أضحى موضوع "أخلاقيات مهنة الصحافة" يفرض نفسه بقوة في خضم تناسل الجرائد بمختلف أصنافها وكذا في ظل وقوع كثير من الأحداث التي جعلت الموضوع يطرح للنقاش توجت بتأسيس هيئات مستقلة لحماية أخلاقيات الصحافة. أنوار الهواري رئيس تحرير يومية "الوفد" المصرية وأحد مؤسسي ورئيس تحرير سابق بيومية "المصري اليوم" يجيبنا عن بعض الأسئلة المتعلقة بالموضوع. - هناك موضوع يطرح نفسه بقوة وهو "أخلاقيات المهنة الصحافة"، كرئيس تحرير يومية "الوفد" المصرية و مؤسس ورئيس تحرير سابق ليومية "المصر اليوم"، كيف تقاربون موضوع أخلاقيات المهنة؟ أخلاقيات مهنة الصحافة تعني الكثير من الأشياء في وقت واحد، الصحيفة أو التلفزيون أو الإذاعة قد تكون ملكا للدولة أو لحزب أو لشركة خاصة، والملكية تقتصر على الأشياء المادية، أما من حيث كونها تقتصر على الأشياء المادية، ومن حيث كونها رسالة فهي ملك للأمة، ثانيا، الإلتزامات الصحفية كمهنة تنبع من التزامها بالمعايير الرئيسية لاستيقاء الأنباء وتوزيعها خاصة أن الخبر في العصر الحاضر أصبح جزء من الصراع الإستراتيجي بين الأمم والشعوب. الخبر حاليا لم يعد مجرد مادة يجمعها المحرر وينشرها له رئيس التحرير، الخبر وفي قلب المعركة الإستراتيجية الآن بين الكتل والتحالفات والصراعات التي تملأ آفاق السياسة الدولية، ولهذا أقول أن صياغة الخبر وتحرير صناعة الخبر من ضغوط القوى المهيمنة ومن ضغوط الفئات المهيمنة ومن ضغوط ولائم المحليين تشكل أولى مهماتنا الأخلاقية. نريد الخبر حرا لا مستعمرا ولا مستعبدا ولا تابعا ولا خادما لمصالح أجنبية أو وكلائهم المحليين، نريد الخبر حرا من أجل شعبنا. - ولكن ما هي حدود أخلاقيات المهنة ومن أين تبدأ أخلاقيات المهنة وأين تنتهي؟ أخلاقيات مهنة الصحافة ليست بدعا عن أخلاقيات المجتمع وهي جزء منه.أنا تركت رئاسة تحرير صحيفة أنا أسستها وكانت علي عزيزة وتركتها لأن مالكها جاء بإعلان كحوليات لنشره يوم عرفة، وضحيت بالوظيفة وبالصحيفة التي أحبها لأنه في رأيي لا يجوز أن أنشر إعلانا كحوليا في يوم يصعد فيه المسلمون إلى عرفات،وهذا كذلك التزام أخلاقي.البعض قد يرى أنني أخطأت وأنه من حق مالك الجريدة أن ينشر الإعلان وأنني كرئيس تحرير لا دخل لي في الموضوع. - ترتبط مسألة أخلاقيات المهنة بمسألة القذف، أريد أن أعرف بالملموس، أين تنتهي أخلاقيات مهنة الصحافة؟ حرمات الأشخاص، عموميون كانوا أم خاصين، يجب أن تكون بمنأى عن المدح أو القدح.الأشخاص لابد من صيانتهم، أنت إذا انتقدت شخصا عاما تنتقد عمله وإساءته للوظيفة العامة، أما ما دون ذلك فيظل موقرا ومحميا ومصانا ولا يجوز تحت أي دعوى من الدعاوى انتهاك حرمات الناس. - لكن أحيانا تتداخل الأمور وتصبح حياته الخاصة هي حياته المهنية؟ نحن نترك القضاء ليقوم بدوره،الصحافة ليست جهة يسمح لها بالحكم على الناس وليست جهة لإدانة الناس. نحن جهة ننشر المعلومات للرأي العام ولسنا جهة إدانة ولا ينبغي أن نكون كذلك. القضاء له أحكامه ولا ينبغي أن نكون قضاء لنا أحكامنا. وعلينا نحن الصحافيين أن نتواضع قليلا ونعرف حدودنا. - مؤخرا تم إنشاء العديد من الهيئات المستقلة المكلفة بحماية أخلاقيات المهنة، كيف تتصورون هذه الهيئات؟ لأول مرة أسمع عنها منك ولكن لو دعيت إليها لشاركت فيها. فعلا المهنة تحولت في يد بعض الزملاء إلى سكاكين تخبط خبط عشواء تدمي لحوم البشر دون إحساس بالمسؤولية. وأظن أننا في هذه اللحظة الحرجة نحن نحتاج من الصحافة العربية الحرة أن تلتزم من ذاتها بحماية الأخلاقيات بدل أن يأتي ذلك من قوانين تسلطية تعسفية تفرضها الحكومات. - ولكن هذه الهيئات يعاب عليها أحيانا أنها تكون تابعة أو أنها تؤدي ربما وظيفة أخرى غير مهنية؟ في كل الأحوال الواقع يصحح نفسه وسيتحقق التوازن. - ما هي حدود حرية الصحافة، من أين تبتديء وأين تنتهي؟ حرية الصحافة تبتديء من حدود وجود المعلومة وتنتهي بانتهاء المعلومة. يعني أنا حر أن أنشر طالما لدي معلومات، أما إذا لم تكن لدي معلومات فلا يجب أن أكملها بخيالات أو ادعاءات، حريتك تنتهي بما لديك من معلومات. - حتى لو كانت تمس حرية الآخرين؟ نحن متفقون أن ما يمس حرمات الأشخاص تبقى محمية من الدولة ومحمية من المجتمع ومحمية من الصحافة، هذه ليست مواطيء ولا مواضع لتخوض فيها الصحافة فتصبح كمن قيل فيهم "وكنا نخوض مع الخائضين". الصحافة هي مرفق عام تؤدي ما هو عام و ما هو مشترك بين المجتمع وهيئاته ومؤسساته. أنا أرسل مندوبا للجريدة إلى البرلمان وليس إلى بيت كل برلماني، ولكن أنا أرسل مندوب الجريدة إلى الشرطة و لا أرسله إلى الخمارات والملاهي إلا إذا حدثت فيها حادثة. وظيفة الصحافة هي عين الرأي العام على مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع ولكن ليست عينا على الأفراد. - نلاحظ أن القاريء العربي يتجه نحو هذا النوع من الأخبار المتعلقة بأسرار الشخصيات العمومية، كيف يمكن تربية هذا القاريء أيضا؟ النميمة كانت ولم تزل، وأصحاب النميمة هم الأغلبية من أهل النار ولن تستطيع أن تحد منهم. - ولكن على الأقل نساهم في تربية القاريء؟ لن تصل إلى نتيجة مهمة، ولكن على الأقل أنا ألتزم بقواعد الخبر و قواعد التحليل الصحفي وقواعد المتابعة الصحفية وأضعها أمام صحافيي صحيفتي، ولكن لا يعنيني أن ألبي الرغبات المنحرفة لمحبي النميمة وتافه الكلام علما أن هناك صحافة تلبي هذه الرغبات، ولكن في رأيي هذه ليست صحافة. - ولكنها صاحبة أكبر أرقام المبيعات؟ المخدرات تبيع والمنحرفون يبيعون وهذا ليس هو المعيار.