بعد السياسة وغبائهم فيها ياتي دور السنما بعد ما اصدره المزوبعون من ابناء النت والجرائد البلهاء حول فيلم 10000قبل الميلاد من انه اعلان للحرب على ايران وتعبير عن نظرية المؤامرة فضلنا نشر هذا الموضوع حول سيد الخواتم لاظهار الجهل بالنقد السنمائي عندما يسيس ويدين .. رواية (سيد الخواتم) ليست إلا ...مؤامرة دنيئة ضد الإسلام! أعرف من البداية، وقبل أن أكتب حرفًا في هذا المقال، أنه سيبدو في نظر البعض كدفاع عن الصهيونية، وأن البعض سيتهمني بالعمالة أو الإلحاد كما هي العادة، لكنه ليس كذلك على الإطلاق؛ إنما هو دفاع عن عمل أدبي ضخم أحدث دويًا في العالم أجمع منذ أكثر من نصف قرن ولا يزال تأثيره ممتدًا حتى الآن. وقبل هذا، هو دفاع عن توخي الدقة والتحلي ببعض المنطق قبل الشروع في نقد شيء ما ورميه بالاتهامات السخيفة جزافًا. هشام فهمي اختلفت الآراء حول ثلاثية البريطاني (جون رونالد تولكين) الأشهر (سيد الخواتم The Lord of the Rings)؛ فالبعض رآها سخيفة مملة، والبعض الآخر اعتبرها مجرد قصة أطفال، في حين عشقها الملايين حتى الثمالة وكتبوا عنها آلاف الدراسات والتحليلات وألفوا عشرات الكتب؛ بل إنهم قدموا عنها رسائل ماجستير ودكتوراه! طبعًا اختلفت تحليلات هؤلاء حسب ثقافة وخلفيات كل منهم. منهم من رأى أنها تعج بالرموز من الديانة المسيحية، ومنهم من قال إنها تعكس تأثرًا واضحًا بالتراث الاسكندينافي، ومنهم من لاحظ تشابهًا ما بينها وبين الأساطير الإغريقية في عدة مواضع منها. كل هذا جميل، فالأمر كله يحتمل التأويل ورؤيته من عدة وجهات نظر مختلفة. فقط العقل العربي يمكنه تفسير الأمر كله بأنه مؤامرة ضد الإسلام وتحريف لقصص الأنبياء! ولمَ لا وكل شيء فيه مؤامرة ما –كما يتهكم الدكتور أحمد خالد توفيق في مقال له- والكرادلة والحاخامات ساهرون في الخارج على ضوء المشاعل السباعية يشربون الدم ويخططون لتدمير حضارتنا؟ كعادتي من وقت إلى آخر استخدمت اختيار (ضربة حظ) في محرك البحث Google وقررت هذه المرة أن أرى ما كُتب عن (سيد الخواتم) بالعربية، فلما لم أجد سوى الملخص المختصر في موقع Wikipedia قررت أن أتبع أسلوب البحث الطبيعي. طبعًا كان معظم الموجود عن ثلاثية الأفلام التي أخرجها (بيتر جاكسون) والباقي مجرد نقاشات بسيطة عن الرواية في عدد قليل من المنتديات والمدونات. لم يلفت انتباهي بحق سوى رابط عنوانه (حقيقة سيد الخواتم, دراسة بقلمي) وجدتها في قسم (القضايا والمواضيع الساخنة) بمنتدى يدعى (مدرسة المشاغبين). كالعادة، قسم القضايا الساخنة هذا لا يهتم سوى بموضوعين: الدين والجنس. توكلت على الله لأقرأ (الدراسة) التي كتبتها من تستخدم الاسم المستعار (بنت أبها) لأفاجأ بأكبر كم من الهراء الذي لا رأس له ولا ذيل وقعت عليه منذ دهر. تقول الأخت (بنت أبها) –والواضح أن كل استنتاجاتها العبقرية مبنية على مشاهدتها للأفلام التي عُرضت مؤخرًا على القنوات الفضائية، إلا أنها تحكم على الرواية ككل رغم ذلك- إن الفيلم يدس السم في العسل ويحرف الكثير من قصص الأنبياء بداية ب(داود) عليه السلام وحتى سيدنا (محمد) عليه الصلاة والسلام. وتقول في المقدمة إنها تستشهد بالأحاديث النبوية (لم تذكر