قضى 325 مريضا نحبهم ، خلال الأسدس الأول (6 أشهر) من سنة 2013، داخل المركز الاستشفائي الإقليميبالجديدة (مستشفى محمد الخامس). وفيات حصلت جلها داخل قسم الإنعاش. فيما استقبل مستودع حفظ الأموات، من تراب إقليميالجديدةوسيدي بنور، 538 جثة برسم سنة 2011، و465 جثة برسم سنة 2012. كما استقبل، خلال النصف الأول من السنة الفائتة، 68 جثة من إقليمسيدي بنور، و167 جثة من إقليمالجديدة. ومن باب المقارنة، وكذا، المفارقات المثيرة، أن المركز الاستشفائي الإقليميبالجديدة، استقبل برسم سنة 2012، ما مجموعه 465 جثة من خارج المستشفى. فيما استقبل مستودع حفظ الأموات البلدي بآسفي، الذي يغطي بالمناسبة جهة دكالة-عبدة برمتها، 274 جثة، برسم السنة ذاتها (2012) !! ونظرا لأرقام الوفيات المهولة، والتي قد تولد الإحساس بأن "الداخل إلى المستشفى مفقود، والخارج منه مولود"، فإن لجنة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كانت حلت، السنة الماضية، بمستشفى الجديدة. حيث وقفت على حقيقة الوفيات، وعلى واقع مستودع حفظ الأموات، الذي لم تكن طاقته الاستيعابية تتعدى 20 جثة، والذي كانت جثت الموتى والقتلى تتكدس فيه أحيانا داخل "ثلاجة جماعية"، في ظروف غير إنسانية، على غرار ما حدث سنة 2002، عندما شب حريق مهول في السجن المحلي سيدي موسى، وأتت النيران على 52 معتقلا، تفحمت جثتهم !! هذا، وكان الاعتقاد سائدا والآمال معقودة أن يتراجع بشكل ملحوظ معدل الوفيات "المرعب"، بعد أن عمدت السلطات إلى تشغيل المركز االاستشفائي الإقليمي الجديد، ، الخميس 19 دجنبر 2013، رغم عدم جاهزيته، وعدم اكتمال بنايته وبنيته. لكن هذا المستشفى الضخم الذي يصنف في خانة مستشفيات "الجيل الجديد"، والذي شيد بمواصفات صحية دولية، على مساحة إجمالية تبلغ 10 هكتارات، منها 29000 مترا مربعا مغطاة، وفاقت كلفته الإجمالية 400 مليون درهم، ممولة من قبل الميزانية العامة للدولة، والبنك الأوربي للاستثمار، قد فشل في الرقي بجودة الخدمات الصحية، وفي الحد من نزيف الوفيات، التي بلغت بالمناسبة خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير، وإلى غاية ال21 منه، 51 وفاة، أي بمعدل وفاة شخصين ونصف في اليوم. وشملت ظاهرة الوفيات حنى النساء الحاملات. ففي الساعات الأولى من صبيحة الخميس 5 شتنبر 2013، خضعت سيدتان تتحدران من مدينة الجديدة وضواحي سيدي إسماعيل، لعمليتين قيصريتين، داخل قسم أمراض النساء والتوليد بالمركز الاستشفائي الإقليميبالجديدة. حيث لقيتا مصرعهما في قسم الإنعاش، مباشرة عقب عمليتي التوليد الجراحيتين، وذلك بفارق زمني لم يتعد 10 دقائق. وحسب (إبراهيم)، فإن زوجته المسماة قيد حياتها (سعيدة)، كانت ولجت، على الساعة الواحدة و50 دقيقة من ظهر الثلاثاء 3 شتنبر 2013، إلى قسم أمراض النساء والتوليد بمستشفى محمد الخامس. إذ لم تضع مولودها إلا على الساعة الرابعة من صبيحة الخميس 5 شتنبر. ومباشرة بعد توليدها بعملية قيصرية، أحالها الطاقم الطبي على وجه السرعة، على قسم الإنعاش، جراء تدهور حالتها الصحية بشكل مفاجئ. وأضاف الزوج المكلوم أن الهالكة شريكة حياته من مواليد 1974، كانت