنا معلقا في الهواء أو تهوي به الريح في مكان سحيق. فلا قيمة للنظريات بدون ممارسة، والطبيب لا يكون ناجحاً بدون تردد حي بين النظرية والممارسة.
وجدلية من هذا النوع تقود إلى تصحيح التصور ودفعه باتجاه التطوير.
نحن نرفض الديموقراطية لأنها غربية لا تناسبنا ولكن لم يخطر في بالنا أن نقول أن السيارة غربية، وعندما نقلنا البرلمانات حولناها إلى مجالس قرود للتصفيق والطرب وتغيير الدساتير في ربع ساعة بما يناسب بدلة الحاكم بأمر الله؟
نحن بنينا عمارات شاهقة بصالونات فخمة ولكنها كما وصف الإنجيل القادة العميان "مثل القبور خارجها أبيض مطلي ومن الداخل نجاسات وعظام أموات".
إنها حكاية بئيسة ينقلها أخرس عن آخر مهمته الكلام.
وأما (الجهاد) فحصرناه بالقتال ويمكن لأي مجموعة ناقمة أن تنظم نفسها وتنقض على أي نظام حكم وتقول عن عملها أنه جهاد في سبيل الله، كما لو أجرى الجراح عملية كبرى في سوق الخضار بالسكين والساطور بدون تهيئة الشروط ودخول الجراحة بشروط تعقيمية مشددة.
إنه جزار وليس جراح أليس كذلك؟
وأما الديموقراطية فنعتبرها كفرا، ولا يخطر في بالنا أن قضية التوحيد سياسية وليست تيولوجية، وأن الأنبياء نادوا بكلمة السواء أن لا يتخذ البشر بعضهم بعضا أربابا. إذاً لكانت مهمة الأنبياء سهلة ومريحة.
و عندما نقرأ آية ملك اليمين لا يخطر في بالنا أنها آية نسخها الواقع وليس لها سوى قيمة تاريخية، وأن كمية العدل غير قابلة للنكس والتوقف.
إن حزمة الأمراض هذه في العالم العربي واحدة في النوعية ومختلفة في درجة السمية مثل التيفوئيد فهو يتظاهر عند مريض بارتفاع الحرارة، أو قد يضرب القلب والشغاف عند ثاني، أو قد يثقب الأمعاء بنزف خطير عند ثالث.
وفي السياسة نرى دولاً تنزف مثل أفغانستان والعراق، وثانية تقطع مثل السودان، وأخرى تئن من الديون الخارجية، ورابعة في حالة اختناق سياسي مثل غاز أول أوكسيد الكربون في المجمرة، وخشعت الأصوات للحاكم فلا تسمع إلا همسا.
عندما حاول (ابن المقفع) صياغة كتاب الأمان لعم أبي جعفر المنصور كانت النتيجة أن المنصور غدر بعمه فقتله وألحق به ابن المقفع به فسجره في التنور.
وما يفعله حكام العالم العربي لايزيد عن متابعة هذا المسلسل البئيس من حلقات التآمر والاجتياح والغدر في مخطط حرارة لاعافية منه؟
تبدو بمناظر دموية فاقعة أحياناً لاتسر الناظرين تروي اللون الأول من حزمة المتلازمة العربية أي (إجازة الغدر) فالغدر عندنا مذهب سائد راسخ واذا وقعت الواقعة طلبنا من الاجنبي التدخل لإننا لانثق ببعضنا البعض بل نتالج في المانيا وبوسطن فلا نثق بطبيب عندنا؟
وقصة تسريب المعلومات التي نشرها الجني أوسانج ب 400 ألف وثيقة سرية، وكذلك مانشرته الجزيرة عن القيادة الفلسطينية تروي الحكاية؟
إن الصراع العربي الاسرائيلي هامشي والصراع العربي العربي هو الاساسي والجوهري وهذا يكشف الغطاء عن العفن العربي الداخلي وأن انهيار الجهاز المناعي العربي الداخلي هو الذي هيأ ومازال لنمو جراثيم بني صهيون.
ومعنى هذا الكلام أن مرض الثقافة (اتهام الآخرين وتنزيه الذات) سيبقى مختبئاً عصياً على العلاج،
ونحن اليوم عندنا استعداد أن نلوم شياطين الانس والجن وأنهم سبب مصائبنا وليس عندنا قدرة في مراجعة أنفسنا لحظة واحدة لنقول ربنا إننا ظلمنا أنفسنا. القوميون يتهمون الامبريالية والصهيونية والاسلاميون الماسونية والصليبية، وكل في فلك واحد من الثقافة يسبحون، والفريقان مستعدان باتهام الشيطان أنه خلف فشلهم.
وإذا عجزت كل التفسيرات فهناك الجواب الذي يخرس كل لسان فهي أرادة الله التي شاءت أن تضع العرب في خانة أسفل سافلين.