منها حديثًا واحدًا!) وبالإسرائيليات (ولا أدري كيف يستشهد أحدهم بالإسرائيليات!) لإثبات ما توصلت إليه بعد تفكير عميق وتفحيص وتمحيص طويلين. تُقسِم الأخت (بنت أبها) الأسباب التي تدعم نظريتها الألمعية إلى ستة عشر جزءً، تبدأها بأن بطل الفيلم (إليجا وود) قد اختير بقصد غير شريف لتجسيد شخصية سيدنا (داود) عليه السلام؛ وتسوق الأدلة على هذا بأنه يشبه نبي الله كما جاء في كتب الدين؛ فهو (قصير القامة, قصير الشعر, أزرق العينين, طيب القلب نقيه). هي إذن تقرر فورًا أنه لتشابه ملامح (إليجا) مع (داود) عليه السلام كما ورد عنه فهو بالتأكيد يمثل شخصه في الفيلم. حسنًا، (إليجا وود) ليس قصير القامة، وإنما يظهر في الفيلم كشخص قصير القامة (هوبيت)، شعره ليس قصيرًا بل هو أسود ناعم غزير كما يعرف كل من شاهدوا أفلامه، وتغييره لتصفيفة شعره أمر طبيعي جدًا مع كل ممثل، أما نقاء القلب وطهره لا أجدني إلا أن أعتبره شيئًا أساسيًا في بطل ثلاثية ملحمية على القارئ أو المشاهد التواصل والتعاطف معه طوال الوقت! هل على كل ممثل بهذه المواصفات أن يُتهم بتمثيل شخصية (داود) عليه السلام؟ ثم إنها تقول إن (الهوبيت) يعاشرون الجن بيض البشرة طيبي القلب، وهو هراء، لأنه كلًا من الرواية والفيلم ذكرا بوضوح أن (الهوبيت) قوم منعزلون بطبيعتهم ولا يميلون إلى معاشرة أي جنس آخر. ثم تقول إن الجن يرمزون إلى اليهود الذين سيحكمون العالم بسبب طيبة ونقاء قلوبهم وهذا ما لا نراه في وجوههم وأفعالهم. حسنًا، الجن لا في الرواية ولا في الفيلم كذلك أرادوا حكم العالم، بل فقط أرادوا درء الخطر عن أرضهم بالتعاون مع البشر والأقزام وكائنات أخرى قبل أن يرحلوا إلى الأرض التي ولدوا فيها ويبقوا هناك إلى نهاية الملحمة. ولا أدري أي شر كان في وجوههم وأفعالهم بعد قتالهم الضاري من أجل الحرية! بعد ذلك تقول إن المؤلف غبي لأنه أراد التضليل بحيث لا يعرف أحد أنه يقصد (سليمان) أو (داود) عليهما السلام, وهو المنطق الذي يعكس نفسه في الوقت ذاته! فمن ناحية هي تؤكد أنه يرمز إلى الأنبياء ومن ناحية أخرى تقول إنه يواري هذا الرمز! ثم تُقحم قصة قوم (يأجوج ومأجوج) في حديثها وتقول إنه يقصد بهم عفاريت جبال الضباب –تقصد الجنود المشوهين في مناجم (موريا)- ولو أنها تقرأ لعرفت أنهم لم يُحبسوا في هذا المكان، بل استولوا عليه من الأقزام! ثم تزعم –ولا أدري من أين جاء زعمها ذلك- أنه ورد في الرواية فتح فتحة هائلة في البحر كما في قصة سيدنا (موسى) عليه السلام، وهو ما لا يمت بصلة للرواية، وبعدها تُقحم الرسول عليه الصلاة والسلام في السياق بدون أدنى منطق حين تقول: “قوى الشر التي في الفيلم يقصدون بها الحركات الإسلامية لذلك ينعتنا (بوش) بمحور الشر، والكائنات الممسوخة هم العرب، ومن صفات قوى الشر هيكل معدني أسود خالي من الداخل نقطة ضعفه النساء (!) ويقصدون بها نبينا (محمد) أشرف الخلق فهم يريدون التذكير بوضعية المرأة في الإسلام، أي أن يتزوج الرجل أربعة نساء, ورؤية المستشرقين للنبي ونساؤه هي أن دمار الأمة الإسلامية على يد نسائها!” منتهى السخافة حين تقول إن (بوش) نفسه شريك في المؤامرة الرهيبة. (بوش) الذي لم يكن قد وُلِد عند كتابة الرواية في ثلاثينيات القرن العشرين! ثم من صفات قوى الشر هيكل معدني أسود خالي من الداخل (لم يرد لا في الرواية ولا في الفيلم أصلًا لا كرمز للشر أو حتى للبطيخ!) ثم تربط هذا فجأة بالرسول عليه الصلاة والسلام حين تقول إن نقطة ضعفه –الهيكل!