تتمتع بصحة جيدة، وكانت تخضع بانتظام لعملية مراقبة وتتبع لحملها عند طبيب اختصاصي "جينيكولوك"، لدى المركز الصحي الكائن بحي السعادة الثالثة في الجديدة. وكانت وضعت 3 بنات في مستشفى محمد الخامس، دون أن تخضع لعمليات قيصرية. وكانت ذات بنية جسمانية قوية، وتتمتع بصحة جيدة، سيما أنها كانت تشتغل غطاسة في البحر، إلى جانب الرجال الغطاسين، الذين ينزلون إلى أعماق المحيط الأطلسي، لاستخراج الطحالب. ومباشرة عقب وفاة السيدة (سعيدة)، اهتز قسم الإنعاش ثانية، بفارق زمني لم يتعد 10 دقائق، على وقع وفاة سيدة أخرى، كانت تدعى قيد حياتها (مليكة)، بعد أن وضعت بدورها مولودا ذكرا، داخل قسم أمراض النساء والتوليد بالمركز الاستشفائي الإقليميبالجديدة. وكانت الهالكة خضعت على غرار الضحية الأولى، لعملية قيصرية، تدهورت على إثرها بشكل مفاجئ، حالتها الصحية. ما استدعى نقلها على وجه السرعة، إلى قسم الإنعاش، ومدها بالدم و"السيروم"، وإخضاعها للإسعافات الطبية، التي لم تجد نفعا، وعجزت عن انتزاعها من مخالب موت محقق. ومساء الاثنين 6 يناير 2014، لفظت سيدة أنفاسها، في قسم الإنعاش، بعد أن وضعت صباح اليوم ذاته، داخل وحدة التوليد، مولودا حيا، عن طريق الجراحة القيصرية. وهي العملية التي أجريت لها بنجاح، رغم ضغط الحمل الذي ظهر عليها، وإصابتها ب"des convulsions". إن واقع الصحة "غير الوردي"، وارتفاع الوفيات داخل المركز الاستشفائي الإقليميبالجديدة، التابع لوزارة الوردي، يجرنا حتما إلى استحضار واقع بعض الأقسام والمصالح الصحية في هذا المستشفى المصنف في خانة "الجيل الجديد"، وفي طليعتها قسم المستعجلات. هذا القسم الذي تتناوب عليه على مدار ساعات اليوم، أطقم طبية، يعمل كل واحد منها بطبيب من الطب العام وممرضين أو ثلاثة، جلهم متقدمون في السن، ومقبلون على التقاعد، ومنهم من يعاني من أمراض مزمنة. ويقع الضغط على هذه الأطقم الطبية التي تؤمن مهام الحراسة، رغم محدودية أفرادها. ضغط يستشف بلغة الأرقام والحصيلات، من الفحوصات التي تجريها تلك الأطقم الصحية، والتي تناهز أحيانا 300 فحصا في ظرف 24 ساعة، بعضها لا يدرج في سجلات القسم. وغالبا ما يقوم الأطباء "لي جنراليست" بالمهام الموكولة لزملائهم الأطباء الاختصاصيين، من قبيل إجراء تخطيط القلب، وغيره، نظرا لكونهم (الاختصاصيين) يحظون بامتيازات، تمنحها إياهم إدارة المستشفى، دون سند قانوني، من قبيل إعفائهم من القيام ب"الحراسة الإلزامية"، والسماح لهم بالممارسة لدى مصحات القطاع الخاص، وكذا، عدم اشتغالهم خلال عطلة نهاية الأسبوع (...). وبالرجوع إلى الوفيات التي تحصل داخل مستشفى الجديدة، قد يبرر القائمون على الشأن الصحي أرقامها المهولة، بكون بعض المرضى يتم استقدامهم أو إحالتهم، في حالة صحية حرجة، أو ميؤوس منها. حيث يلفظون أنفاسهم نتيجة سكتات أو أزمات قلبية، أو نتيجة إصابات بليغة، كما الشأن بالنسبة لضحايا حوادث السير، أو الاعتداءات الإجرامية (...). قد تكون هذه التبريرات والمبررات واقعية و"علمية"، يقتنع بها العقل، وتؤكدها حتى نتائج التشريح الطبي. لكن هل يمكن تعميم تلك التبريرات على جميع الحالات "الباطولوجية" التي تنتهي بجثت من مختلف الأعمار، تودعها السلطات الصحية في مستودع حفظ الأموات ؟! إن ثمة أسئلة عريضة و"محرجة"، تفتح الباب على مصراعيه على جميع الاحتمالات، من قبيل : * لماذا يكاد معدل الوفيات التي تحصل داخل مستشفى الجديدة، تشكل الاستثناء والتميز، مقارنة مع المعدلات التي تسجل في بعض المستشفيات المغربية ؟! * لماذا حلت لجنة من لجنة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، السنة الماضية، بالمركز الاستشفائي الإقليميبالجديدة ؟! * لماذا لا يتم تشغيل جهاز "سكانير" ليلا ؟! أو ليس دوره مركزيا في تحديد الإصابات الجسمانية البليغة، وفي تشخيص طبيعتها ومدى خطورتها، والتي قد يكون عامل الزمن حاسما في علاجها، وأحيانا في تفادي مرحلة الخطر والموت ؟! * لماذا، وعلى خلاف نظرائهم في باقي مستشفيات المملكة، تعفي إدارة المستشفى الأطباء الاختصاصيين من "الحراسة الإلزامية"، ومن إقامتهم بشكل رسمي في قاعة معدة لهذا الغرض، داخل المستشفى، قريبا من الحالات المرضية الخطيرة والمعقدة، التي تستدعي تدخلا فوريا، وعناية طبية مركزة، ومراقبة متواصلا، وتتبعا عن كثب ؟! أولا يشكل ذلك خرقا لمقتضيات "النظام الداخلي للمستشفيات"، الصادر بشأنه قرار وزارة الصحة رقم : 11-456، بتاريخ : 6 يوليوز 2010، والذي تم نشره في الجريدة الرسمية رقم : 2-5923، بتاريخ : 7 مارس 2011 ؟! * من يقوم بتلك المهام (التتبع والمراقبة الطبية ...) فما يخص الحالات المرضية والإصابات التي يستقبلها قسم المستعجلات ليلا ؟! * ولماذا تتساهل إدارة المستشفى مع بعض الأطباء الاختصاصيين، وتسمح لهم بالممارسة في مصحات خاصة، كما الشأن بالنسبة ل"جيني كولوك"، أخضع بالمناسبة سيدة حبلى لعملية قيصرية، لقيت على إثرها حتفها، في ظروف أثارت جدلا واسعا. ما حدا بالإدارة المركزية إلى إفادة لجنة تفتيش إلى المصحة المستهدفة، التي حصلت بداخلها الوفاة المأساوية ... والتي ينتظر الرأي العام أن تعلن عن النتائج التي توصلت إليها ؟! وتجدر الإشارة إلى أن إدارة المستشفى تعمد في العديد من الحالات الاستعجالية التي تستدعي تدخلات فورية، إلى ربط الاتصال هاتفيا بالأطباء الاختصاصيين، الذين يتواجدون في منازلهم، عوض تقيدهم ب"الحراسة الإلزامية"، وإقامتهم في المستشفى. ونستحضر خير مثال عن ذلك، ما حصل ليلة الاثنين 23 دجنبر 2013، عقب حادثة سير تراجيدية، وقعت فصولها الدموية على المحور الطرقي من الطريق السيار الرابط بين البئر الجديد وأزمور، وخلفت 6 قتلى، و31 مصابا بجروح متفاوتة الخطورة. حيث وجدت إدارة المستشفى صعوبات في ربط الاتصال بالأطباء الاختصاصيين، لدعوتهم للالتحاق بعملهم (...). وتجدر الإشارة إلى أن عامل "الوقت" ... و"التأخر" في الوصول إلى المستشفى غاليا ما يكون حاسما في حياة المريض ... والذي من شأن "دقيقة واحدة" أن تنقذه من مخالب موت محقق. هذا، وهاجمت القناة التلفزية الأولى بشدة، في تقرير إخباري حول الحادثة المميتة، بثته خلال أخبار ظهيرة الثلاثاء 24 دجنبر الماضي، إدارة المستشفى الجديد (...). كما أعرب أحدهم في تصريح على الهواء، عن استيائه من الخدمات العلاجية المقدمة (...).