أما غرامنا السقيم بالقوة فيشهد له الشره العجيب في شراء أسلحة ميتة تشبه أصنام قريش، أو التلمظ لامتلاك سلاح نووي بعد أن ودعه أصحابه وعرفوا أنه سلاح ليس للاستخدام. إننا نريد دخول النادي النووي بعد أن ألصقوا على واجهاته أنه أغلق.
أليس منكم رجل رشيد؟
ولكن هذا المرض ليس جديداً كما أنه ليس سياسياً. بل هو قديم وثقافي. فبعد أن ودعنا حياة (الرشد) ودخلنا مرحلة (الملك العضوض) أصبح السيف هو الاله الفعلي في حياتنا فنحن نطيع سادتنا وكبراءنا في الطاعة والمعصية على حد سواء. وابتليت الثقافة العربية بهذا المرض وكل ماكتب في الفقه دشن أمرين: إما الخروج على الحاكم بالقوة المسلحة حين (امتلاك العدة) على طريقة الخوارج والشيعة؟ وإما تدشين مشروع السلطان العادل الذي يملك الأموال والرقاب؟؟
مع أن الثقافة الإسلامية تكرر مثل الببغاء كلمة الشورى.
وبقدر مالعن القرآن فرعون بقدر ماأنتجنا فراعين لاتنتهي في استعصاء خبيث للثقافة. وعندما أردنا تغيير الأوضاع بالسيف كانت الأوضاع تمشي من سيء الى أسوأ؟؟
هكذا قتل علي، واستباح الأمويون مدينة الرسول ص، ثم فتك العباسيون بالأمويين على نحو أفظع، وتتالى مسلسل الاغتيالات والانقلابات في مسلسل محموم من قنص السلطة الدموي وشرعنته بالسيف بفتوى من المفتى الجاهز لشرعنته بآية مقلوبة؟ (كما فعل مفتي الديار العثمانية بخنق أخوة الخليفة يوم اعتلاءه العرش بالآية والفتنة أشد من القتل؟)ما أكد قول الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك).
وهذا المرض الخبيث لم تتخلص منه الثقافة العربية الاسلامية حتى اليوم، ومافعله القوميون والاسلاميون والشيوعيون من اعتماد العنف سبيلا للتغيير لايزيد عن إحياء مذهب الخوارج بخوارج جدد. فالكل يؤمن بالقوة لأنه يؤله القوة، وما جاء به الاسلام هو تحرير الانسان من علاقات القوة.
وقد يتعجب المرء هل يمكن أن يحتقر العلم وعندنا كل هذه الجامعات وعشرات المحطات الفضائية، والجواب أن العلم ليس معلومات بل إيجاد (العقل النقدي) فمالم تكن مدارسنا تعمل على إنتاج الفرد باستقلالية فإنه سوف يكرر انتاج نفس الثقافة ومن تفاءل بالمحطات الفضائية يكتشف أنها تكرس عبادة الاصنام بما يذكر بوثنية قريش.
إن العلم هو تيار اجتماعي ومناخ فكري حر ومؤسسات تتبادل الخبرات واستقلالية وابداع فردي. ولكن مانراه هو أن الفكر الحر يخنق وأصحابه يهرطقون وتذوب الاستقلالية في تيار جنون القطيع.
في جبل سنجار الممتد بين سوريا والعراق تعيش طائفة (اليزيديون) وهي تقدس الشيطان على نحو ما وترى أنه مستخلف في حكم الأرض لفترة عشرة آلاف سنة فتخافه وتعاقب من يسبه وتتجنب استخدام المرادفات اللغوية التي فيها حرف الشين والطاء فلا تلفظ كلمات مثل شاط وطشت ومشط وخاط واذا رسمت دائرة حول أحدهم على الأرض انعقل فيها فلايملك تحررا حتى ياتي من يكسر الحلقة. هل بإمكاننا أن نفهم أن أوضاعنا المرسومة على الأرض هي دوائر انعقال من هذا النوع وأن الأمة تعيش في حالة سحر كبير.
إننا أمة مسحورة بنظام الفكر الذي نحمله.
علينا أن لانضحك من سذاجة اليزيديين؟ فنحن يزيديون صدقا وفعلا، وفي كل بلد يجلس شيطان كبير بشوارب عملاقة وأذرع هائلة و19 رأس لتنين من 19 فرع أمني وغرف تعذيب مخابراتية..
يبدو أن الشيطان يحكم العالم العربي فعلا كما يقول اليزيديون؟ فيمدحونه ويرفعون شكل الطاووس الجميل رمزا له ولايذكرونه بكلمة سوء؟
فهل انكسرت عقيدة اليزيديين حين رفع الشعب المصري صوته بإسقاط الفرعون ؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.