- هي النساء, وهكذا يكون الرسول عليه الصلاة والسلام! لك مطلق الحرية هنا أيها القارئ في اختيار رد الفعل الذي يناسبك! تستطرد بأن الجوارح المجنحة هي طائرات الحادي عشر من سبتمبر والدليل المشهد الذي يجسده الفيلم عندما ارتطمت الجوارح بالأبراج. هي تُثبت هنا أكثر أنها لا تعرف شيئًا عن الرواية، فببساطة –أكرر- الرواية مكتوبة قبل حادث سبتمبر 2001 بأكثر من نصف قرن! ثم تقول إنهم يقصدون بالسفينة التي ظهرت في نهاية الفيلم أنهم تخلصوا من الإسلام والمسلمين قبل أن يرحلوا إلى أرض الخلود، ولا أدري كيف يمكن أن يتخلص اليهود من المسلمين ثم يرحلون دون الاستيلاء على أرضهم في حين أن الجميع يعرفون أن هذا حلمهم! مرة أخرى هو المنطق الذي يلتهم نفسه. ثم تُلمَح لنا في ذكاء أن نلاحظ التشابه بين كلمتي Bible وBilbo فالثاني كما تقول هو تحريف لاسم التوراة. المشكلة أنها لا تعرف أن Bible يعني الإنجيل وليس التوراة! وطبعًا لا تنسى أن تذكر أنهم يقصدون الله عز وجل بالشرير الأكبر في الفيلم، (ساورون) صاحب الخاتم لأنهم يتخيلونه سبحانه وتعالى تمامًا كما أظهره الفيلم! مع أنها قالت من قبل إن المقصود هو خاتم (سليمان)، فيكون صاحب الخاتم هو (سليمان) عليه السلام وليس رب العزة! منتهى التخبط! المثير للغيظ بحق هو التعليقات التي جاءت على (دراستها) هذه؛ فلم أجد من خالفها الرأي مرة أو حاول مناقشتها فيما قالت، بل هب الجميع في حماس يشكرونها على الموضوع الرائع، حتى إن أحدهم أقسم بالله العظيم إنه كان يفكر فيما كتبته بالتحديد، وأخذ يدعو أن تدوم لهم ذخرًا! تعالوا نقرأ جزءً صغيرًا مما كتبه (تولكين) نفسه في مقدمة الطبعة الثانية من الرواية. يقول أستاذ (أكسفورد) اللامع: “الدافع الرئيسي لكتابة هذه الرواية هو رغبة قصاص في تجربة كتابة قصة طويلة تجذب انتباه القراء وتمتعهم وتسليهم...” ويقول في موضع آخر: “بالنسبة لوجود معانٍ باطنية أو رسائل في الرواية، فلا يوجد شيء مقصود من ذلك، فهي ليست مجازية ولا رمزية.” إذن يقر الكاتب بنفسه أنه لا يقصد من وراء الرواية سوى التسلية وإمتاع القراء. ولو كان يريد أن يجعلها ترمز إلى عدو ما، لكان أولى به أن يجعلها تعج بالرموز المعادية للنازية التي كانت أكبر خطر يواجه العالم وقتها وليس الإسلام كما يتخيل الغرب الآن، فلا ننسى أنه كان يكتبها أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكان (ساورون) يرمز إلى (هتلر) و(موردور) هي (ألمانيا) والجن هم (أمريكا) التي تدخلت لتنقذ الموقف في نقطة ما. ولكن من يحاول أن يفهم أو يستوعب؟ لابد من مؤامرة ما بأي شكل، ولابد من أن نخلق أعداءً وهميين يتربصون بنا من كل صوب بدلًا من الانتباه إلى الأعداء الحقيقيين الذين يقعون على مرمى حجر منا. أكره نظرية المؤامرة بحق حين تأتي في غير موضعها؛ وأكرهها أكثر حين يغلفها الغباء. من الارشيف ، في 14 أبريل 2008 الساعة: 12:54 م